“يناير” وسياسة التماطل تجاه المطالب الأمازيغية.

سعيد بلغربي*//

أخذت مطالب الحركة الأمازيغية بالمغرب تتنامى بشكل واسع مع ولادة ميثاق أكادير الصادر في 05 غشت 1991، الذي رفع مذكرة من المطالب المطروحة إلى مستوى التفعيل ومطالبة الدولة بالتعاطي معها بشكل جدي ومسؤول وهو ما اقتضى وضع سياسة استراتيجية تعيد للأمازيغية والأمازيغ كرامتهم.

وجاء الاعتراف الشكلي للدستور المغربي بالأمازيغية كلغة رسمية، الذي لم يساهم في تقويتها ولكنه أدى وباسم القانون نفسه إلى إضعافها وتبخيسها عبر تمييعها إعلاميا وإقصائها في ميادين مصيرية كالتعليم والقضاء والإدارات العمومية والبحث العلمي والأكاديمي ومجالات الحياة العامة… وهذا ما يلمسه العامة من خلال تماطل الحكومات المتعاقبة على إخراج القوانين التنظيمية للغة الأمازيغية بشكل فعال وملموس.

إلاّ أن الأمور لم تكن تسير على السكة الصحيحة، فالقرارات التي اتخذتها الدولة في ملف الأمازيغية لم تكن في مستوى تطلعات الفاعلين الأمازيغ، فتجاهل الدولة لمطالب دون أخرى جعل هذا الفاعل يشعر بعدم الرضى لما آل إليه مشروع الأمازيغية بالمغرب كمشروع مجتمعي يعتبر الامازيغية رصيد مشترك لجميع المغاربة بدون استثناء، سواء للناطقين بالأمازيغية أو غير الناطقين بها.

تشير الوقائع الملموسة إلى أن الجهات الرسمية وبوجه مكشوف تتعمد ﻋﺪم  التعجيل في إﺗﺨﺎذ مجموعة من القرارات الخاصة بالأمازيغية ومن بينها عدم الاكتراث بمطلب ترسيم السنة الأمازيغية كمطلب يلح نفسه كيوم عطلة وطني مدفوعة الاجر، فمن الملاحظ أن الدولة جندت أساليب ملتوية لتمييع واحتواء رمزية الاحتفال بهذا اليوم التاريخي وذلك من خلال “مخزنة” الخطاب الأمازيغي النضالي والتنظيمي مع إعطاء الشرعية لخطابها الرسمي، عبر استغلال نخبها المثقفة لتلميع خطابها المتعلق بالأمازيغية، وتسخيرها لمجموعة من الأقلام المأجورة التي تتسارع والمناسبة لكتابة مواضيع تحت غطاء “أكاديمي” تشكك فيها بالحمولة التاريخية والرمزية لعيد “يناير” المقترن بحيثيات انتصار الفرعون الأمازيغي “شيشنوق” في مصر على الفرعون “رمسيس الثاني”، إلى جانب تنظيمها لمهرجانات غنائية تافهة بعيدة كل البعد عن الروح التاريخية والأخلاقية للحدث، تجند لها وسائلها التواصلية لتبخيس هذه الذكرى وما تتمتع به من عادات وطقوس ضاربة جذورها في عمق وأصالة التاريخ الشمال الإفريقي.

يبدو أن الجهات الرسمية المغربية والتي مازالت تتعاطى مع هذا المطلب بحذر شديد تلقت صفعة قوية من جارتها الجزائر التي أقرت هذه السنة رأس السنة الأمازيغية يوم عطلة وطنية، وهو في الحقيقة مكسب كبير لجزء من سكان شمال أفريقيا في انتظار تحقيقه في جميع أرجاء بلاد تامزغا.

*( باحث واعلامي من الريف )

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد