يوميات من وحي المونديال (2)
ذ. أحمد بودهكات
تناغمت عدة عوامل كثيرة لتجعل من مونديال قطر لوحة فسيفساء رائعة
عندما شبهت مونديال قطر بالموسم، فإني أستحضر مجموعة من الأحداث التي صاحبت هذا العرس الرياضي، حيث عقدت الصفقات ومررت مجموعة من الرسائل.. وتبضع كل واحد حسب رغبته وجهده..
قطر تفوز بالتقدير والاحترام..
رغم أن الكثيرين تنبؤوا أو تمنوا فشل مونديال قطر.. إلا أنها أبهرت الجميع بما وفرته من بنيات تحتية وملاعب وتنظيم محكم. فأدق التفاصيل لم يتم إغفالها، بدءً باستقبال الجماهير، وتوفير الموصلات وأماكن الإقامة، مرورا بحفل الافتتاح الباذخ، إلى فضاءات الاحتفال والتنشيط الخاصة بالزوار..
لقد غيرت إمارة تميم الصورة النمطية التي يرى بها العالم الغربي شعوب الجنوب والشرق، حيث لا تزال في المخيلة تلك الصورة الهوليودية للبدوي الذي يركب الجمل في صحراء قاحلة.. وبرغم ضخامة المبالغ التي خسرتها قطر (220 مليار دولار والذي يعادل ما صرفته روسيا 19 مرة) إلا أن ما ربحته قد يكون أكبر من ذلك، خصوصا إذا فكرنا بمنطق القوة الناعمة (Soft power)..
ميسي يفوز بالكأس..
أفضل أن أقول أن ميسي فاز بكأس العالم، على أن أقول فازت الأرجنتين لسببين، أولهما أن فوز الأرجنتين بالكأس ليس بحدث جديد. فهذا البلد يتنفس كرة القدم، وهذه هي الكأس الثالثة لمنتخب التانگو. والسبب الثاني، لأن الكرة أنصفت ميسي أخيرا بعد خمس مشاركات، ليتوج بها مساره بعد أن تربع على عرش مختلف البطولات والدوريات، أضف إلى ذلك المجهود الخرافي الذي بذله خلال هذه الدورة التي توجت بنهائي في أعلى المستويات..
ألمانيا تفوز بالغاز..
ومن الأشياء التي أثارني خلال هذا المونديال، طريقة لعب ألمانيا بورقة حقوق العمال، والحريات الفردية. فمن تعبير اللاعبين عن احتجاجهم بحركة تفيد تكميم الأفواه، إلى وضع وزيرة داخليتها لشارة مجتمع الميم أثناء جلوسها في المنصة الشرفية، في خرق للتعليمات المعتمدة من طرف اللجنة المنظمة، وضغط الصحافة الألمانية والغربية ككل. كل هذا سيتلاشى بعد صفقة ضخمة لاستيراد الغاز لمدة 15 سنة. فإذا نال الفريق الألماني سخط الجمهور والمتتبعين، فإن ألمانيا فازت بشتاء دافئ ولمدة طويلة خصوصا مع الأزمة الطاقية العالمية..
المغاربة يفوزون بقلوب المتابعين..
لم يخرج المغرب خاوي الوفاض من هذا المونديال. فبعد أن توقع أكثر المتفائلين ظهوره بوجه مشرف والخروج من الدور الأول، نظرا لوقوعه في مجموعة الموت. إلا أن روعة المعزوفات التي أداها اللاعبون بأرجلهم، والمساندة التي وفرها له الجمهور المتحمس بالهتافات والتشحيعات التي لم تتوقف، أبهرت الحاضرين والمتابعين، وأدخلت الارتباك في نفوس المنافسين. وهو ما دفع القنوات العالمية للبحث عن كلمات هذا النشيد الوطني الذي تصدح به الحناجر بداية كل مباراة في جنبات المدرجات…
لقد خطف المنتخب المغربي قلوب المهتمين بالمستديرة بلعبهم الجماعي وقتاليتهم. واندهش الجميع لتمكنهم من هزم أكبر المنتخبات. ونال الناخب الوطني أنظار وسائل الاعلام الدولي بتواصله الرائع والدقيق بأربع لغات. وخطفت الجماهير المغربية قلوب العالم بتشجيعاتها التي أشعلت المدرجات. وتبقى صور الأمهات وهن يعانقن أبناءهن بعد نهاية كل لقاء، قمة الدروس الإنسانية التي سلب بها أشبال الركراكي تعاطف المتابعين..
لقد تناغمت عدة عوامل كثيرة لتجعل من مونديال قطر لوحة فسيفساء رائعة، ويبقى الأسود بالنسبة لي من أهم قطع هذه اللوحة…
يتبع..
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.