أخيراً مرض الصديق واشتد مرضه فهببت لزيارته كالعادة، ملقى على فراشه، ما إن رءاني حتى تفتحت سريرته واشرقت بسمته المعهودة، بسمة وراءها ما وراءها، إما شكر وإما عتاب.
حاولت إدخال السرور على قلبه بشتى الوسائل، وقد توفقت في ذلك ذالك بالرجوع إلى أحداث مضت ومواقف دفينة الماضي لكن مفعولها لازال ساريا خصوصا المضحك منها. استأنس لحديثي وباذلته نفس الشعور. ركبت على موج شعوره بالغبطه بسبب حضوري وباغته بسؤال عن الأصدقاء وهل هناك من زيارات قاموا بها للاطمئنان على صحته ؟
خصوصا وأنا أعلم كل العلم أن اصدقاءه كانوا كثرا، كانوا بمثابة الظل الذي لا يفارق صاحبه. كانوا يتفاخرون بصداقته ويتسابقون لمجالسته، وكيف لا و هو الرجل الصالح الذي ترك باب منزله مفتوحا في وجه الخاص و العام، فكم كانت يده ندية سخية وكم كانت مساعدته للمحتاجين حاضرة ؟ فكم واسى من أيتام وارامل ومرضى ومحتاجين ؟
نظر إلي نظرة عميقة فقال:
كل شيء دفن مع الماضي فإني لم اأر قط منهم أحدا. وتنهد نهدة عميقة غصت بسببها أنا ألف غصة، حينها شعرت بأن سهاما خرجت من فمه واخترقت اأحشاءي. وبشجاعة حاولت أن التمس العذر لهم سامحهم الله. ثم عدت به إلى ما سبق من حديث ونكث فرسمت الإبتسامة على محياه من جديد.
ودعته بعد أن خففت من روعه وحنقه وشعوره بانقطاع حبل الصداقة الذي كان يربط بينه وبين أصدقاء زمن اليمن والرخاء، زمن الاكل والشرب وقضاء الحواءج.
ودعته و خرجت وأنا أشعر بضيق وحزن، توجهت للتو صوب واحة ذات طبيعة خلابة بها مقصف على منظر جميل، جلست علني أخفف من كدري. تناولت مشروبا علني أشعر ببعض الراحة لكن هيهات هيهات.
عند نومي هاجمني الشريط من جديد وحال بيني وبين السهاد، بحث ولو عن غفوة لكنها أبت أن تأتي، ازلت الغطاء عني وأخذت قلما وورقة وكتبت هذه الكلمات كما جاءت عفوية ليست بشعر ولا نثر ولكنها خواطر وكلمات واليكموها:
غفوت طويلا وصحوت
ثم غفوت وصحوت لأزف الخبر
حنق وغيظ ألما بي: ولهيب بين أحشاء انتشر
خلتني باحبة محتم: خلتهم كواكب يتوسطهم قمر
للذوذ عن حماي ظننتهم: وفي الإخلاص عبرة من اعتبر
حسبتهم للشداءد كلها: خصوصا إذا ما اشتد الخطر
لا من هؤلاء ولا من هؤلاء: هموا سراب بان من بعيد ثم انذثر
ربيعهم خريف وودهم: تساقط مثل أوراق الشجر
صاح ما شكل الصديق ووده: أني لم أعد أرى للصداقة من أثر
لهفي على زمن الأحبة ولى: عند ذكراه تطاير من قلبي الشرر
أحبتي إن كانت من عودة: فعودوا فإني على عهدي ما شاء القدر
أين الإخلاص بل أين ودكمو ؟ بل أين التزاور الذي به ربنا أمر ؟
داعبتهم جاريتهم أحببتهم منذ الصغر: نادمتهم جالستهم خذلوني في الكبر
وا حسرتاه على هجرانهم ! هجران أسأل دمعي كالمطر
النابلسي(خواطر)
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.