محمد بودهان
عندما انتهيت من قراءة كتاب “مذكرات أمير منبوذ” لمولاي هشام العلوي، وجدت أن الهوية الأمازيغية للمغرب هي “المنبوذة” في هذا الكتاب، ولكن ليس عن قصد وعمد، كما يفعل جل الرافضين للأمازيغية، وإنما ـ وهذا هو الخطير ـ هي منبوذة بشكل تلقائي وعفوي، فيه الكثير من الصدق وحسن النية. ذلك أن الكتاب، كل الكتاب ذي 343 صفحة، يتحدث عن المغرب كبلد “عربي” وكدولة “عربية” ذات انتماء “عربي”. أما الانتماء الأمازيغي للمغرب فهو شيء غائب بالمرة لدى الكاتب، كشيء “لامفكّر فيه”، لا يخطر بالبال ولا يحضر بالفكر.
في مقابل هذا الغياب المطلق للأمازيغية كشيء “لامفكّر فيه”، هناك الحضور الطاغي لـ”عروبة” المغرب التي لا يناقشها الكاتب ولا يدافع عنها ولا يحاول إثباتها والإقناع بها. إنها لا تحتاج إلى ذلك لأنها تمثّل معطى أوليا كحقيقة بديهية لا تتطلب دليلا ولا برهانا. وهكذا فـ«ملك المغرب (يتحدث عن الحسن الثاني) هو القائد العربي الأكثر …» (صفحة 138)، و«الصحوة الديموقراطية للعالم العربي في المغرب يجب أن تؤدي إلى…» (صفحة 313)، و«المغرب هو البلد العربي الأكثر…» (صفحة 253)… وحتى «نظام الحكم بالمغرب هو ملكي منذ القرن الثامن مع الأدارسة» (صفحة 335). فنقطة البداية الأسطورية لتاريخ المغرب هي دائما إدريس الأول العربي ذو “النسب الشريف”.
وعلى ذكر “النسب الشريف”، لا ينسى مولاي هشام تذكيرنا بنسبه “الشريف”، عندما قال للملك فهد بخصوص نقاش يتعلق بالملك الأردني حسين: «أجبته بأنني أنا كذلك شريف، أنتمي إلى دوحة النبي، وأنا فخور بذلك دون أن يحمل ذلك مضامين أخرى» (صفحة 159). ولرفع الالتباس الذي يسببه حمل لقبين في نفس الوقت هما “مولاي” الذي يحيل على “النسب الشريف”، و”أمير” الذي يحيل على الانتماء إلى العائلة الملكية، كان مولاي هشام مضطرا، كما يحكي، لتصحيح الوثائق المتعلقة بالهوية عند إقامته بالولايات المتحدة، حيث «علمنت، كما يقول، الإدارة الأميريكية أحد أسباط الرسول بإسقاط لقب “مولاي” والاحتفاظ على صفة “أمير”» (صفحة 269).
كيف لكاتب، مثل مولاي هشام، ذي ثقافة عصرية وفكر تنويري وتكوين أميريكي، أن يؤمن بخرافة “النسب الشريف”، وفي القرن الواحد والعشرين، وليس في القرون الوسطى عندما كانت لهذه الخرافة وظيفتها السياسية النصْبية؟
وهل يستطيع مولاي هشام أن يثبت علميا أنه سليل الرسول (صلعم)؟ هل يستطيع إجراء تحليل الحمض النووي للعشرات من أجداده وجداته ليبرهن لنا على أنه حامل لدماء زرقاء؟ قلت “أجداده وجداته” إذ الأصل في “النسب الشريف” يرجع إلى فاطمة رضي الله عنها، لأن الرسول (صلعم) لم يخلّف أيا من الذكور. فالمصدر الأول “للنسب الشريف” إذن هو الأنثى التي تمثلها فاطمة رضي الله عنها وليس الذكر. وهكذا، وحتى يكون “النسب الشريف” نظرية منطقية وليس مجرد خرافة، سيكون كل “الشرفاء” المنحدرين من الجد الأسطوري إدريس الأول، ينتسبون في “شرفهم” إلى جدتهم الأمازيغية كنزة الأوربية زوجة إدريس، تطبيقا لقاعدة الأصل الأنثوي “للنسب الشريف” (انظر موضوعنا “«النسب الشريف» أو عندما يصبح الميز العنصري من الثوابت والمنشور ضمن الطبعة الثانية من كتاب “في الهوية الأمازيغية للمغرب” المتوفر على الرابط http://tawiza.x10.mx/identite.pdf.
فهل يقبل مولاي هشام أن يكون منطقيا فيعترف أنه يستمد “نسبه الشريف” من جدته كنزة الأمازيغية، ويقتنع بالتالي أن “شرفه” أمازيغي وليس عربيا؟ ثم كيف يؤكد مولاي هشام انتسابه للرسول (صلعم) في الوقت الذي يقول فيه معترفا: «في الحقيقة، إن أجدادنا عملوا على جلب إرث جيني متنوع جدا… تزوجوا من الإفريقيات، ومن التركيات […]. ضمن هذا التعدد الوراثي، كانت هناك إنجليزيات وإيرلنديات اختطفن من قبل القراصنة وقدمن كهدايا للسلطان. لكن تم السكوت عنهن في التاريخ الرسمي لأنه كان يجب الحفاظ على الأصالة الثقافية، إن لم يكن ذلك بدافع الحفاظ على “الصفاء العرقي”» (صفحة 21). بل إن الحسن الثاني، كما يحكي مولاي هشام، «عند ازدياد لالا سكينة، بنت لالا مريم وفؤاد الفلالي، والتي ستصبح الحفيدة المفضلة عند الملك، سيتعجب، وبلا أي حرج، بالعينين الزرقاوين للمولودة الجديدة. “لقد ورثت هذه العيون، يعلّق الحسن الثاني، من جدتها الأولى التركية”، مذكّرا بالعيون الزرقاء لأم محمد الخامس» (صفحة 22).
إذا كان مولاي هشام يؤكد ويعترف بهذا التنوع الوراثي داخل العائلة الملكية، فكيف يجوز له أن يجزم لنا، كل مرة، أنه ينتسب إلى الرسول (صلعم)؟ كيف يقنع نفسه، قبل أن يقنع غيره، بهذا الانتساب الذي يفترض صفاء عرقيا يتنافى مع التنوع الوراثي الذي يتحدث عنه، فضلا على أن مثل هذا الصفاء العرقي المفترض يمثل العنصرية في أجلى صورها؟
في الحقيقة، إن العائلة الملكية هي أبعد ما تكون عن نقاء النسب وزرقة الدماء؟ لماذا؟ لأن القصر الملكي كان دائما، إلى أن وضع لذلك حدا محمد السادس، ملتقى للنساء، المشكلات لحريم السلطان، من كل الأنساب والأعراق والأقوام، كما يعترف بذلك مولاي هشام نفسه. أمام هذا المعطى، كيف يقبل منطقيا وواقعيا الكلام عن نقاء النسب عبر عشرات الأجيال؟
يقول لنا مولاي هشام إن أولاده يحملون الجنسية الأميريكية (صفحة 269). إذن هل سيصبحون “شرفاء أميريكيين” مثلما هم “شرفاء” في المغرب؟ نريد بهذا السؤال أن نبيّن أن خرافة “النسب الشريف” لا توجد إلا في شمال إفريقيا، ولا سيما بالمغرب. ذلك أنه لو كان لهذا “النسب الشريف” من وجود حقيقي وغير خرافي، لكانت دول الخليج هي الأُولى التي تعرف انتشارا واسعا لفكرة “النسب الشريف”، ما دامت هي الأقرب عرقيا وجغرافيا إلى نسب الرسول (صلعم)، وتحمل بلاشك العدد الأكبر من الجينات القريشية. ومع ذلك فلا وجود لأي “نسب شريف” ببلدان الخليج، ولا حتى بالسعودية التي لا زالت هي الحارسة والراعية لقبر الرسول (صلعم).
من بين الأسباب التي فسّر بها مولاي هشام الاعتداءات الإرهابية بالدار البيضاء ليوم 16 ماي 2003، قوله: «لأول مرة يردّ المغاربة بأعمال إرهابية على الفوارق التي تشكّل أساسا للمجتمع المغربي»(250).
شيء جميل أن يندد مولاي هشام بالفوارق، التي تطبع المجتمع المغربي كما يقول، والتي يتعبرها أحد أسباب الهجوم الإرهابي ليوم 16 ماي 2003. لكن هل نسي أن أشد وأقسى أنواع الفوارق الاجتماعية، والتي هي ميز عنصري ثابت ومؤكد، هو ادعاء البعض أنهم “شرفاء” ويحملون دماء زرقاء، مقابل الآخرين ذوي الدماء المتسخة والأنساب الوضيعة؟ فإذا كان يحارب الفوارق الاجتماعية ويدافع عن المساواة، كما يتظاهر بذلك، فعليه إذن أن يتخلى عن خرافة “النسب الشريف” العنصرية، ليكون مثل المغاربة المنتسبين إلى الشرف الحقيقي ـ وليس الخرافي ـ الذي يستمدونه من موطنهم بشمال إفريقيا وليس من أصولهم العرقية المفترضة.
إن الغاية من كل هذا “النسب الشريف” هو “نبذ” أمازيغية المغرب، وانتحال نسب عرقي أجنبي تنكرا للهوية الترابية للأرض والموطن. وهذا “النبذ” والتنكر هما المقصودان عندما يقول مولا هشام بأن نظام الحكم بالمغرب كان ملكيا منذ الأدارسة بدءا من القرن الثامن، أي منذ دخول إدريس “الشريف” إلى المغرب، وهو ما يعني “نبذا” وإقصاء للأمازيغية والأمازيغيين، الذين لم تعد لهم علاقة بالحكم الذي أصبح حكرا على “الشرفاء”.
لكن مولاي هشام يعترف في مكان آخر أن النظام الملكي الحالي خلقه الماريشال ليوطي «الذي حوّل السلطنة إلى مملكة»(152). نعم، فقبل الحماية، التي جاءت لـ”حماية” حلفائها “الشرفاء”، كانت سلطة السلطان محدودة ورهينة في يد القبائل الموالية. لكن “ليوطي” سيجعل من السلطان ملكا بسلطات واسعة، ومن سلطنته مملكة حقيقية تمارس سلطتها على مجموع التراب المغربي وعلى كل القبائل.
مولاي هشام يعيش بالولايات المتحدة. لكنه لم يستفد شيئا من المفهوم الترابي للهوية كما هو ممارس عند الأميريكيين، إذ لا زال يفهم الهوية على أنها انتماء عرقي وليست انتماء ترابيا. فهو يعرف أن رئيس الولايات المتحدة، باراك أوباما، ذو أصول عرقية كينية معروفة ومؤكدة، وليس مثل الأصول العرقية المفترضة لمولاي هشام. ومع ذلك فهو لا يقول بأنه كيني، بل يفتخر أنه أميريكي الهوية بحكم الانتماء الترابي إلى أميريكا بغض النظر عن أصوله العرقية. ولهذا انتخبه الأميريكيون مرتين رئيسا لهم. النتيجة أنه حتى إذا صدقنا أن مولاي هشام هو حقا من أصول عرقية عربية “شريفة”، فإن وضعه الهوياتي لا يختلف عن حالة الرئيس “أوباما” أو الرئيس الفرنسي السابق “ساركوزي”. وبالتالي يكون انتماؤه أمازيغيا يستمده من الأرض الأمازيغية للمغرب، بغض النظر عن أصوله العرقية المفترضة.
مولاي هشام لا يكلّ من الدعوة إلى نظام ديموقراطي بالمغرب. لكنه يمارس في نفس الوقت ما يتناقض مع مستلزمات الديموقراطية، عندما يتمسّك بالنزعة العرقية المتمثلة في استحضار أصله العربي المفترض و”نسبه الشريف”، الذي يقوّض الديموقراطية والمساواة من أساسهما، لأنه يؤسس لنظام امتياز عرقي، يتنافى مع أبسط شروط الديموقراطية.
وقد ذهب به تحمّسه للعروبة وتعاطفه مع كل ما هو عربي إلى أن شعر بنشوة الانتصار عقب الهجوم الإرهابي على الولايات المتحدة في 11 شتمير 2001. يقول: «رغم إدانتي للهجوم، ورغم تضامني مع الولايات المتحدة، إلا أنني، ورغما عن نفسي، أحسست بانتشاء وأنا أرى عربا ينجحون في توجيه مثل هذه الضرية للقوة الأولى في العالم» (صفحة 231).
لا شك أن عربا حقيقيين قد خجلوا من اشتراكهم في نفس الانتماء العربي لإرهابيي 11 شتمبر 2001. لكن مولاي هشام، الذي ينتحل الانتماء العربي، دفعه تعلقه بمعبودته العروبة إلى حد الشعور بالانتشاء لأعمال إرهابية نفذها عرب. فما المخجل أكثر: الانتماء العربي إلى نفس الهوية التي ينتمي إليها منفذو هجوم 11 شتمبر 2001، أم الشعور بالانتشاء لنجاح هذا الهجوم؟ هذا التعلق، وبإفراط وتطرّف، بالعروبة والعرب يجعل من مولاي هشام عضوَ العائلة العلوية الأكثر عروبة.
والذي يهمنا، طبعا، من عروبته هو أنه يتعامل مع المغرب كبلد “عربي” ذي انتماء “عربي”، مرددا نفس الأفكار العامّية حول انتماء المغرب وهويته، مقصيا الهوية الأمازيغية للمغرب كشيء “لامفكّر فيه”، كأنه لا يعرف تاريخ المغرب ولا درس جغرافيته ولا اطلع على لغاته وتراثه. واللافت أنه لا زال يعتبر المغرب بلدا “عربيا” وبهوية “عربية” حتى في سنة 2014 التي صدر فيها كتابه، أي بعد كل التحولات التي طرأت على المواقف الرسمية لصالح الأمازيغية، وبعد الاعتراف الدستوري بها كمكوّن لهوية المغرب وكلغة رسمية. إلا أنه لا يزال أصم وأعمى عندما يتعلق الأمر بالأمازيغية التي لا يسمعها ولا يراها. وهذا ليس بغريب عمن انتقد محمدا السادس بسبب الترسيم الدستوري للأمازيغية عندما قال إن هذا الترسيم هو عودة إلى “الظهير البربري”، كما صرح في حوار له مع المجلة الفرنسية Le Débat (مناقشات) في عددها 166 لشهري شتمبر ـ أكتوبر 2011 (انظر مقالنا حول الموضوع” الأمير مولاي هشام يحيي «الظهير البربري» المنشور أيضا ضمن كتاب “الظهير البربري: حقيقة أم أسطورة” المتوفر على الرابط: http://tawiza.x10.mx/dahir.pdf).
في الحقيقة هو أصم وأعمى عندما يتعلق الأمر بالأمازيغية، لأنه لو كان يسمعها ويراها لما عارض بها محمدا السادس لأنه رسّمها دستوريا، وإنما لعارضه لأن ترسيمها لا زال لم ينفّذ بعدُ إذ لم يصدر القانون التنظيمي الموعود به، فضلا عن إفشال مشروع تدريسها الذي تحوّل إلى استخفاف باللغة الأمازيغية وبالأمازيغيين.
بعد نصف سنة على اتهامه لمحمد السادس بمحاولة إحياء “الظهير البربري”، سيعلن مولاي هشام في إحدى محاضراته بباريس أنه يقدّم نفسه كقومي عربي، مضيفا أن الأمازيغيين ليسوا هم سكان المغرب الأولون، مرددا تلك الأفكار العامّية حول انتماء وأصول المغاربة
(انظر مداخلته بموقع “يوتوب” على الرابط http://www.youtube.com/watch?v=3nT9QCwIuH8)
من بين أصدق ما جاء في كتاب مولاي هشام هو اعترافه أنه بدأ يحب اللغة العربية بأميريكا بعد أن كان يكرهها بالمغرب: «المفارقة أنني بدأت أعطي الاعتبار للغة العربية، بعد أن كانت قبل ذلك عبئا ثقيلا بالنسبة لي، وأداة للتعذيب عن طريق الحفظ. أما اليوم، وبعيدا عن مقر أسرتي بالمغرب، فقد أصبحت العربية لغة حية» (صفحة 93 ـ 94).
لماذا أصبحت العربية لغة حية بالولايات المتحدة بعد أن كانت أداة تعذيب بالمغرب؟
لأن العربية في الولايات المتحدة تدرّس كلغة. أما في المغرب فتدرّس كإيديولوجيا ترمي، ليس إلى تعليم العربية كلغة، بل إلى تعليم العروبة التي هي الغاية من تعليم العربية، التي هي مجرد وسيلة لتحقيق هذه الغاية. وتعليم العروبة يعني “نبذ” الأمازيغية كانتماء وثقافة ولغة وتاريخ وحضارة. وهذا ما تهدف إليه، وقد حققته، سياسة التعريب المقيتة.
قلت إن مولاي هشام يتحدث في الكتاب عن المغرب كأرض “عربية” تحكمها دولة “عربية” ذات انتماء “عربي”. وهو ما يعني إقصاء للأمازيغية، ليس كشيء مرفوض يعارضه مولاي هشام، بل كشيء “لامفكّر فيه” فيه لأنه لا يخطر بالبال ولا يحضر بالفكر، كما سبق أن كتبت.
إلا أنه يحكي لنا عن آلاف الهكتارات من الأراضي التي يملكها هو وأسرته بالمغرب. والمغرب يوجد بشمال إفريقيا وليس بالجزيرة العربية موطن العروبة. فكيف يكون مولاي هشام “عربيا”، أي منتميا إلى العروبة، لكنه يملك أراضي بشمال إفرقيا الأمازيغية، وليس بنجد أو الطائف أو “الربع الخالي”. وإذا عرفنا أن مولاي هشام مالك شرعي لهذه الأراضي، وليس سارقا لها ولا مستوليا عليها، فإنه من الصعب أن نفهم كيف يكون حائزا لكل هذه الآلاف من الهكتارات بأرض أمازيغية، وهو يجهر أنه ينتمي إلى العروبة وليس إلى الأمازيغية. وقد تساءلت كيف تمكّن من حيازة أربعة وخمسين هكتارا من الأراضي بمنطقة قريبة من الناظور، كما يروي لنا ذلك، وهي أراضٍ كانت مملوكة لقبيلة “أيث بوعرور” الأمازيغية. مما يدل ويعني أن الأرض هي في الأصل أمازيغية، وتعطي لأصحابها هويتها الأمازيغية، كما هو حال كل أرض المغرب التي منها يستمد الشعب المغربي هويته، ذات المضمون الترابي وليس العرقي مثل خرافة “النسب الشريف”.
وعلى ذكر هذه الثروة العقارية، نشير إلى أن مولاي هشام يقول لنا في كتابه بأنه نصح محمدا السادس، مباشرة بعد توليه الحكم خلفا لأبيه، كما يلي: «إن ثروة العائلة الملكية (la maison royale) يجب أن ترجع إلى الأمة». إنه لموقف شجاع نبيل ومشرّف أن يطالب أحد أعضاء الأسرة الحاكمة من الملك أن يرجع الثروة الملكية إلى الشعب. لكن ما ليس شجاعا ولا نبيلا ولا مشرّفا هو أن مولاي هشام لم يبدأ هو نفسه في تنفيذ وصيته للملك الجديد محمد السادس، فيرجع الثروة التي ورثها عن أبيه إلى الشعب، ويتنازل عن الآلاف من الهكتارات للأمة كما نصح بذلك ابن عمه محمد السادس.
رغم أن مولاي هشام، ومن منطلق قومي عربي، يعتبر المغرب بلدا “عربيا”، فهو يعترف بنزاهة واستقامة الذين تعامل معهم من الأمازيغيين. فهو يقول عن الكولونيل “شرّاط” من الحرس الملكي: «هو ريفي نموذجي، مستقيم كالألف، أنيق ومنضبط» (صفحة 40). ويقول من الجنرال المذبوح، ذي الأصول الريفية، متزعم محاولة انقلاب 1971، «إنه ضابط صارم ونزيه، رافض للفساد» (صفحة 48). بل حتى الجنرال أفقير يقول عنه «بأنه لم يكن يتحمل الزبونية والفساد» (صفحة 54).
خلاصة القول إن الكتاب، في ما يخص الهوية الأمازيغية للمغرب، هو عبارة عن “بروباغندا” للقومية العربية لأنه يطرح عروبة المغرب كبديهية لا تناقش، كشيء عادي يتلاءم مع طبيعة الأشياء، كنوع من “الهابيتوس” habitus. ولا شك أن الفرنسيين الذين سيقرأون الكتاب، الذي كتب بلغتهم ونشر ببلدهم، سوف يقتنعون أن المغرب بلد “عربي”، كما أراده الفرنسي “ليوطي” الذي أنجز المرحلة الأولى من التعريب المتمثلة في التعريب السياسي. هكذا يدعم الكتاب “الشذوذ الجنسي” (بمعناه القومي الهوياتي) للدولة المغربية، لأنه يقدم هذا “الشذوذ الجنسي” كظاهرة سويّة لا خروج فيها عما هو عادي وطبيعي.
وأخيرا، أعتقد أن كل مغربي سيتمنى أن تطاله لعنة “النبذ” و”النفي” على طريقة مولاي هشام، أي يتمنى أن “ينبذ” وهو حائز لآلاف الهكتارات من الأراضي المغربية، ومالك لعشرات الملايين من الدولارات، ومنجز لمشاريع اقتصادية عملاقه تدرّ عليه الملايير. فهنيئا “للمنبوذين” على شاكلة مولاي هشام.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.