يوميات درب مولاي الشريف ـ الحلقة 5 ـ الخوف من اعتقال رفاقي كان أمرا يزعجني ويقض مضجعي
إذا كانت إرادة الإنسان قوية وإيمانه بقضيته أصلب، فبإمكانه قهر الظروف القاسية التي يوضع فيها، وهذا ما يغيض الأعداء، لأن غايتهم دائما هي قهر المناضل وكسر صلابته وزعزعة ثقته بمبادئه وقتل بذرة الأمل في المستقبل داخله. قلت في بداية هذه الشذرات، أو الخربشات، أن أول ما تبادر لذهني، حين ولجت المكان، كم من الوقت سأبقى صامدا وحيا داخل هذا المسلخ، ولكن بعد أن تطبعت مع الوضع، لم يعد يهمني خلاصي الشخصي، بل بدأت أفكر في رفاقي وبعض أقاربي، خوفا من أن يمسهم القمع. وكنت أحسب وأعتقد، أن لا أحد يعرف علاقتهم بالتنظيم سواي، وأول هؤلاء رفيقي وأخي وصديق العمر، إبراهيم موطى، كنت أخاف أن يعثروا في كومة الأراق التي حجزوها من بيت الرفيق الفقيد عبد السلام المودن بكاراج علال، عمارة رزق، الذي كان مقرا من مقرات 23 مارس، وكان يقيم فيه الرفيقان العزيزان، علال الأزهر وعبد العالي بنشقرون بعد أن أصبحا متابعان، إلى جانب الفقيد المودن وأنا، كان هذا الأمر يزعجني ويقض مضجعي، زيادة على العذاب اليومي للمعتقل، إلى أن سمعت في أحد الأيام، أن الرفيق الموطى اعتقل ويوجد معنا في درب مولاي الشريف، كيف تم اعتقاله لا علم لي بالأمر لحد الآن. وهناك رفيق آخر عزيز وصديق العمر أيضا، كنت أحرص وأخاف أن يمسه سوء، هو مصطفى فنيتير، كما وضعت بين عيني أحد أقاربي الذي كان يعمل بمدينة جرادة، لم تكن له علاقة بالتنظيم ولكن كنت أتراسل معه، وفي إحدى المرات بعث لي بتقرير مفصل عن إحدى إضرابات عمال جرادة، أستعمل كمادة خام لمقال نشر في 23 مارس، كما كان من بين الأوراق المحجوزة رسائل من الرفيق مصطفى مسداد من فرنسا يسأل فيها عن أحوالي وأحوال التنظيم، طبعا لا يوقعها باسمه. وما كان يزعجني ويثير مخاوفي في هذا الأمر، أن عنوان المراسلات، كان محلا تجاريا لأحد معارفي المنتمين لمسقط رأسي، وهو لا علاقة له بالسياسة ولا يعرف أي شيء عن ميولاتي التنظيمية، أخاف أن يمسه أي ضرر بسببي.. وقد أرقني هذا الأمر لأيام وليالي، وكنت أفكر في الجواب الذي سأجيب به عن أسئلة الجلادين، إن اكتشفوا الأمر.
في أحد الليالي، أخذوني لمكتب الجلادين الذين يسمونهم المحققون، طبعا لا أرى من في المكان، ولكن أسمع أصواتا متعددة، أجلسوني على الأرض وبادروني بالسؤال، هل اسمك البدوي، أجبت بالنفي، وللوهلة الأولى تذكرت رسائل الرفيق مسداد، ألحوا في السؤال، من هو البدوي، فكان جوابي ربما سموني بهذا الاسم في التنظيم دون أن يخبروني به، ثم بادروني بسؤال آخر، هل تعرف محمد الحبيب الطالبي، قلت لهم أسمع به فقط ولم يسبق لي أن التقيته، ولحسن حظي أنهم اكتفوا بهذا القدر من الأسئلة، ربما لاستنتاجهم بعدم أهميتي في التنظيم وعدم معرفتي بهيكلته، وقد كنت أخبرتهم أنني مجرد عامل مقابل أجر، ولما سألوني عن مقدار الأجر التي أتلقاه مقابل عملي، أجبت مائة درهم، فاستهزأ مني كبيرهم بقوله: هل مائة درهم ستأكل بها أو تمارس بها الجنس، وقد قالها باللهجة الدارجة، ربما هذا الذي جعلهم لا يركزون علي كثيرا، قالوا في أنفسهم أن هذا مجرد راقن على الآلة الكاتبة. ولا تفوتني الفرصة هنا دون التوجه بتحية إكبار وتقدير وإجلال لرفيقيا العزيزان، علال الأزهر وابراهيم الموطى لكونهما تجنبا ذكر اسمي وعلاقتي التنظيمية القديمة بهما منذ مرحلة التأسيس، وهذا ما جنبني الكثير من العذاب الجسدي الذي لا قوة لدي لتحمله. أما بقية الرفاق فعلاقتي بهم جديدة تعود لما بعد اعتقالات أبريل 1972.
في أحد الأيام أيضا أخذوني عند كبيرهم، أو صغيرهم، لست أدري، فبادروني بالسؤال أجي أولد الحرام أولد القحبة، أنت اسمك علال الفاسي، قلت لا، علال الفاسي زعيم وطني وأنا مجرد إنسان بسيط، كيف أصل لقامته وأحمل اسمه، وحكايتي مع هذا الاسم، أنني وقعت به شيئا في النشرة الداخلية الخاصة بالتنظيم والتي يطرح فيها النقاش الداخلي السياسي وآراء الرفاق حول التنظيم، كان عددا خاصا بنقاش مسألة الصحراء نشرت فيه آراء الرفاق حول الموضوع. ولما انهيت طبع العدد ذيلت آخر صفحة فيه برأيي في النقاش الجاري، ولم يكن هذا مقررا ضمن مواد العدد ولا متفقا عليه من هيأة التحرير التي كنت عضوا فيها، وقد وقعته باسم علال الفاسي، وأتذكر أن رفيقي الراحل عبد السلام المودن عاتبني برفاقية على هذا التصرف والنشر غير المتفق عليه.
أتوقف هنا وسأواصل حكاية ما علق بالذاكرة عن مولاي الشريف
*/*
استطراد على الهامش:
تحية للعزيزات والأعزاء وشكرا جزيلا لهن ولهم على تفاعلهن وتفاعلهم، وخصوصا للرفاق الذين صححوا بعض التواريخ أو الأحداث، وأتفق مع إضافتهم أو بعض آرائهم.
هذه الخربشات للتاريخ ولحفظ ذاكرة المكان والزمان، ولا أهدف من ورائها الحصول على مجد أو ادعاء بطولة، فقد كنت ربما الحلقة الأهش في السلسلة الطويلة منذ ولجت يَم السياسة والتطمت بأمواجها وعواصفها، من بداية الستينيات إلى اليوم، وهذا موضوع آخر سأعود إليه لأنشر ما بقي عالقا بالذاكرة.
في كل ما قمت به، سواء بالأمس في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، أو داخل اليسار، لم يكن هدفي مجدا شخصيا أو منفعة ذاتية، حين أرى هذا أو أشم رائحته، كنت أعود للخلف أو أتوارى عن الأنظار. ليس هذا مدحا للذات، وإنما هو الواقع، أحرص أن أبقى كما أنا إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.. لا تهمني ذاتي أبدا بقدر ما يهمني رفاقي الذي أحرص أن لا تمس شعرة منهم وليتذكر الجميع أنني أتحول إلى إنسان عنيف وقاسيا في ردي على كل من يحاول التطاول أو المس بكرامة رفاقي والتشكيك في تاريخهم النضالي.
هذا هامش استطرادي لا بد أن أسجله للتاريخ. تحية محبة للجميع.
محمد فكري ـ البدوي ـ بوعزة.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.