منذ البداية، ليطمئن القارئ الكريم، أنه لا يوجد حزب معترف به رسميا يحمل هذا الاسم في المغرب حاليا، لكن يوجد حزب من هذه الشاكلة باسم أخر تؤكد تصريحاته وأقواله بأنه حزب الله بينما من يخالفه هو من حزب الشيطان، والأمثلة على هذه التصريحات كثيرة:
في اجتماع رئيس هذا الحزب مع القضاة مؤخرا، خاطبهم ب”أنهم أولياء الله” وأنهم يستحقون أجرا لا يقل عن أجر البرلمانيين، ومعنى ذالك ضمنيا أن بقية الموظفين المغاربة الآخرين “أولياء الشيطان”، مثلهم مثل الطلبة المحتجين على ابن كيران بوجدة، الذين نعتهم القيادي البارز محمد يتيم “عبدة الشيطان” لمجرد أنهم احتجوا على زعيم الحزب.
مثل هذا التمييز بين حزب الله هذا وباقي المغاربة كثيرة نكتفي بذكر بعض النماذج منها:
1ـ ما صرح به وزير العدل والحريات، بمناسبة لقائه مع أحد مناصري الحزب الله وهو الشيخ المغراوي، قائلا ما معناه: إن كل من زار مراكش إنما يزورها لمعصية الله، هذا التصريح يعني اعتراف ضمني بأن مدينة مراكش هي مكان لمعصية الله، رغم أن المعنى الأمازيغي لكلمة مراكش، هو حمى الإله، حسب التأويل اللغوي لزميل له في نفس حكومته. لكن الأخطر في هذا التصريح هو ما يستنتج منه: بما أن المكان مكان عصيان الله فسيكون، بالضرورة، سكان المدينة الحمراء الذين يفوقون المليون نسمة عصاة لله، ويكون هو ومضيفه فقط، من عباد الله الصالحين أي أولياء الله. ورغم هذا الحكم الذي أصدره وزير العدل والحريات بنفسه، دون إجراء محاكمة عادلة، كما تقتضي القوانين التنظيمية لوزارته، لا يرى الحزب ضررا من خوض غمار الانتخابات البلدية الأخيرة لهذه المدينة العاصية لله، وينجح في الظفر بتسيير عموديتها. لكن أسوأ ما أتخوف منه، هو أن يطمع حزب الله هذا، في فرض الجزية على هؤلاء العصاة، بما أنه لم يطلب منهم التوبة كما لم يقدم على قتلهم، حسب المرجعية الفقهية التي يدعي أنه يدافع عنها والتي تميز بين الأرض “المفتوحة عنوة” وبين الأرض “المفتوحة صلحا”، وبين “دار الإسلام” و”دار الحرب” كما هو معروف في كتب الفقه في باب أحكام الجهاد والغنائم.
2ـ يخبرنا هذا الحزب “الرباني”، عن أمور نجهلها عن المغاربة، كالقول أنهم ليسوا شعبا واحدا، كما كنا نعتقد: مثلا يخبرنا رئيس الحزب مثلا بأن السوسيين بخلاء، بل ذهب الأمر برئيس هذا الحزب إبداء الافتخار بما قاله له أحد المعجبين به حين أخبره بأن حزبه كنس خاص (بالكاف المعقوفة التي تستعمل في الدارجة والأمازيغية بمعنى الأجناس من الأمم) مضيفا أنه يختلف عن باقي الأحزاب المغربية الأخرى، وبالفعل، تنطبق عليه الجملة التعجبية والاستنكارية بالدارجة أو الامازيغية: ” تفو على كنس كيداير”، التي تقال حينما يندد شخص بتصرفات شخص غير مؤدب. ولا أعلم أقصى درجات قلة الأدب أكثر من السعي إلى تقسيم الشعب المغربي الموحد إلى معسكرين متقابلين مما قد يؤدي بنا إلى شعبين كما حصل لمصر، بعد ما وصل الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم، وعبر المطرب الشهير علي الحجار، في أغنيته عن هذا التقسيم “انتو شعب وإحنا شعب” رغم أن الرب واحد، مما قد يؤدي للاقتتال، لا قدر الله.
أما حصيلة الحزب خلال سنوات قيادته للحكومة باليافطة الدينية هو تعميق الهوة بين المغاربة بالسعي إلى تطبيق ما يسمونه “أسلمة المجتمع”، أي اقتباس واستيراد نموذج التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، وفرضها بالمغرب، وبمعنى آخر إعادة فتح المغرب :
1ـ إعطاء الضوء الأخضر لأنصاره بأن يرجعوا البلاد إلى قانون الغاب كوسيلة لتصفية من صنفوه كحزب الشيطان تحت غطاء “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” وتنفيذ ما يصطلح عليه في المرجعية الفقهية “التعزيرات”، مادام وزيرهم في وزارة العدل يعرف بطء محاكم وزارته التي لن تستطيع معالجة هذه الأمور المستعجلة في نطر حزب الله، ولأنه لا يؤمن أصلا بالمحاكم ولا بالقانون. وقد بلغ عدد هذه الحالات المسجلة رسميا 5 حالات منذ 2014، التي أصبح أنصاره فيها رجال أمن وقضاة ومشرعين، منها حادثة فتاتي إنزكان آخرها اقتحام منزل مواطن ببني ملال، وهي ظاهرة جديدة برزت في ظل هذا الحزب، إنها الطريقة الإخوانية المثلى لتقريب القضاء من المواطنين.
2، الخلط بين الدين والسياسة: رغم إدعائه أنه حزب سياسي خالص، لكنه يقحم الدين في كل صغيرة أو كبيرة، شخصيا كنت أنتظر منه، حين وصل إلى رئاسة الحكومة بالكذب على المؤمنين بأنه حزب الله، هو أن يعلمنا كمسلمين وكمغاربة ركنا من أركان الإسلام نسيت المدرسة أن تعلمه لنا، أو على الأقل، أن يدعو لنا الله لأنه يقدم نفسه بالموالاة لله، ليخرجنا فقط من هذا التخلف الفكري الذي يقسم المواطنين المغاربة المتساوون بحكم القانون وبغض النظر عن انتماءاتهم، إلى حزبين متعارضين: حزب الله وحزب الشيطان. ولم أكن أنتظر منهم نهائيا، أن يدعوا الله ليحل لنا مشاكل التخلف الأخرى من: جهل وأمية وبطالة وتأمين صحي ومديونية وبنيات تحية…لأنني كنت أعلم منذ طفولتي استحالة ذالك من قولة أمازيغية: “إرت ستحيات” التي تقال لكل من يريد أن يحقق انجازا معينا فقط بالدعاء دون العمل (المقصود بتحيات التحية لله الزكيات لله التي تقال قبل ختم الصلاة). لأن ثقافتنا الأمازيغية المسلمة تفصل بين السلطة الدينية والمدنية، إذ لا يتدخل أكرام في الشؤون المدنية لأمغار صاحب السلطة المدنية، (اسأل رئيس حزبك السابق عن هذا الذي يعرفه من مؤلف أبيه: ألواح جزولة) وانظر قبله الحسن الوزان في كتابه: وصف إفريقيا، عن المدن السوسية في مطلع القرن 16م ابتداء من مدن حاحة إلى تييوت جنوب تارودانت، لأنه لم يكن لإمغارن ذراعان: دراع دعوي أو مرشد يوجه الذراع السياسي كما لدي حزب الله في المغرب.
كل ما أتى به هذا الحزب من الناحية الدينية للمغاربة أنه في إمكانهم الآن أن يعلموا، بواسطة هذا الحزب المقرب متى يرضى عنهم الله ومتى يسخط عنهم. فقد أخبرنا رئيسه بأن الله راض عنا كمغاربة، لأول مرة في التاريخ، وذالك بمناسبة سقوط الأمطار الأخيرة، فهنيئا لنا. كأن المغاربة الذين انتخبوه فقط ليعلمهم متى سخط الله عليهم ومتى رضي عنهم. ولا يكتفي هذا الحزب بأن يعتبر نفسه ممثلا لله على الأرض وإنما الناطق الرسمي باسمه حصريا، ولا ندري متى حصل على الوكالة الإلهية للقيام بذالك، ومن أعطاها له. وأغرب من ذالك أنه الدين تسيير البلاد حين أخبر وزراءه والمغاربة بأن الاقتطاع من أجرة المضربين عن العمل مذكور في القرآن وقد بحثت في الأمر فلم أجد كلمة الاضطراب عن العمل لا في القران ولا في حديث أو فقه ولا في تفسير. إنما اعتمد على الآية “والسماء رفعها ووضع الميزان” وهذا أغرب تفسير قرأته لهذه الآية.هل هو مفسر أم رئيس للحكومة؟
والحق الوحيد الذي يبرر وجوده في الحكومة، حسب تصريحه، هو الدفاع عن حق المسن في عمر 80 سنة أن تكون له ممرضة مجانية في سن 20 ربيعا ترعاه، تحت غطاء الدفاع الشرعي عن زواج المسن 80 بفتاة 20 سنة. لقد ابتلينا بحزب خطف دين المغاربة الذي هو ملك عام ومشترك بينهم منذ قرون، وادعى ملكيته وحده وسجله باسمه، بدون علمهم، في المحافظة العقارية، وأخذ يتاجر به للوصول إلى الحكم بهدف تحقيق مكاسب مادية ومعنوية، ولو على حساب تقسيم المغاربة إلى معسكرين، استعدادا لحرب مرتقبة. والدليل على نفاقهم أن وزراء هذا الحزب يعتقدون أنهم يعملون في سبيل الله أي كمتطوعين، لكنهم لا يرون غضاضة في تقاضي أجر سمين وغليظ من جيوب المغاربة، مع ضمان تقاعد جد مريح، وليذهب المغاربة ودينهم للجحيم، ماداموا قد نالوا جنتهم على الأرض، وهذا هو الاستثناء في مقولة “إرت ستحيات”. أعلم أن حزب الله لا يحب التاريخ، لكنني أدعوه للرجوع إلى كتبه ليعلم أن المغاربة، منذ إسلامهم إلى ظهور الحزب بيننا، كانوا لا يخلطون بين المجالين الديني والسياسي لخطورة الأمر، وإذا تعذر عليه ذالك، فليقل لنا، على الأقل، ماذا حقق في المجال السياسي بمرجعيته الدينية؟ كفى من اعتبار المغاربة قاصرين بل راشدين لا يحتاجون إلى أية وصاية دينية، وفي غنى عن وساطة حزب يتاجر بديننا الحنيف.
ملاحظة: الأقوال الواردة هنا أوردتها جل الصحف المغربية في حينها
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.