بالنسبة للاسكندر ذي القرنين، نحن هنا أمام شخصيتين، أولاهما دينية وردت في القرآن باسم ذي القرنين أي الاسكندر ذو القرنين كما ورد عند أغلب المفسرين، وثانيهما شخصية تاريخية هي الاسكندر المقدوني التي سميت الاسكندرية باسمه؛ وكلا الشخصيتين غزتا و ملكتا العالم المعروف أنذاك، فما علاقة كلتا الشخصيتين بمعبد الإله “أمون ” الأمازيغي في “سيوة”؟
لا يمكن أن نحسم في هوية الشخصية الاولى هل هي نفسها الشخصية التاريخية “الاسكندر المقدوني” أم لا، لكن الكثير من القرائن تدل على أنهما لشخصية واحدة والفرق بينهما أن الاسكندر ذا القرنين ملك موحد حسب القرآن والثاني اي الاسكندر التاريخي هو على دين آلهة قومه بل وذهبت به العظمة أن أشاع بأنه ابن الاله زيوس.
فالتشابه بين الشخصيتين في ما قاما به من أعمال عظام هو ما يجمعهما، بما فيها علاقتهما بمعبد الإله الامازيغي “أمون” ب “سيوة” الامازيغية ( توجد غربا بمصر على الحدود الليبية، وتبعد عن الأسكندرية ب 1000كلم، وما زالت هذه البلدة تحتفظ بأمازيغيتها الى اليوم)، هذه العلاقة هي ما ربطت اسميهما ب “القرنين” اي القرنين الذين يرمزان الى الإله “أمون”.
أولا: ورد الاسكندر في القرءان بأنه رجل صالح وموحد ووصف ب “ذو القرنين”: “وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا (83) من سورة الكهف، ويصفه القرءان بأنه ملك الدنيا أي العالم القديم المعروف أنذاك: “ِإنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84)” سورة الكهف.
وكذلك الشأن بالاسكندر المقدوني (356- 323 ق.م)، فقد ملك بدوره الدنيا أي معظم العالم المعروف آنذاك أي من مصر غربا الى آسيا الصغرى ثم الى ايران والهند شرقا.
ثانيا: عندما دخل الاسكندر المقدوني مصر نصحه مستشاروه بزيارة معبد الإله “أمون” ب “سيوة” غرب مصر لينال رضاه وليسهل عليه حكم مصر، ففعل قاطعا مئات الكيلومترات في الصحراء (1)، وفي معبد أمون توجه كهنتها بتاج “أمون” ذي القرنين والذي يرمز الى هذا الإله الذي هو على شكل انسان برأس كبش ذي القرنين، لذلك لقب بالأسكندر ذي القرنين.
وفي واحة سيوة عيون وبحيرات مياه كبريتية حارة و مقدسة يأتي اليها حجاج هذا الإله الذي عمت عبادته شمال افريفيا ومصر للاستحمام فيها(2) ونيل بركته، ومن الضروري أن يستحم فيها الاسكندر المقدوني عند زيارته لمعبدها الشهير.
ونفس الرحلة قام بها ذو القرنين الديني كما اشار اليها القرءان “حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا” سورة الكهف الاية 86.
اين توجد هذه العين/ البحيرة الحميئة؟ لا داعي لاستحضار تفسيرات المفسرين لأن بعضها يفسر العين بالبحر المحيط كابن كثيرفي حين أن الاقرب الى المطق والواقع هو البحيرة، ونحن نعرف الفرق بين العين والبحر؛ لكن إذا انطلقنا من النص القرءاني فالعين الحمئة المعروفة تاريخيا هي إحدى البحيرات الكبرى الحارة الموجودة في “سيوة” أي في غرب مصر على الحدود الليبية الآن ولا تبعد عنها إلا ب 50 كلم ، والتي اتجه اليها الاسكندر المقدوني التاريخي لينل رضا كهنة هذا الإله. فذو القرنين الديني اتجه الى الغرب إلى أن وصل الى العين الحمئة أي البحيرة الكبريتية المقدسة، ومنطقة سيوة الآن ارمشهورة بحيراتها الكبرى ، وبها عين تسمى عين الشمس نسبة الى الإله أمون حيث كان يرمز كذلك الى الشمس، ويمثل بإنسان برأس كبش بقرنين بينهما قرص شمس(2)، سنقترب إذن من فهم الآية القرءانية التي تتحدث عن ذي القرنين “حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا” سورة الكهف الاية 86، لنستنتج أن اسم “ذي القرنين” له صلة بقرني الإله أمون الذي يرمز اليه برأس كبش وبين قرنيه قرص شمس ( وفي الأدب الحكائي الامازيغي حكاية بعنوان ” أكليد بو سنات تاسكيوين” أي الملك ذو القرنين)؛ إضافة الى أن الآية تتحدث عن قوم هذه العين الحمئة بأنهم على دين وثني: “وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا” الكهف الاية 86. أيكون دين هؤلاء مرتبط بعبادة الإله الامازيغي ” أمون”؟. كما نلاحظ أن ذكر القوم هنا في الآية بدون صفة قدحية يدل على أنهم اصحاب حضارة على عكس أهل الشرق الذي وصل اليهم ذو القرنين الذين وصفهم القرءان بأنهم يعيشون حياة بدائية “حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا” سورة الكهف الآية 90. بعبارة أخرى لا حضارة لهم.
هذا التشابه بين ذي القرنين الديني والاسكندر المقدوني ( الذي يوصف بدوره بذي القرنين) ووصولهما إلى معبد أمون الامازيغي ب”سيوة” يبين لنا الأهمية التي كانت لهذا الإله الأمازيغي في شمال افريقيا والذي أخذه المصريون وأدمجوه بإلههم الكبير “رع” ليعبدوه باسم ” آمون-رع” في فترة من فترات تاريخهم.
الهوامش:
1- قطع الاسكندر صحراء مصر الغربية للوصول الى معبد أمون وهناك توج بتاج أمون واعتبر ابن الاله امون. كتاب” هيرودوت يتحدث عن مصر” احمد بدوي، دار القلم، طبعة 1966، ص111 في الهامش.
2- اشتهرت واحة سيوة حيث معبد الاله أمون بالعيون الدافئة.. والبحيرات ، كتاب أحاديث هيرودوت حول الليبيين(الأمازيغ)، ترجمة وتعليق د. مصطفى أعشي، منشورات المعهد الملكي،2009، ص 60).
ذ. الحسن زهور
التعليقات مغلقة.