قضية حميد أعطوش: من الاعتقال الجائر إلى الإفراج الماكر
محمد بودهان//
لما أُفرج عن المعتقل السياسي للقضية الأمازيغية السيد مصطفى أوساي يوم 22 ماي 2016 (انظر موضوع “قضية أعطوش وأوساي: لغز الإدانة رغم أدلة البراءة” على رابط http://tastyid.com/arr/%d9%82%d8%b6%d9%8a%d8%a9-%d8%a3%d8%b9%d8%b7%d9%88%d8%b4-%d9%88%d8%a3%d8%b3%d8%a7%d9%8a-%d9%84%d8%ba%d8%b2-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%af%d8%a7%d9%86%d8%a9-%d8%b1%d8%ba%d9%85-%d8%a3%d8%af%d9%84%d8%a9-%d8%a7/
كان رفيقه في الاعتقال السياسي، السيد حميد أعطوش، لا تزال تنتظره أحد عشر شهرا كمدة رسمية ليغادر أسوار السجن، وينهي العقوبة التي حكم بها عليه. لكن المفاجأة أن السلطة (المقصود أصحاب القرار، أي المخزن أو الحكم Le pouvoir) ستطلق سراحه، خلسة وعلى حين غرة، ساعة قبل أذان المغرب من يوم 8 يونيو 2016، الموافق لثاني رمضان.
رغم سعادتنا بالإفراج عن المعتقل السياسي للقضية الأمازيغية السيد حميد أعطوش، إلا أن هذا الإفراج، المفاجئ وذا الطابع السري (لم يكن على علم به حتى المستفيد منه)، وفي شهر الصيام، يطرح العديد من الأسئلة، مثلما طرح اعتقال السيد أعطوش هو ورفيقه السيد أوساي، العديد من الأسئلة كذلك.
ما دام أن هذا الإفراج قانوني، فلماذا نُفّذ بطريقة متحايلة على القانون، وبشكل “تهريبي” ينمّ عن نية الخداع والمكر، كما يظهر ذلك من خلال تعمّد السرية والمباغتة، واختيار شهر رمضان؟ في الحقيقة، هذا الإفراج، الذي يشبه فلما “هوليووديا”، يكشف عن ارتباك السلطة إزاء الاعتقال الظالم للسيد حميد أعطوش والسيد مصطفى أوساي منذ 22 ماي 2007. ومن مظاهر هذا الارتباك الإفراج عن السيد أوساي في 22 ماي 2016 مع الاحتفاظ بالسيد أعطوش إلى 22 أبريل 2017، علما أنهما كانا ضحية لنفس التهمة ولنفس العقوبة. لكن بعد أسبوعين ستتراجع السلطة عن قرارها الإبقاء على السيد أعطوش في السجن، وتفاجئ الجميع بالإفراج عنه في توقيت محسوب و مدروس. لماذا هذا التحول المفاجئ في موقف السلطة من هذا الملف؟ حتى نجيب عن هذا السؤال، علينا أن نجيب أولا عن السؤال التالي: لماذا أفرجت السلطة عن السيد مصطفى أوساي واستثنت السيد حميد أعطوش، مع أنها أدانتهما بنفس التهمة وبنفس العقوبة؟
لأنها قد تكون اعتقدت وقدّرت:
ـ أن إطلاق سراح السيد مصطفى أوساي والإبقاء على اعتقال السيد حميد أعطوش، مع ما يعني ذلك من معاملة تمييزية الغاية منها “فرّق تسد”، سيساهم في إضعاف وحدة الصف داخل الحركة الأمازيغية، ويخلق عوامل جديدة لمزيد من الاختلاف والانقسام في المواقف داخلها.
ـ أن احتفاء الحركة الأمازيغية بالإفراج عن معتقل واحد سيكون بسيطا ومتواضعا، يمرّ بدون أصداء ولا ضجيج، عكس لو أطلق سراح الاثنين في نفس الوقت، فإن الاحتفاء بالحدث سيكون ضخما وصاخبا، وهو ما سيزيد من قوة الحركة ووحدتها.
لكن إطلاق سراح السيد مصطفى أوساي دون السيد حميد أعطوش، أعطى نتائج عكسية لما كانت تنتظره السلطة من هذا الاختيار، الذي يبدو أنها خطّطت له بعناية. فالاستقبال التاريخي، الذي حظي به السيد مصطفى أوساي عند خروجه من السجن، وما تلاه من احتفال جماهيري وشعبي ببلدته بـ”فزو” دام ثلاثة أيام، شارك فيه، ليس فقط نشطاء الحركة الأمازيغية الذين حضروا من كل جهات المغرب، بل كل سكان منطقة “فزو”، نساء ورجالا، شبابا وكهولا.. جعل من القضية الأمازيغية، ليس قضية نخبة من الطلبة والمثقفين فقط، بل قضية كل المجتمع وكل الشعب. وهذا العمق الاجتماعي والشعبي، الذي لم يكن دائما حاضرا بقوة لدى الحركة الأمازيغية، اكتسبته القضية الأمازيغية بمناسبة الإفراج عن السيد مصطفى أوساي. يضاف إلى ذلك أن كتابه “الطريق إلى تامزغا: مذكرات معتقل رأي أمازيغي”، الذي يحكي فيه ظروف الاعتقال والتعذيب الذي تعرضا له، وفبركة الملف الجنائي وتلفيق التهمة، والتحقيق المنحاز والمحاكمة غير العادلة ثم السجن، نفذت طبعته الأولى (2500 نسخة) منذ الأسبوع الأول من مغادرته السجن. كما لا ننسى أن العديد من الجمعيات الأمازيغية والمواقع الجامعية، كما في مكناس وإمتغرن والرباط ومراكش وطنجة…، لا تزال تواصل استضافته لتوقيع كتابه، وشرح ظروف وأسباب اعتقاله الظالم هو ورفيقه السيد حميد أعطوش.
لا شك أن هذه المعطيات فاجأت السلطة، التي كانت تراهن على التخفيض من حجم ملف قضية المعتقليْن السياسييْن للقضية الأمازيغية بتقسيمه إلى ملفين، وذلك بالإفراج عن أحدهما والإبقاء على الآخر في السجن، كما سبق توضيح ذلك. لكن بعد أن عاينت أن حجم الملف، بدل أن يصغر كما توقعت، ازداد كبرا وضخامة كما يشهد على ذلك الاحتفال الأسطوري الذي استقبل به السيد مصطفى أوساي، حسب ما سبق بيانه. ومن هنا اقتنعت أن كل يوم إضافي يقضيه السيد حميد أعطوش في السجن بعد إطلاق سراح رفيقه، هو ربح لقضية اعتقالهما السياسي، وانتصار لهما على الظلم والبغي. وبالتالي فكلما تأخر إطلاق سراحه، كلما كان ذلك فرصة ليكون الاحتفاء بخروجه من السجن حدثا تاريخيا سيشكّل محطة مرجعية في مسار الحركة الأمازيغية. إذن لتطويق هذه النتائج والتقليل من “أضرارها” بالنسبة للسلطة، لم يكن لهذه الأخيرة من خيار سوى الإفراج عنه، والتراجع عن قرار الإبقاء عليه في السجن.
وحتى لا يؤول التراجع عن قرار إبقاء السيد حميد أعطوش في السجن لسنة أخرى بعد الإفراج عن رفيقه، على أنه ارتباك وتردد للسلطة، تم إعمال مسطرة الإفراج المقيد بشروط (الفصول 622 إلى 632 من المسطرة الجنائية). وحتى الطريقة السرية و”التهريبية” للإفراج تجد سندها في القانون (الفصل 157 من المرسوم 2.00.485 حول كيفية تطبيق القانون رقم 23.98 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية). كل شيء إذن في هذا الإفراج قانوني!. أليس المغرب دولة الديموقراطية والحق والقانون!؟
هكذا وجدت السلطة الحيلة والمخرج في نصوصها القانونية. وهي بهذا الاستعمال لمسطرة الإفراج المقيد بشروط، تفرج عن السيد حميد أعطوش وتواصل اعتقاله في نفس الوقت. ذلك أن الإكراهات الإدارية والأمنية، التي يخضع لها المستفيد من الإفراج المقيد بشروط، تجعل هذا الإفراج، كما وصفه بحق الناشط الأمازيغي منير قجي، بمثابة خروج من زنزانة صغيرة وضيّقة إلى زنزانة أكبر وأوسع. ولذلك فهو مهدد في كل حين بإلغاء الإفراج المقيد بشروط، وإرجاعه إلى الزنزانة الصغرى، أي السجن، ليس بالضرورة لعدم احترام شروط الإفراج المقيد بشروط، والذي يمكن أن تتسبب فيه، عن قصد أو غير قصد، السلطات المحلية، بل فقط لمجرد اعتبار ـ وهو تقدير ذاتي ـ أن سلوكه سيء (الفصل 629 من المسطرة الجنائية). والأخطر في هذا الإفراج، المقيد بشروط، هو أنه في حالة العدول عنه بإرجاع المستفيد منه إلى السجن، فإنه سيقضي ما تبقّى له من العقوبة تحتسب من تاريخ الإفراج المقيد بشروط وليس من تاريخ إلغاء هذا الإفراج. كل هذه الأسباب تجعل من هذا الإفراج إفراجا ينطوي على غير قليل من الكيد والمكر. لهذا سميته بالإفراج الماكر.
واختيار منح الحرية المقيدة بشروط للمعتقل السياسي للقضية الأمازيغية السيد حميد أعطوش، في شهر رمضان، وليس بعده ولا قبله، كان عملا محسوبا ومدبّرا، بهدف أن يحضر أقل عدد ممكن لاستقباله والاحتفاء بخروجه من السجن. فلا شك أن المسؤولين أخذوا بعين الاعتبار حرارة الصيف (شهر يونيو)، وعطش الصيام، وموسم الامتحانات بالتعليم الثانوي والجامعي، كعوامل تحدّ من التنقل والسفر، وهو ما يعني أن الذين سينتقلون إلى “أملاكو”، حيث تقيم عائلة السيد أعطوش، للمشاركة في الاحتفاء بخروجه المشروط من السجن، سيكون عددهم محدودا.
لكن المفاجأة، التي كذّبت كل التوقعات، هي أن عدد الذين حجوا يوم السبت 11 يونيو إلى بيت السيد حميد أعطوش ببلدة “أملاكو” لاستقباله والاحتفاء بمعانقته المشروطة للحرية، كانوا بالآلاف (أكثر من ستة آلاف حسب تقديرات بعض المصادر الصحفية)، جاؤوا من كل جهات المغرب، وخصوصا من منطقة الجنوب الشرقي، وشكّلوا قافلة يبلغ طولها عدة كيلومترات، تتكوّن من مئات السيارات والحافلات والبيكوبات، تحوّلت معها “أملاكو” إلى مكة أمازيغية يقصدها الأمازيغيون لملاقاة “مانديلا” القضية الأمازيغية، الذي هو السيد حميد أعطوش. والطريف أن قبيلة أيت عطّا، التي ينتمي إليها السيد مصطفى أوساي، والتي كانت دائما، قبل فترة الحماية، في صراع مع قبيلة أيت مرغاد التي ينتمي إليها السيد حميد أعطوش، شاركت في هذا العرس بإهدائها جملا إلى عائلة السيد أعطوش، لنحره تكريما لابن أيت مرغاد، وتعبيرا عن فرحتها (أيت عطّا) بعودته إلى “أملاكو”. وليس المهم هنا هدية الجمل في حد ذاتها، بل ما ترمز إليه من قيم أمازيغية نبيلة، ومن إحياء لنظام “تاظا” الأمازيغي الذي يعني التصالح والتحالف والتعاون والوحدة بين القبائل. وهكذا تكون عودة السيد حميد أعطوش إلى حضن عائلته مناسبة، ليس فقط لتقوية وحدة الحركة الأمازيغية، بل لتقوية وحدة جميع الأمازيغيين.
ما يلاحظ من تنامٍ للوعي الأمازيغي خلال هذه السنة (2016)، كما يظهر ذلك في أربعينية “إزم” (5 مارس)، التي حضرها أزيد من عشرين ألف أمازيغي، وفي الاحتفالات العملاقة التي نظمت بمناسبة معانقة السيد مصطفى أوساي الحرية، والتي استمرت ثلاثة أيام (22، 23 و24 ماي) بمسقط رأسه ببلدة “فزو”، وفي عرس القرن الذي أُقيم على شرف السيد حميد أعطوش يوم 11 يونيو بأملاكو بصفته “منديلا” القضية الأمازيغية، ينمّ ـ كل هذا ـ عن بداية انتقال الأمازيغية من وضعية موضوع Objet منفعل، توجّهه السياسة البربرية ذات المصدر الأجنبي عن الأمازيغية والأمازيغيين، إلى وضعية ذات Sujet فاعلة وصانعة للأحداث والتاريخ، ومنتجة لسياسة أمازيغية ـ وليس بربرية ـ ذات مصدر محلي أمازيغي. وليس غريبا ولا صدفة أن هذا التطور الهام في الوعي الأمازيغي انطلق من الجنوب الشرقي، أرض البطولات والتضحيات والمقاومة. فقد ضحّى الشهيد “إزم” عمر خالق بحياته من أجل الأمازيغية، وضحّى السيد أعطوش والسيد أوساي بزهرة عمرهما في سبيلها كذلك. وها نحن نرى تضحياهم تعطي ثمارها إذ أصبحت تشكّل محطة تاريخية مرجعية ومؤسسة لوعي أمازيغي جديد، سيكون له ما بعده.
من يزور بلدة “فزو”، أو “أملاكو”، اللتين ينتمي إليهما السيد مصطفى أوساي والسيد حميد أعطوش، سيعرف أنه كان عليهما أن يقطعا عدة كيلومتران لمتابعة دراستهما الابتدائية، وعشرات الكيلومترات لمتابعة دراستهما الإعدادية والثانوية، ومئات الكيلومترات لمتابعة دراستهما الجامعية. أمام هذه الصعوبات والعراقيل، كان المتوقع أن ينقطعا عن الدراسة في وقت مبكّر، كما يحصل للكثير من التلاميذ ممن يعيشون في ظروف مماثلة. ولهذا فإن تفوقهما الدراسي، وحصولهما على أربع إجازات (السيد حميد أعطوش حاصل على ثلاث والرابعة في الطريق) وهما في السجن ومحرومان من الحرية، هو إنجاز فذ وفريد. وبدل أن تنوّه بهما السلطة وتشجعهما وتكافئهما على نبوغهما الذي كانت أماراته ظاهرة طيلة مسارهما الدراسي وقبل محنة الاعتقال، ليكونا قدوة للشباب الطموح المجدّ والمجتهد، عاقبتهما على طموحهما ونبوغهما بالزج بهما في السجن لعشر سنوات، بتهمة مفبركة لا يوجد دليل واحد على تورطهما فيها، وخصوصا أن تقرير مختبر الشرطة العلمية يبرئهما منها بشكل علمي، قاطع ونهائي.
مُنح السيد حميد أعطوش الحرية وفق مسطرة الإفراج المقيد بشروط، كما هو معلوم. ومعروف أن المستفيد من هذا النوع من الإفراج يكون تحت المراقبة المستمرة للسلطات الإدارية والأمنية. ورغم ذاك فإن هذه السلطات لم تحرّك ساكنا عندما هاجمت عصابة من “الحلاقين” (إشارة إلى طلبة “البرنامج المرحلي” الذين حلقوا رأس الفتاة شيماء، في 17 ماي 2016، بمقصف كلية العلوم بمكناس)، المعادين لكل ما هو أمازيغي، قاعة للامتحان بجامعة فاس يوم 13 يونيو بحثا عن السيد حميد أعطوش لتصفيته. ولما لم يعثروا عليه توجهوا إلى سبورة الملصقات والإعلانات فكتبوا هناك إعلانهم الذي يقول: «أوعطوش حميد مطلوب رأسه حيا أو ميتا». فأين هي تلك الشرطة القضائية التي سبق أن اعتقلت، وعلى عجل، السيد حميد أعطوش في 22 ماي 2007 بتهمة لا علاقة له بها؟ وأين هي النيابة العامة التي حركّت الدعوى العمومية ضده بناء على تلك التهمة المفبركة؟ لماذا لم تتدخلا، وبنفس العجلة، لإيقاف “الحلاقين” وتقديمهم إلى العدالة، وخصوصا أن فعلهم جرم مشهود لا يحتاج إثباته إلى تحقيق طويل وتحاليل الحمض النووي، لأنهم ارتكبوه داخل مدرّج غاص بالطلبة والأساتذة؟ بل لماذا لم تعتقلاهم ولو بتهمة التهديد، الذي هو جريمة قائمة بذاتها، والتي قدّموا الدليل على ثبوتها في حقهم من خلال إعلانهم المكتوب الذي يطالبون فيه برأس السيد حميد أعطوش، وهو ما يعاقب عليه الفصل 425 من القانون الجنائي؟ أم لأن المستهدف ناشط أمازيغي، فليس هناك إذن داعٍ لتطبيق القانون وردع المعتدين.
وأين هو وزير التعليم العالي، السيد الداودي، المعروف بتصريحاته الفجة والعدائية ضد مناضلي القضية الأمازيغية؟ لماذا سكت إلى الآن (16 يونيو 2016) عن هذا الاقتحام الإرهابي للجامعة من طرف “الحلاقين”، وعن تهديدهم بالقتل لطالب يتابع دراسته بنفس الجامعة؟ أم لأن المستهدف بإرهاب “الحلاقين” هو ناشط أمازيغي، فليس هناك إذن داعٍ للتنديد بما وقع من طرف السيد الوزير، ولا لإصدار بيان التضامن مع الضحية والمطالبة بإعمال القانون في حق الجناة. لكن عندما توجه التهمة إلى الأمازيغيين، يطبق القانون بأقصى سرعة، وبأقسى العقوبات، وبدون دليل حتى على ثبوت التهمة. أما عندما يكون الضحية أمازيغيا، فالقانون يتوقف ويتعطّل.
في الحقيقة، حسنا فعل السيد الداودي عندما لزم الصمت عن هذا الإرهاب الذي يستهدف المناضلين الأمازيغيين داخل الحرم الجامعي، الذي يعتبر السيد الوزير مسؤولا عن ضمان الأمن فيه لجميع الطلبة. لماذا صمته أفضل؟ لأنه إذا سئل لماذا لم يوفّر الحماية للطالب السيد حميد أعطوش، ولماذا لم يطالب بمتابعة المعتدين، فسيجيب: «إن هذا الطالب ليس منا ولا ينتمي إلى حركتنا، وبالتالي فلا تهمنا حمايته ولا الاعتداء عليه»، مكررا ما سبق أن قاله عدما سئل لماذا لم يقدم تعزية في وفاة الطالب “إزم” عمر خالق الذي قتل داخل الجامعة، على غرار تعزيته لعائلة الطالب عبد الرحيم الحسناوي الذي قتل هو أيضا داخل الجامعة، حيث أجاب بما يلي: «ديالنا مشينا عزيناه، وهاداك ما شي ديالنا سيرو عزيوه نتوما». انتبهوا من فضلكم: هذا كلام وزير في حكومة الشعب المغربي، وليس وزيرا في طائفة عرقية أو جماعة دينية ذات عقيدة خاصة بها!.
لقد أشرنا إلى أن تمتيع السلطة للسيد حميد أعطوش بالإفراج المقيّد بشروط، بعد أن كانت قد قررت إبقاءه في السجن أحد عشر شهرا أخرى، يكشف عن تردد وارتباك هذه السلطة بصدد ملف الاعتقال السياسي للسيد أعطوش والسيد أوساي. فقد لجأت إلى هذا الإفراج كنوع من إصلاح الخطأ الأصلي، الذي ارتكبته عندما ادانتها بتهمة ملفقة رغم أدلة براءتهما التي (الأدلة) تكاد تفقأ العين بيقينيتها وقطعيتها. وإصلاح خطأ أصلي بخطأ فرعي هو، في الحقيقة، تمادٍ في الخطأ الأصلي، المتمثل في إدانة بريئين بسبب دفاعهما عن الأمازيغية. وستدرك السلطة فداحة خطئها، بسبب ما أنتجه من آثار عكسية Effets pervers لما كانت تنتظره، عندما تعي أنها، بإدانتها الظالمة لناشطين أمازيغيين بريئين، تكون قد خلقت قديسين للقضية الأمازيغية، وأعطت لهذه القضية مزيدا من القوة والمصداقية والمشروعية. لهذا فإن إصلاح هذا الخطأ لا يكون إلا بالاعتراف به وتصحيحه، أي الاعتراف بالظلم الذي لحق السيد حميد أعطوش والسيد مصطفى أوساي، وفتح الملف لمراجعته قصد إصدار حكم جديد بالبراءة، التي هي وحدها تصلح الخطأ الأصلي، وليس العفو أو الإفراج الاحتيالي الماكر. فبدون هذه البراءة فستبقى قضية السيد أعطوش والسيد أوساي لعنة تلاحق السلطة، مثلما ظلت المحاكمات، التي أدخلت المئات من الأبرياء إلى السجن في فترة ما يعرف يسنوات الرصاص، لعنة تلاحق السلطة إلى أن وجدت حلا جزئيا في إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة، التي اعترفت السلطة عبرها، ومن خلال دفعها تعويضات لهؤلاء الأبرياء الذين قضوا العديد من السنوات في غياهب السجون المظلمة، بأن محاكماتهم كانت ظالمة، وأن قضاءها كان جائرا ومستبدا، وأداة للطغيان والتسلط والبغي. واستعمال القضاء من أجل إسكات الخصوم الإيديولوجيين هو الظلم الأكبر، لأنه، كما قال “مونتسكيو” Montesquieu، «ليس هناك استبداد أفظع من ذلك الذي يُمارس في ظل القانون وتحت غطاء العدالة». وتصحيح الخطأ بخصوص محاكمة السيد أعطوش والسيد أوساي هو تصحيح لظلمين اثنين: ظلم بريئين من فعل لم يقترفاه، وظلم الضحية عندما لم يُقدّم المعتدي الحقيقي عليها إلى العدالة.
وحتى إذا أرادت السلطة إصلاح خطئها الأصلي، في حق السيد أعطوش والسيد أوساي، ودون الخروج عن الشكليات القانونية في ما يخص شروط فتح ملفهما للمراجعة، فيكفيها أن تبحث عن صاحب الحمض النووي المجهول الهوية، الذي عثر عليه بمسرح الجريمة، والذي لا يمكن أن يكون إلا الفاعل، ليشكّل ذلك عنصرا جديدا يسوّغ مراجعة الحكم لإصدار قرار براءتهما.
عندما نقرأ كتاب المعتقل السياسي السيد أوساي ـ ونفس الشيء ينطبق بلا شك على كتاب السيد أعطوش الذي هو قيد الإنجاز ـ، ونتعرّف على أسماء وصفات جميع المتسببين في محنتهما واعتقالهما لمدة تسع سنوات، وخصوصا الجلاد الذي أشرف على تعذيبهما لإجبارهما على التوقيع على محاضر لم يطلعا عليها، نتساءل بماذا سيجيب هؤلاء أبناءهم أو حفدتهم الذين سيقرأون الكتاب، ويسألون والدهم أو جدهم لماذا فعل ذلك؟ سيدرك هؤلاء الأولاد أو الأحفاد أن والدهم أو جدهم، الذي كان يبدو لهم، من خلال ما يغدقه عليهم من حب وعطف وحنان، أنه كله خير وبِر ومودة وإنسانية، كان يخفي حقيقته “الحقيقية” الأخرى التي يظهر فيها إنسانا بلا إنسانية، إنسانا كله كراهية وانتقام وظلم وقسوة… هؤلاء الجلادون والظالمون، حتى إذا أفلتوا من المساءلة أمام العدالة، العادلة وليس الظالمة، فإنهم لن يفلتوا من مساءلة التاريخ، بعد أن يُمزّق القناع الذي يخفي وجوههم، ويُكشف عن هوياتهم، وتُفضح اعتداءاتهم على الشرفاء والأبرياء. وتجري هذه المساءلة بفضل كتابات السجناء الأبرياء، و”محاضرهم” الصحيحة والصادقة، وليس مثل المحاضر المفبركة والمزوّرة لجلاديهم التي على أساسها دخلوا السجن. فلولا هذه الكتابات، لما عرفنا شيئا عن الجلادين المسؤولين عن المعتقلات الفظيعة مثل “تازمامارت” و”قلعة مكونة”. إنها درس لكل ظالم وجلاد، يعتقد أن ظلمه واعتداءه يظلان سرا لا يعرفه إلا هو وضحاياه.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.