علم الريف وسوء الفهم الكبير

بقلم الدكتور الحسين بويعقوبي *

لحسين بويعقوبي//
في كل حراك شعبي ولدى كل الحركات الاجتماعية يتم اللجوء لرموز تحدد هوية المحتجين و تعطيهم تميزا على مستوى الهوية البصرية. لم يخرج حراك الريف عن القاعدة. فقد استعان بعلم “جمهورية الريف” التي أسسها محمد بن عبد الكريم الخطابي في العشرينيات من القرن الماضي أثناء مواجهته للقوتين الاستعماريتين اسبانيا وفرنسا. وفي الوقت الذي يتم فيه تغاضي الطرف عن ذكر الخطابي يثير “علم جمهوريته” المستعمل في الحراك اليوم اشمئزاز البعض و يتم نعت حامليه ب”الانفصاليين” رغم أن الخطابي و علمه يمثلان تاريخيا وجهان لعملة واحدة. فهل كان الخطابي انفصاليا بتأسيسه لجمهوريته ووضع لها حكومة و علما أم كان مجاهدا يريد التحرر من الاستعمار؟ وعلى أي أساس سنتعامل مع مختلف الرموز التي ورثناها عن الماضي و التي تشكل جزءا من تاريخنا المشترك بما في ذلك النجمة السداسية. الإجابة على هذه الأسئلة ستساعدنا على تجاوز ” سوء الفهم الكبير” الذي يحكم علاقتنا بماضينا. فمواقف محمد بن عبد الكريم الخطابي واستراتيجياته لا يمكن فهمها إلا بوضعها في سياقها التاريخي وكل محاولة لإقحام الحاضر في الماضي لن يؤدي إلا للتجني على الماضي و عدم استيعاب الحاضر أو ما يسمى في المعجم التاريخي الفرنسي “لاناكرونيزمanachronisme “. فكل الأعلام التي ظهرت في المغرب خلال فترة الحمايتين تأخذ اللون الأحمر المعتمد في المغرب مند عصر الموحدين ويتم إضافة بعض الرموز. فعلم الريف يتكون من اللون الأحمر و أضاف له الخطابي مربع أبيض يسمح للهلال الإسلامي بالظهور إلى جانب النجمة السداسية,أو نجمة داود, الموجودة أيضا في القطع النقدية المغربية وفي الحلي. فهو علم تحرري, يعكس العمق التاريخي و التعدد الثقافي للمغرب,و لا يمكن فصله عن المقاومة الريفية وجاء في سياق كان فيه المغرب مقسما بين دولتين حاميتين تسير كل واحدة مجالها : اسبانيا في الشمال و الجنوب و فرنسا في الوسط, كما ظهر للوجود تحت ضغط السياق التاريخي الذي عاش فيه محمد بن عبد الكريم الخطابي الذي لم يكن يفكر أثناء تأسيسه لجمهوريته إلا في التحرر من اسبانيا وتأسيس دولة أجمع الأوروبيون أنداك على أنها ستشكل خطرا كبيرا عليهم و هو ما جعل الدولتين الاستعماريتين تتحدان ضده. أما في المجال الواقع تحت السيطرة الفرنسية فقد حافظ المقيم العام الجنيرال ليوطي خلال الثلاث سنوات الأولى من الحماية على اللون الأحمر التاريخي تتوسطه النجمة السداسية و أضاف بواسطة الظهير الشريف الصادر في 17 نونبر 1915 النجمة الخماسية الخضراء,لتحل محل النجمة السداسية, فأصبح علما لمغرب المجال الترابي الموجود تحت الحماية الفرنسية وهو المتبنى مند دستور 1962 إلى اليوم. وقد أراد ليوطي من خلال إضافته لهذه النجمة الخضراء المحيلة على الإسلام, تمييز العلم الرسمي عن علم البحرية الفرنسية دو اللون الأحمر أيضا وفي نفس الوقت تأكيد صفته ك “ماريشال الإسلام” كما يسميه المؤرخ الفرنسي دانييل ريفي ولكون ليوطي كان يريد أن يجعل من فرنسا أكبر دولة مسلمة آنذاك لاستعمارها معظم الدول الإسلامية. أما في المجال الترابي للحماية الاسبانية فقد تم الحفاظ أيضا على اللون الأحمر وتمت إضافة مربع أخضر تتوسطه نجمة بيضاء, في الركن العلوي من الجهة اليسرى .
فعلم “فيدرالية قبائل الريف”, الذي ظهر في زمن تعدد الأعلام بالمغرب, جزء من تاريخنا إن استطعنا استيعابه في منظومة تاريخنا المشترك و كان بالإمكان اتخاذه علما وطنيا بعد الاستقلال لكن هيمنة المنظور الفرنسي على “سوق الرموز” في عهد الحماية أدى إلى تهميش الرموز الموروثة عن الحماية الاسبانية وهو ما جعل علم الريف يقصى لأنه كان يعتبر بالنسبة لفرنسا علما يرمز للمقاومة وللخسائر الفادحة في معركة أنوال ونفس الشيء يمكن أن يقال عن “نجمة داود” التي يشمئز منها المغاربة اليوم رغم أنها جزء من تاريخهم ويمكن أن نقول نفس الشيء عن هيمنة اللغة الفرنسية في المغرب المستقل على حساب اللغة الاسبانية والتضحية خلال السنوات الأولى للاستقلال بأجيال كاملة من المكونين في هذه اللغة , رغم أنها مثل الفرنسية, لغة دولة حامية.
إن تاريخنا ما بين 1912 و 1956 تاريخ مشترك أيضا مع كل من فرنسا و اسبانيا وتحكمت في تشكله عوامل ذاتية و موضوعية في ارتباط وثيق مع السياق التاريخي للنصف الأول من القرن العشرين. لقد ورثنا عن هذه الفترة أشياء كثيرة بل إن 44 سنة من التاريخ المشترك مع الدولتين الحاميتين, رغم قلتها, كانت حافلة بمعارك ضارية و مقاومة شرسة ومفاوضات ماراطونية وأوراش كبيرة غيرت وجه المغرب وجعلته ينتقل من “دولة” تقليدية بقيت بنياتها شبه جامدة لمدة قرون إلى دولة بمؤسسات عصرية على النموذج الأوروبي. فكما ورثنا العمل الحزبي و الجمعوي والنقابي والانتخابات والمجالس الجماعية و البرلمان و المدرسة العصرية و الطرق المعبدة والسكة الحديدية و السيارات والاداعة و التلفزة واللباس العصري… ورثنا أيضا عن هذه المرحلة, وفي إطار بناء الدولة الوطنية, الأناشيد الحماسية والمعزوفات الرسمية والأعلام… فإذا كان اختيار بعض الرموز, وضمنها العلم, قد تم على حساب رموز أخرى لأسباب معينة ودون أن نشرح لأجيال اليوم أسباب هذا الاختيار فان المصالحة الوطنية تقتضي اليوم الاعتراف بكل الرموز الموروثة عن ماضينا لأنها جزء من تاريخنا و يدخل ضمنها علم جمهورية الريف و النجمة السداسية… وبذلك سنجنب أجيال اليوم سوء الفهم الكبير اتجاه تاريخها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد