وشم الأمازيغ بالمغرب من رمز للجمال والهوية إلى ثقافة في طور الانقراض

على مدى قرون عديدة، ظل الوشم جزءا أساسيا من تقاليد وثقافة الأمازيغ بالمغرب، حيث كان يستخدم كوسيلة للتعبير عن الهوية والانتماء الثقافي للأفراد والجماعات الأمازيغية، فضلا عن كونه رمزا للجمال.

ويقول لحسن آيت لفقيه الباحث في التراث الثقافي الأمازيغي، إن الوشم علامة ترسم على الجسد بوخز الجلد، ورسم أشكال فنية وهندسية تحملها النساء في وجوههن ويحملها الرجال في أيديهم، لكن الوشم لدى الرجال بدأ يختفي من ستينيات القرن الماضي.

وأوضح قائلا إن للوشم أشكالا وأنماطا متعددة تنوعت حسب المنطقة والقبيلة، منها ما يرمز إلى الخصوبة، وأكثر أشكاله “تهدف إلى حماية المرأة من الحظ السيء ومن كل هجوم ومن كل سوء تأتي به الأرواح الشريرة”.

وأضاف آيت لفقيه أنه في الأوساط الأمازيغية بشمال أفريقيا يتفنن النساء في وشم أجسادهن، لكن أغلبية الوشم عند النساء يكون على الوجه والرقبة والصدر والبطن والساقين والقدمين. وكان الرجال يستعملون الوشم فقط على معصم اليد والساعد والذراع.

وتختلف تعبيرات الوشم الأمازيغي باختلاف المناطق والقبائل، حيث يتم استخدام رموز وأشكال مختلفة لتمييز الهوية أو للتعبير عن قصص أو قيم ثقافية. فعلى سبيل المثال، تستخدم الأمازيغيات في بعض المناطق رموزا للأشجار أو الحيوانات للتعبير عن الروابط العائلية أو الروحانيات المقدسة، وقد تكون هذه الرموز في المناطق الأخرى تمثل أنماطا هندسية معقدة تعبر عن الدقة والتركيز، وفقا للباحث في التراث الأمازيغي.

وأضاف “لا يمكن إغفال ما يضفيه الوشم من جمال على المرأة. وبالإضافة إلى رمزيته الجمالية فهو يمثل أيضا القبيلة. ويساعد الوشم الباحثين على تحديد ما إذا كانت القبيلة تعتمد الزواج العشائري أو غير العشائري، فإذا ساد شكل وشم موحد في القبيلة فإن القبيلة تعتمد الزواج العشائري، وإذا تبين من وجوه النساء أن هناك أشكالا مختلفة من الوشم فإن لدى القبيلة الزواج غير العشائري، بمعنى أن القبيلة تتزوج من قبائل أخرى”.

وتتنوع أنماط الوشم التي يستخدمها الأمازيغيات على أجسادهن، ويعتبر استعمال الحناء أو بعض الأعشاب الخضراء أحد أكثر وسائل الوشم شهرة بين النساء، حيث يتم رسم أشكال نباتية وهندسية بالنقش عن طريق الوخز بالإبر، وبعدها يتم وضع الحناء أو بعض الأعشاب الخضراء على الجرح المرسوم بالإبرة.

ومع مرور الوقت، تغيرت الممارسات والتصاميم الخاصة بالوشم لدى الأمازيغيات، حيث بدأت النماذج الكلاسيكية مثل تقنيات الدوائر والخطوط تتناقص تدريجيا، واستبدلت بتصاميم أخرى أكثر معاصرة.

وشم الأمازيغ
وشم الأمازيغ

من جانبه، قال ياسين عبد العزيز، أستاذ التاريخ والحضارة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة ابن زهر في أغادير (جنوب المغرب)، إن ثقافة الوشم اقترنت بالثقافات القديمة، وتعتبر جزءا مهما من الموروث الثقافي والحضاري للشعوب القديمة خاصة شعوب أفريقيا والأمازيغ تحديدا، لدرجة أنه يكاد يقترن ذكر الوشم بالأمازيغ.

وأوضع في حديثه إلى وكالة أنباء العالم العربي (AWP) أن الشواهد التاريخية تبين قدم هذه الممارسات عند شعوب شمال أفريقيا.

وقال “الذين يدرسون مسألة النقوش الصخرية سيقفون عند هذه الثقافة، لأن بعض الأجساد والرسومات البشرية التي احتفظت بها بعض النقوش الصخرية في معظم بلدان شمال أفريقيا خاصة في مجال الصحراء الكبرى، ما تزال فيها تلك الأجساد محتفظة بالوشم خاصة أنها كانت تقرنه أساسا بالنساء”.

وأوضح أنه في مرحلة ما قبل الإسلام وفي حضارة مصر القديمة، يتبين أن المنحوتات التي احتفظت بها عمارة الأهرامات تظهر بعض النقوش والرسومات لرجال تحتفظ أجسادهم بالوشم، وبالتالي فإن أقدم مؤشر حول وشم الرجال يوجد داخل أهرامات مصر.

* “تراجع ثقافة الوشم”

أبدى آيت لفقيه أسفه لتراجع ثقافة الوشم مع هجوم العولمة على الهوية الثقافية للقبائل المغربية، وقال “كان من الأجدر تدوين ما تبقى منه بالصورة وإنجاز دراسات حول الوشم، ويندرج ذلك كله في تدوين التراث الثقافي”.

وقال إن الوشم المغربي الأمازيغي التقليدي “وشم عالمي، لكونه يتميز بتصميم متين غير قابل للمسح، وهو شائع في العديد من المناطق الحضرية والقروية بالمغرب، وتكمن عالمية الوشم من خلال شيوعه بين عدد كبير من الثقافات العالمية”.

ويقول أحمد السكونتي، أستاذ الأنثروبولوجيا بالمعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث في الرباط، إن الوشم كان يمارس في المغرب حتى النصف الثاني من القرن العشرين، وهو الآن في طور الانقراض.

وقال السكونتي لوكالة أنباء العالم العربي “في المجتمع التقليدي يمارس بطرق بسيطة باستعمال إبرة وفحم وبعض أنواع النباتات الخضراء والكحل، ويستعمل عند الفتيات في فترة البلوغ، وهو الطقس الذي من خلاله تنتقل الفتاة من الطفولة إلى سن البلوغ حيث تكون جاهزة للزواج”.

وأكد أن الوشم يستعمل كذلك للتمييز بين القبائل، حيث يتم وشم رسوم معينة على أوجه النساء للتمييز بين قبيلة وأخرى.

وأرجع عبد العزيز، أستاذ التاريخ والحضارة، “تراجع ثقافة الوشم” إلى عومل عديدة، قائلا “أولا ومع احتكاك المغاربة بالاستعمار تغيرت نظرتهم إلى الجسد وتغيرت نظرتهم إلى الآخر، كما تغيرت نظرتهم إلى الكون، وبالتالي تغير منظورهم للوشم لديهم، بل أكثر من ذلك وبعد دخول الطب جعل ثقافة الوشم تتراجع، لأن ثقافة الوشم تحمل جزءا من التطبيب والاستشفاء”.

وأشار أستاذ التاريخ والحضارة أيضا إلى ظهور ثقافة جديدة ببلدان شمال أفريقيا بعد الاستعمار، “والتي يمكن أن نسميها بثقافة التمدن، حيث بدأ الناس يتجهون للاستقرار في المدن، وأصبح يسكنهم هاجس إخفاء الهوية الثقافية أو أصولهم القبلية التي وفدوا منها، وهو ما جعلهم يقتنعون بعدم جدوى ممارسة الوشم”.

وأضاف “عامل آخر هو العامل الجغرافي المتعلق بالذهنيات والعقليات خاصة بعد المد الثقافي، إلى جانب ظهور وسائل التجميل الاصطناعية، خاصة بعد منتصف القرن العشرين، حيث ظهرت وسائل تجميل اصطناعي حلت محل ثقافة الوشم العريقة”.

 


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading