بقلم الأستاذ : محمد أمدجار //
03/09/2016
تابع الرأي العام المغربي في الأيام الأخيرة ما أضحى يعرف بقضية بنحماد و النجار ، القضية التي تعود تفاصيلها إلى أيام خلت حين ضبطت فرقة من الدرك الملكي القياديين في حركة التوحيد و الإصلاح ، الجناح الدعوي لحزب العدالة و التنمية ، كل من عمر بنحماد و فاطمة النجار في وضع “مخل بالحياء” في سيارة ميرسديس تعود ملكيتها لعمر بنحماد.
مباشرة بعد تداول الخبر على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بدأ الأخذ و الرد و بدأت النقاشات و حتى الخصومات بين مدافع عن الأستاذين “الكريمين” و مهاجم لهما و بين متأسف و مستهزئ من ما وقع ، و هو ما نعتبره شيئا عاديا لأن القضية أخذت أبعادا سياسية واضحة ، و لطالما كان ميدان السياسة ميدان التدافع و السيطرة على المواقع و اصطياد أخطاء الخصوم و استثمارها لصالح هذا الطرف ضد ذاك . أمام هذا المشهد ترددنا كثيرا في التفاعل مع هذا الحدث المخجل خصوصا و أن قناعة تفيد أن هناك من أراد أن يجعل من الحدث أداة لإلهاء الرأي العام عن فضيحة الأوسمة الملكية ضلت تراودنا باستمرار، و لكن في النهاية ارتأينا أن ندلو بدلونا في الموضوع بعد اكتمال كل المعطيات التي يمكن الإستناد إليها لإبداء الرأي في النازلة .
بعد أن شكك مجموعة من الناشطين الإسلامويين في صحة الخبر معتبرين إياه مجرد إشاعة مغرضة مصنوعة من طرف من يسمونهم “ببني علمان ” تبين أن الأمر صحيح ، فهو محرج لهم و لكن للأسف صحيح ، و يبدو ذلك من خلال محضر الإستماع الذي حرر للقياديين من طرف عناصر الدرك الملكي و الموقع من طرفهما و من خلال البيان الصادر عن حركة التوحيد و الإصلاح التي ينتميان إليها و التي جمدت عضويتهما في الحركة بسبب ما أقدما عليه . فبعد محاولة إلارشاء التي حاول أن يناور بها بنحماد لمعالجة الموقف الذي لا يحسد عليه حاول أن يدعي بأن هناك زواج عرفي يجمع بينه و بين الواعظة الفذة التي تهز دروسها الكثير من المواقع ، و هو أمر مردود عليه حتى انطلاقا من “الشرع” الذي يدعي هو و تدعي هي أنه مرجعيتهما الأولى و الأخيرة ، فشروط الزواج هي الإيجاب و القبول و الإشهاد و الإشهار و انطلاقا من كلامهما المتضمن في المحاضر فإن الشرط الثالث و الرابع غير متوفرين فيما يدعيانه زواجا ، و بالتالي فانطلاقا من مرجعيتهما فإن ما قاما به يعد فسادا و زنا يستوجب الجلد و الرجم حتى الموت أو السجن و الغرامة ، طبعا انسجاما مع خطاب الشيخين “الجليلين” و ما يشقان به آذاننا و آذان أتباعهما و مريديهما صباح مساء .
إن هذه الواقعة في حقيقة الأمر لن تفاجأ إلا من لا يعرف بشكل عميق حقيقة الاسلامويين ( الاسلامويين و ليس المسلمين ) الذين يمارسون أوسخ و أرذل تجارة و هي تجارة الدين ، والذين يقولون ما لا يفعلون و يفعلون ما لا يقولون ، و الذين تثبت تصرفاتهم و سلوكاتهم و ممارساتهم لا واقعية خطاباتهم و طوباوية مشاريعهم و عدم اقتناعهم بكل ما يصدر عنهم . لا أعمم من طبيعة الحال لكن الأمر استفحل و يستفحل يوما عن يوم حتى كاد يصبح كل منا قد تسنت له الفرصة لاكتشاف انفصام ونفاق واحد أو واحدة من هذه الكائنات التي تصطاد في الماء العكر.
إذا أردنا أن نناقش الواقعة انطلاقا من الجهاز المفاهيمي المؤسس للخطاب التقدمي و الحداثي فإننا سنستحضر بالأساس مفهوم الحريات الفردية الذي يجعل كل فرد راشد حرا في اختياراته و قناعاته و آراءه باعتبار الحرية هي المقوم الرئيسي للإنسان كما ينادي به “بني علمان” و كما يؤكد على ذلك الدرس الأنطولوجي ، و بالتالي فإن الشخص الراشد حر في جسده و إلا فما قيمة هذه الحرية التي تجعل حتى الجسد الملتصق بالذات محكوما بإرادة و رغبة الغير و منفلتا تماما من سلطة الأنا ؟ . إلا أن هذا النقاش مستبعد تماما من هذا السياق و لسبب بسيط يتمثل في كون “أبطالنا” يرفضون هذه المرجعية و يهاجمون حامليها و يمتحون بالمقابل من مرجعية أخرى يطالبون المريدين بالالتزام بها و يدبرون حياتهم الشخصية خارجها ، فصدق من قال أنه ” لو خيرت (المسلم) بين الدولة الدينية و الدولة العلمانية لصوت على الدولة الدينية و ذهب ليعيش في الدولة العلمانية ” .
من كل ما سبق يتبين أن ما أقدم عليه بنحماد و النجار ليس فضيحة أشخاص بل فضيحة مرجعية بأكملها ، فشل خطاب بأكمله ، خطاب لا يخدم إلا المصلحة الشخصية لشيوخ و وعاظ و سياسيين وجدوا في الدين أحسن ما يتاجرون به و ينالون منه “ثمنا قليلا” ، خطاب لا يعالج إلا مشاكلهم في حين يغرق المجتمعات في مستنقعات لا قاع لها من التخلف و الجهل . فليس العلماني و لا غيره من يحاكمكم و لكن سلوكاتكم هي التي تفضح خبثكم في كل مرة فرجاء أيها الإخوان لا تلوثوا أسماعنا بعد اليوم بخطبكم الجوفاء و البئيسة و التي تفوح منها رائحة الكذب و النفاق .
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.