إبراهيم أخياط، الرجل الذي ارتبط اسمه بالأمازيغية

 

الحسين بويعقوبي مع الفقيد ابراهيم أخياط

لا يختلف اثنان في كون اسم إبراهيم أخياط ارتبط بالأمازيغية وبمسار تطورها طيلة مغرب الاستقلال. لقد ولد الرجل في سياق الأربعينات من القرن الماضي حيث بداية ترسيم مسلسل شيطنة الأمازيغية بعد التأويلات السياسية لظهير 16 ماي 1930 وهو ما تجلى في المضمون الذي أعطي للهوية المغربية في وثيقة المطالبة بالاستقلال سنة 1944 حيث ثم فيها إقصاء كل ذكر للأمازيغية.

في هذا السياق ولد الأستاذ ابراهيم أخياط في وسط قروي يعيش أمازيغيته بعيدا عن استراتيجيات النخبة المدينية التي لم تكن الأمازيغية تدخل في تصورها للمغرب المستقل. لكن تحث تأثير التحولات العميقة التي أحدثها التواجد الفرنسي بالمغرب مند 1912اضطر أبناء هذا المجال وتحث ضغط الفقر للهجرة إلى المدينة بحثا عن حياة أفضل.

يحكي الأستاذ أخياط حيثيات سفره الأول إلى “الغرب” (ناحية الرباط والدار البيضاء والقنيطرة) في كتابه “النهضة الأمازيغية كما عشت ميلادها وتطورها” على مثن حافلة تفتقر لأبسط شروط الراحة ليلتحق بأبناء بلدته بالمدينة حيث ستقع الصدمة الثقافية بالتواجد في مكان تهيمن فيه العربية وتتوارى فيه الأمازيغية إلى لغة البيت العائلي، بعيدا عن الفضاء العام. هكذا ستطرح الأسئلة الهوياتية لدى الشاب إبراهيم.

فالأنا لا تكتشف إلا بعد الالتقاء بالآخر المختلف. لم يستسلم الشاب إبراهيم للوضع ولم يقبل الانصهار في الثقافة المهيمنة بل نصب نفسه حاملا لهموم “المغرب العميق” فكان أن وضع برنامجا لمحو الأمية لأبناء جلدته القادمين أساسا من سوس مساهمة منه في مساعدتهم على الاندماج بالوسط المديني وفي نفس الوقت كان واعيا بضرورة الاهتمام بلغته وثقافته الأمازيغيتين فأسس إلى جانب ثلة من المثقفين الذي كانوا يحملون نفس الهم أول جمعية مهتمة بالثقافة الأمازيغية وذلك سنة 1967 بالرباط معلنا بذلك عن ميلاد النواة الأولى لما سيعرف مستقبلا بالحركة الثقافية الأمازيغية في صيغتها المغربية، لتمييزها عن مبادرة الأكاديمية الأمازيغية التي تأسست في نفس السياق بباريس حيث أكد لي الأستاذ أخياط في آخر لقاء جمعنا في بيته أن لا وجود لأي علاقة بين الجمعيتين رغم تأسيسهما تقريبا في نفس السنة ورغم الزيارة التي قام بها بعض مؤسسي الأكاديمية للرباط بغرض تأسيس فرع لها بالمغرب.

لقد كان الأستاذ إبراهيم أخياط حاضرا في كل المحطات التي مرت منها المطالب الأمازيغية بالمغرب وكان له أسلوبه الخاص في التدبير والتأطير والتسيير ويجمع الجميع أنه رجل المبادرات وله حس اكتشاف الكفاءات والمواهب في مختلف المجالات. لقد كان للأعمال الاجتماعية التي كان يقوم بها والخدمات التي كان يقدمها لصالح أبناء منطقته في سياق “الهجرة” بالمدينة كبير الأثر في نفوس هؤلاء فكانوا له خير سند في مختلف المبادرات التي كان يقوم بها لصالح الثقافة الأمازيغية.

لذلك نجد اسم أخياط في مسار العديد من الفنانين والأدباء والمثقفين والمناضلين في علاقتهم بالأمازيغية. إن لقاءه بالشاب عموري مبارك في حفل زفاف بتزنيت غير المسار الفني لهذا الأخير حيث سهل لقاءه بفنانين آخرين في الرباط ليثمر ذلك مجموعة أوسمان الذائعة الصيت والتي جددت الأغنية الأمازيغية  وكان أخياط يمدها أيضا بالكلمات، فكانت  قصيدة “تغلاغالت ن تاسوتين”(صدى القرون) المعروفة أكثر بـ”أيت ما، است ما، هاياغ نوشكاد (أخواتي، اخواني، نحن قادمون) بمثابة نشيد يعلن ميلاد حركة وهي شبيهة بقصيدة “كر أ ميميس أومازيغ” (انهض يا ابن الأمازيغ) بالجزائر المكتوبة مند الأربعينات من القرن الماضي.

أما الفنانة فاطمة تبعمرانت فدور إبراهيم أخياط كبير في تأطيرها وإدخالها للنضال من أجل الأمازيغية. أما في المجال الجمعوي، فإلى جانب دوره الأساسي في  تأسيس وإشعاع الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي وطنيا ودوليا، كان له دور محوري في تأسيس جمعية الجامعة الصيفية بأكادير سنة 1979 إلى جانب نخبة من المثقفين بالرباط والدار البيضاء وأكادير وكانت له علاقة خاصة مع هذا الإطار الجمعوي الأكاديمي الذي ظل مرتبطا به طوال حياته.

يجمع الجميع على أن للأستاذ إبراهيم أخياط أسلوبه الخاص في التسيير والتدبير وفي نظرته للأمور ولذلك طبع الجمعية التي يرأسها مند تأسيسها بطابعه. لقد ضحى بكل شيء لكي تصل “لامريك” لما وصلت إليه من إشعاع واستثمر شبكة علاقاته مع الفاعلين السياسيين والاقتصاديين خاصة السوسيين لتحقيق مكاسب للأمازيغية، كما أشرف شخصيا على تأسيس مهرجان المسرح الأمازيغي بورزازات وساهم بقوة في وضع المخيم الصيفي الأمازيغي للأطفال بأكادير.

وأثناء تأسيس المجلس الوطني للتنسيق بين الجمعيات الأمازيغية أواسط التسعينات كان لتضحياته الجسام دورا كبيرا في دينامية المجلس وكان يرى، رحمه الله، أن الأمازيغية يجب أن تحل في إطار نقاش وطني وهو ما جعله يفتح الحوار مع كل الفرقاء السياسيين وطنيا ويحتاط من كل المبادرات التي تسعى لتدويل القضية الأمازيغية حيث كان يركز أساسا على البعد الثقافي في كل تنسيق دولي، كما هو الحال بالنسبة للكونغريس العالمي الأمازيغي.

برحيل الأستاذ ابراهيم أخياط، مباشرة بعد احتفال جمعيته بذكرى تأسيسها الخمسين، يكون المرحوم قد طبع نصف قرن من تاريخ الحركة الأمازيغية بآرائه وأفكاره واستراتيجياته المتعددة المستويات، حيث عايش فترة الإقصاء بمعاناتها وكتب له أن يعيش بداية فترة الاعتراف بالأمازيغية،  وساهم فيها من خلال عضويته بالمجلس الإداري للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية،  تاركا المجال للجيل الجديد ليواصل المسير بعدما ساهم في إرساء أسس حركة ديمقراطية أعادت المغاربة للتفكير في ذواتهم وشخصيتهم المتميزة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد