خريبكة: سعيد العيدي
عرف الملتقى الخامس للثقافة العربية دورة المفكر المغربي الراحل المهدي المنجرة نجاحا كبيرا، هاته الدورة المنظمة بخريبكة من 22 إلى 25 شتنبر 2017 تحت شعار “التنوع الثقافي في خدمة التكافل الثقافي الإفريقي العربي” وبمشاركة دول فلسطين، لبنان، سلطنة عمان، مصر، ليبيا، تونس، الجزائر، موريتانيا، السودان، المغرب، نيجيريا وغانا شهدت تكريم الدكتور الراحل المهدي المنجرة حيث تسلم درع التكريم مدير المؤسسة الدكتور عبد الحميد بناني، كما تم عرض شريط وثائقي للمفكر المهدي المنجرة إخراج عز العرب العلوي، وبالمناسبة تم تكريم الدكتور عبد الصمد الازهري والفاعلة الجمعوية خديجة حجوبي من طرف رئيسة منتدى الأفاق للثقافة والتنمية ياسمين الحاج وأعضاء وعضوات المكتب المسر للجمعية، وتنظيم أمسية شعرية بمشاركة شعراء من دول عربية بفندق الطرق الاربعة، كما شهدت غرفة التجارة والصناعة والخدمات بخريبكة تنظيم الندوة الخاصة بفكر المهدي المنجرة شارك فيها الأستاذ المعانيد الشرقي في موضوع القيم رافعة أساسية لمواجهة التخلف فكر المهدي المنجرة نموذجا، والأستاذ عبد الرحمن غانمي في موضوع المهدي المنجرة وتحديات الأوضاع المعاصرة، والأستاذ يوسف هنائي في موضوع أهمية الدراسات الإستراتيجية والإستشرافية في التنمية، والأستاذ خرمودي ميلود في موضوع أهمية الدراسات المستقبلية والاستشرافية في مخططات التنمية، ومداخلة الدكتور عبد الحميد بناني رئيس اللجنة التحضيرية لمؤسسة المهدي المنجرة للفكر والإبداع في موضوع: فكر ومسار واستشرافات الدكتور المهدي المنجرة.
وشهد الملتقى الخامس تنظيم ندوة فكرية ثانية حول التنوع الثقافي في خدمة التكامل الافريقي العربي وعرفت مداخلات المفكر العربي معن بشور من لبنان عنوان المداخلة : افريقيا والمشروع النهضوي العربي و الدكتور محمد سالم محمد ارشيدة من ليبيا عنوا ن المداخلة : واقع الشباب في تحقيق التكامل الافريقي والدكتور ناجي محمد الامام من موريتانيا عنوان المداخلة : الحرف العربي رمز التكامل الحضاري العربي الافريقي، والاستاذ لبيتي محمد من المغرب عنوان المداخلة : تثمين الاختلاف و الاعتراف لبناء العلاقات الإنسانية على أساس التسامح و التعارف الحضاري بين اغلب الاجناس الافريقية.
وتجدر الإشارة إلى أن الملتقى شهد خرجة للتعريف بالتراث المغربي في إطار فعاليات مهرجان التبوريدة بئر مزوي بتنسيق مع جمعية الشروق للثقافة والتنمية وجماعة بئر مزوي مع تكريم السيد عبد اللطيف الضعوفي رئيس جماعة بئر مزوي والسيد أحمد زلال شاعر الفوسفاط رافقه قراءات شعرية من مبدعين داخل وخارج المغرب وتكريمات وتوزيع الشهادات التقديرية تم أن الأمسية تخللتها وصلات فنية ورحلة سياحية لفائدة المشاركين الى مدينة بني ملال مع تنظيم أمسية شعرية وفنية بمنتجع رمز القريب من شلالات عين أسردون السياحية.
ولعل من بين أبرز المداخلات الفكرية التي عرفها الملتقى هي مداخلة الدكتور عبد الحميد بناني رئيس اللجنة التحضيرية لمؤسسة المهدي المنجرة للفكر والإبداع في موضوع: فكر ومسار واستشرافات الدكتور المهدي المنجرة. الذي حاول من خلال مداخلته التركيز على مسار الدكتور المهدي المنجرة مع استحضار مجموعة من الخصال البارزة التي ميزت شخصيته. فقد كان، رحمه الله، منظومة قائمة بذاتها كرست وبشكل مثير التجانس الكبير بين أفكاره ومواقفه ومبادئه من جهة، وبين سلوكاته وتصرفاته، من جهة أخرى. كما تجسد من خلاله: المثقف العضوي “الذي يتحسس آلام شعبه” لأنطونيو غرامشي ليضيف له “كل الشعوب” خصوصا المستضعفين منهم على غرار أبو الثوار إرنيسطو تشي غيفارا :”فأينما وجد الظلم فذاك موطني”، بالإضافة الى تبنيه لسلمية المهاتما غاندي وتشبثه بها. وتبقى مقولة جون بول سارتر “إنما الانسان عندما يختار فإنما يختار للناس جمعاء” حاضرة بقوة في فكر المنجرة شأنها في ذلك شأن مقولة روني ماهو الذي يعتبر بأن التنمية الحقيقية تتم “عندما يصبح العلم ثقافة” متجدرة كفكر وأخلاق و سلوكات لدى الأفراد والجماعات داخل مجتمع معين. ويقول عزيز النفس في هذا الصدد: “العلم في حاجة الى أن يعترف لنفسه كجزء لا يتجزأ من الثقافة التي ينمو بداخلها والى مساءلة شموليته وحياده.”.
لم يكن، رحمه الله، باحثا ومفكرا عربيا وإسلاميا فحسب وإنما ارتقى إلى العالمـــية وأصبح مفكرا كونيا إنسانيا بلور مشروعا تحرريا مجتمعيا شاملا وواضح المعالم والمقاصد. رصد وركز بدقة مثيرة على المشاكل والتحديات التي نواجهها على الصعيد الدولي والعربي والإسلامي قبل التطرق للوضع الوطني. كما استشرف وأصاب في مقارباته للتحولات الكبرى والعميقة التي سيواجهها العالم إذا لم تغير الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين من استراتيجياتهم ومخططاتهم المبنية أساسا على تكريس هيمنة القيم المسيحية اليهودية على باقي القيم الحضارية الأخرى.
- المنجرة العالم المستقبلي: حيث كان الدكتور المهدي المنجرة العالم المستقبلي والخبير الدولي سباقا إلى طرح مفهوم “الحرب الحضارية” وهو مصطلح من المصطلحات الفكرية التي أضحت حاضرة بكثافة في كتـاباته ومحاضراته ومؤلفاته وأبحاثه. و على خلاف موقف صامويل هنتنغتون، فإن مقاربة المنجرة كانت وقائية تحذيرية، ترمي إلى تبني حوار حضاري بين دول الشمال ودول الجنوب لتفادي الصدام الحضاري، في حين أن هنتنغتون كانت أفكاره توجيهية وخطة إستراتيجية في خدمة صناع القرار الأمريكي، حيث لم يكن هدفه إيجاد الحلول بقدر ما كانت نظرته عنصرية، استعلائية ومستفزة. ولذلك كان يعتبر أن “كل ما هو غير يهودي مسيحي سيكون مصدر خطر و يجب ان نحضر انفسنا لذلك…”.
هذا المفكر الاستثنائي عندما جاء بالفكرة كأول من نبه لخطورة عدم الانتباه للقيم الحضارية ومحاولة فرض القيم المسيحية اليهودية على القيم الأخرى وعلى رأسها الحضارة العربية الاسلامية. ويجب التذكير في هذا الصدد بأن الدكتور المنجرة تطرق لمفهوم صدام الحضارات منذ سنة 1973، أي عشرين سنة قبل هيتنغتون، وقدم استقالته من الأمم المتحدة سنة 1976 لكونها أصبحت أداة لتكريس القيم المسيحية اليهودية وفرض هيمنتها على باقي الحضارات.
وفي سنة 1978 خلال مؤتمر حول العلاقات شمال جنوب اعتبر بأن أهم مشكلة سياسية بين الشمال والجنوب هو الاتصال الثقافي والحضاري وأن “أكبر قنبلة تنتظركم هي حضارية ثقافية”. كما استشرف خلال نقاش مع جون جاك شرايبير في برنامج تلفزي باليابان سنة 1989، بأن الحروب في المستقبل ستكون حضارية فقط.
لقد كرس الدكتور المنجرة حياته للتصدي للنيولبرالية-الامبريالية و ظل مرابطا ضد العولمة المتوحشة الهادفة الى فرض نمط معين للقيم ورفضها لحمولتها الاستعمارية ولبعدها الاقتصادي الإقصائي ولمرجعيتها اليهودية المسيحية ولرفضها التعدد والتنوع الذي لا مستقبل للبشرية بدونهما.
أما بالنسبة للحلول التي اقترحها المنجرة، فتتجلى من خلال دعوته للحوار والتواصل بين الشمال والجنوب حيث خصص له جائزة منذ سنة 1991 مولها من خلال مداخيل كتبه ومؤلفاته. ولكن بعد مرور أزيد من عشر سنوات، خاب ظنه في دول الشمال اللذين لم يبدوا أية أهمية لهذا الحوار ليتبنى في الأخير الانتفاضة كحل أمثل وحتمي باعتبارها روح الأمة والرؤية الوحيدة التي ستتمكن الشعوب من خلالها التخلص من أغلالها.
لقد استشرف الدكتور المنجرة ثلاثة سيناريوهات محتملة تتمحور حول الاستقرار وهو المشهد السائد والكل يمجده، ثم سيناريو الاصلاح الذي فات أوانه مرجحا سيناريو “التغيير الجذري” للأنظمة الحاكمة في العالم العربي.
كان الدكتور المنجرة يهتم بأزمة مصيرية وهي إلى أين نسير؟ إنها أزمة تؤلمه، لاسيما وهو يعاين غياب رؤية مستقبلية لدى القائمين على الأمور بالمغرب . وقد سبق للدكتور أن قال أكثر من مرة:” أتحدى أي شخص يعطيني رؤية شاملة حول مستقبل المغرب، للأسف الكل مشغول بالآنية وما يسمى بالانتقال، وأنا أتساءل الانتقال إلى أين ؟”
حقا، لقد صدق الدكتور المهدي، لأنه لكي ننتقل يجب أن نعرف من أين أتينا وإلى أين نحن سائرون. كما ندد مرارا وتكرارا.
بصمت المؤرخين المغاربة وانكبابهم فقط على تاريخ القرون الوسطى. صمت النخب وغياب الضمير من سياسيين ومثقفين حيث اعتبر جلهم خونة ومرتزقة رضخوا للمكاسب والريع السياسي والمناصب وبذلك يخلص المهدي المنجرة إلى كون أن:
- تاريخ المغرب مرتبط بالاستعمار وماضيه ليس بأيدي أبنائه،
- حاضر المغرب فهو بيد غير المغاربة ولا يتحكمون فيه،
- مستقبل المغرب فهو محدد من طرف الغير وفي إرشادات وتوصيات تبلور خارج المغرب ومن طرف غير المغاربة.
- الحركة الوطنية (المغرب وباقي الدول): لقد انخرط المهدي المنجرة في الحركة الوطنية ضد الاستعمار الفرنسي في سن جد مبكر وهو لم يتجاوز الاثني عشر سنة، حيث رفض في الكثير من المدارس لتصديه بقوة ضد الدعاية الاستعمارية الممارسة من طرف الأساتذة. كما دخل الطفل المقاوم السجن وهو ابن الخامسة عشر حين انتفض في مسبح بإفران ضد عميد للشرطة الذي لم يرى أي اشكال ان يسبح كلب وسط مجموعة من المغاربة بعد ان أثارت انتباهه سيدة فرنسية كانت من بين الحاضرين. وكانت ردة فعل المنجرة الطفل الذي لم يتجاوز سنه الخمسة عشر جد قوية حيث اعطاه دروسا في الأخلاق والقيم قبل أن يأمر باعتقاله لمدة 15 يوم.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية أصبح المنجرة في عمق العمل من أجل التحرير من الاستعمار ليس على صعيد المغرب فحسب بل تبنى قضايا استقلال كل الشعوب،
- 1951 التحق بمكتب الحركة الوطنية الذي افتتحه المهدي بنعبود بواشنطن،
- 1952 التحق بمكتب الحركة الذي افتتح في نيويورك (بن عبد العالي و عبد الرحمن انكاي والمهدي بنونة)،
لقد قام الدكتور المهدي المنجرة بمجهودات جبارة حول استقلال المغرب توجت بوضع ميثاق وطني حول استقلال المغرب وإدراج ملف استقلال بجدول أعمال مجلس الأمن.
- (29 غشت1953) أدرج ملف المغرب في جدول أعمال مجلس الأمن.
ومن المفارقات الغريبة أن الدكتور المنجرة، لم يشارك في مفاوضات “إيكس ليبان” والتي اعتبرها “مجرد تسوية بين زعماء سياسيين والمستعمر الفرنسي”،
- على المستوى المغاربي والافريقي وباقي دول العالم فمنذ سنة 1951كان بيت عائلة المنجرة قرب نيويورك مقرا للاجتماعات الأسبوعية لممثلي مختلف الدول لدى هيئة الأمم وقد احتضن مسؤولي جل الحركات التحررية عبر العالم. هنا أصبح السي المهدي في عمق العمل ليس من أجل استقلال المغرب فحسب بل من أجل تحرير بلدان المغرب العربي وإفريقيا وباقي دول العالم.
- وفي نفس السنة تم انتخاب المهدي المنجرة رئيسا لحركة الطلاب العالمية والتي كانت تدعم كل الحركات التحرير من وطأة الإستعمار.
- الأستاذ والباحث الجامعي: «حصل عندما دخلت المغرب عام 1976 بعدما كنت مكلفا بمهمة من قبل مدير اليونسكو. استقبلني الحسن الثاني، ونادى على أحمد باحنيني رحمه الله وطلب منه نسخة من كتاب «التحدي» الذي كان قد صدر في ذلك الوقت، وكتب عليه إهداءه (بالفرنسية) «إلى شابنا العزيز رئيس جامعات المغرب»، ومدها لي وقال: «هذه أول نسخة، ولن تستطيع أن ترفضها، لأنها ليست وزارة، هذه معناها أنك ستأتي لتخدم بلادك وأنا سميتك رئيس جامعات المغرب وليس جامعة واحدة ».أبلغته رفضي مثلما رفضت أكثر من منصب وزاري ودبلوماسي وسياسي. كتبت له (الحسن الثاني) رسالة وأظن أنه تفهم الأمر، ومنذ ذلك الحين بدأ يسمى رؤساء الجامعات.
كما شغل أستاذا للعلوم السياسية والقانونية والعلاقات الدولية بعدة جامعات دولية في الولايات المتحدة الأمريكية واليابان. كما تولى رئاسة لجان وضع مخططات تعليمية لعدة دول أوروبية، وشغل مستشارا بالعديد من المنظمات والأكاديميات الدولية.
- الديمقراطية عند الدكتور المهدي المنجرة : حيث أن الديمقراطية تظل محورية في فكر المنجرة باعتبارها المحرك الأساسي للتنمية والتخلص من التبعية. وقد برزت مواقفه فيما بخص الديمقراطية بشكل جلي عندما رفض دعوة القصر الملكي لتشكيل لجنة صياغة الدستور سنة 1960 لكونه لا يقبل بدستور ممنوح. كما كان دائما يحث على إسناد سلطة القرار للشعب عن طريق بناء دستور ديمقراطي يعبر من خلاله عن أفكاره وآراءه و “ما دامت سيادة الشعب غير موجودة فكل حديث عن موقف شعبي هو من قبيل المهاترات السياسية.”
“جمع محمد الخامس خمسة أشخاص، منهم أحمد عصمان وعبد اللطيف الفيلالي وعبد ربه وشخصان آخران، وطلب منا تحضير مسودة الدستور، هذا كان في يونيو 1960، والعادة آنذاك والطقوس تقتضي أن لا تكلم الملك إلا إذا كلمك، وهو لم يسألنا ولم يطلب رأينا، خرجنا من عنده فذهبت إلى الأستاذ عواد وقلت له: «إذا أصدرتم بلاغا ووضعتم فيه اسمي فسأرفض، لأنني لا أقبل أي دستور ممنوح، ويجب أن يكون هناك مجلس تأسيسي”.
ويعتبر الدكتور المنجرة أن الإهانة والخوف والرعب أصبحت بمثابة آليات للتحكم والسيطرة، فالدول الغربية تهين الدول العربية، وهذه الأخيرة تهين شعوبها، كما أن هذه الشعوب تهين نفسها، لأنها تقبل بالإهانة، ونفى المنجرة بشدة أن تكون هناك اليوم حكومة غربية واحدة تقبل بالديمقراطية في العالم العربي، ممثلا لذلك بالتدخل الغربي المباشر لوقف التجربة الديمقراطية في الجزائر سنة 1991, وفرض الحصار من أجل نسف التجربة الديمقراطية التي أوصلت حركة حماس إلى السلطة اليوم في فلسطين.
- حقوق الانسان: كما يعتبر المناضل الدكتور المنجرة أول من انتبه لإشكالية حقوق الانسان في المغرب و لضرورة الدفاع عن الحريات حيث لم تكتفي بالتأكيد على ضرورة إنشاء هيئة مستقلة تعنى بحقوق الانسان بالمغرب بل ترأس أشغال اللجنة المكلفة بهذه المبادرة التي شهدت ميلاد المنظمة المغربية لحقوق الانسان.
- القضية الفلسطينية: كانت بالنسبة للدكتور المنجرة مسألة محورية لا تهم الفلسطينيين وحدهم. وقد صرح بهذا الصدد ما يلي: “فباعتباري مغربيا وعربيا ومسلما وإفريقيا، بل باعتباري فقط كائنا إنسانيا، لن أعتبر نفسي أبدا حرا ما دامت فلسطين محتلة، وما دام هؤلاء الناس لم يسترجعوا كرامتهم”.
كان يعتبر القضية “صراعا بين من لهم قوة الحق على أرض فلسطين ومن لهم “حق” القوة في امتلاكها”، (فلسطين) ولكن أيضا بين من لهم الشرعية التاريخية في اختيار الحاكم ومن لهم القوة في اخياره وفرضه واستصدار سلطة القرار من بين يديه”.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.