حميد أوعضوش *
———-
تتخبط الحركة الأمازيغية في وضعية الشتات والانقسامات وتبدو وكأنها مكسورة الأيدي لا تملك من أمر تغيير وضعية الأمازيغية شيئا، فوضعيتها وضعية العاجز عن الفعل، (أزمة التعليم، الاعتقال السياسي، ترسيم اللغة الأمازيغية رهن القوانين التنظيمية، نهب الثروات …) فلا نخبة تفكر في تضميد جراحها وإسعافها قبل استفحال المرض وانتشاره في كل الأوصال ولا نسيج جمعوي حقوقي قادر على زحزحة الشلل و الركود الذي تعاني منهما بسبب الأزمة التنظيمية التي تتخندق فيها الحركة الأمازيغية . إن مسار الحركة الأمازيغية الممتد على مسافات زمنية ليست بالهينة، فهي تسعى إلى التغيير وتتطلع إلى الحداثة بغرس قيم تموزغا والعلمانية في المجتمع وذلك لطبيعة مشروعها الثقافي وبعدها السياسي وخطابها الديمقراطي التعددي الحداثي. فقوة الحركة الأمازيغية بكل فئاتها تكون بتنوعها بعيدا عن لغة العنف واللجوء إلى التشهير وبطرق ساذجة تنبذها الفلسفة النضالية، فهي حاجة إلى التوقف وإعادة النظر في الأسباب وقراءة التاريخ بل وكتابة التاريخ الجديد، والإنكباب بكل حزم على المشاكل العالقة وتأمّل وجه الحركة الحقيقي في المرآة بما لها وما عليها للتحسيس باللامبالاة التي تجري فيها أولا، والعجز عن التغيير الذي يبصم وبقوة على الوضع الراهن ثانيا.
فالمسار السياسي يقتضي الجدية والحزم، والممارسة النضالية تقتضي موضوعية الرؤية والهدف وامتلاك خطة وآليات لبلوغ هذا الهدف: وذالك عبر الإنخراط في تنمية القدرات النضالية والعمل الميداني، فأي قيمة للنضال بلا وفاء؟ وكيف لمن لم يذق مرارة الميدان أن يعرف قيمة النضال والاعتقال ؟ إن غياب التأهيل النضالي بين مختلف الفعاليات الأمازيغية الذي يشجع على الحوار وقبول الآخــــر يؤدي إلى تكريس الوضعية الحالية والإبقاء عليها باعتبارها الوضعية السليمة والطبيعية والوحيدة الممكنة في ظل الإستراتيجية المتبعة في المشروع المخزني الذي يتسم بالحضور القوي للسلطة المتحكمة في كافة مجالات الحياة والمجتمع حيث أصبح بمثابة مخدر ومنوم لتدجين وإخماد الإحساس عند الشخص /الفرد/المناضل والجماعة مما يعطي الانطباع و الإحساس الحاد لعدم امتلاك القدرة على المراجعة وإعادة تأويل قيمنا الأمازيغية التي تسكن وعينا وسلوكنا. ومواجهة المشهد النضالي بتنظير نقدي قادر على تجاوز الخلافات التي تذكي الإحتقان والفوضى والكراهية في النضال وتكرس النزعة الإنتظارية واستعمال وسائل غير نظيفة تنبذها الثقافة النضالية. إن الحركة الأمازيغية يجب أن تكون واعية بذاتها وبإمكانياتها الخلاقة من جهة وفي نفس الآن أن تكون واعية بطبيعة الخطاب الحداثي المرتبط بسؤال الفعل والتغير، وتفكيك وتشخيص لكل البؤر المتوترة لرفع اللبس الحاصل والتشرذم والشتات التنظيمي بين المعلن والواقعي والمسطر والمنفذ وفق أهداف الحركة الأمازيغية وهدف الأشخاص . إن الحركة الأمازيغية اليوم لا تزال سجينة الصور النمطية التي تربط ميكانيكيا المناضل والقضية بالأشخاص عوض الأفكار نظرا لانعدام المشروع النقدي والحواري المنفتح والمتعدد الأبعاد، حركة تجد في الإحتفالات رمز للثقافة والهوية، حركة تنتقد بشدة الدولة في نظامها السياسي والمجتمعي المتشبع بالإديولوجية الشرقية بتعابير متنوعة ولكنها لا تضع الأصبع على التنظيم الذاتي والشمولي … إن القطع مع هذه النمطية اختيار لا بديل عنه، وسيتعرض للمقاومة لكن من دونه سنظل نقول ونطلب كل شيء إلا ما يهم حاضرنا ومستقبلنا فمن أجل تملّك هذين الأخيرين بكل تحولاتهما يتطلب منا فك لغز فلسفة الانقسامات والشتات التي تعيشها الحركة الأمازيغية بوعي أو بغير وعي والتشبث بوحدة تمـــــــازغـــا هوياتيا من أرض وقيم وثقافة ولغة وإنسان والدفاع عنها بكل شراسة .
إن حالة الأمازيغية اليوم في غرفة الإنعاش فهي موقوفة التنفيذ قانونيا وسياسيا، مجتمعيا ومؤسساتيا، ورغم رياح التغيير والحراك الاجتماعي والثورة الفكرية فالأمازيغية لا تزال رهينة وحبيسة المراحل المطلبية عوض التشكل والشرعية التاريخية فهي تنتظر وتتلقى الأجوبة للانتقال إلى مرحلة ومفهمتها، وهنا يكمن جوهر إشكالية الحركة الأمازيغية وتشتتها وتشرذمها وضعفها في مطالبها حيث تبنى تراتبيا من قضية شعب و دولة إلى سؤال ينتظر الجواب مما يعقّد تركيبة الحقل الأمازيغي، فهناك جمعيات ومعاهد فرضتها ظروف خاصة أو بالأحرى صنعت لمهمات معينة، تنسيقيات جهوية فرضتها طبيعة الجغرافيا، منظمات حقوقية بين الشرعية والزيف … مجموعات لا تخلو من التناقض تتناحر فيما بينها ويستمتع النظام السياسي الذي لا يتوارى بخلق صراعات ونزاعات عبر رموزه وآلياته الخفية والظاهرة.
إن عالَم اليأس والبطالة السياسية والفكرية التي تنخر شرايين شباب اليوم الذين يعتبرون من الوجهة الفكرية الركيزة الحاملة للمجتمع الجديد والعنصر المحرك له هو نتيجة للافتقار إلى التجربة النضالية التي تكتسب بالممارسة، وانعدام المؤهلات التي هي أساس كل نجاح وكل تطور وهو سبب نقدنا اليوم للحركة الأمازيغية الذي لن يَسجن نفسه في الخطاب بل سيعبر عن نفسه في اللحظة الأساسية والتاريخية وذالك للتطوير والتجاوز وخوض غمار التفكير لجمع الشمل والشتات من أجل تغيير جذري. فالحركة الأمازيغية هي أكبر قوة في شمولياتها ليس من أجل تحقيق قضيتها/مطالبها فقط، بل ولإقرار الديمقراطية و الحداثة، إذا كان المنطلق الأساس والحقيقي هو خدمة القضية الأمازيغية فلابد أن نكون قوة واحدة وموحدة في المواقع والخطاب والتساؤل بخصوص المستقبل.
– عيد مبارك سعيد لمن لا عيد له
*المعتقل السياسي للقضية الأمازيغية ، تولال 1 أمكناس(19-9-2015)
التعليقات مغلقة.