نورالدين الصايل .. المعلم الأول

أزول بريس – محمد بكريم //

“لا..لا.. خيي مازلت معايا”

ناس الغيوان

خصص الأستاذ عبد الاله التهاني حلقة كاملة من برنامجه مدارات لتكريم روح الفقيد نور الدين الصايل استضاف خلالها الأستاذ حسن نجمي والسيد صارم الحق الفاسي الفهري مدير المركز السينمائي المغربي والأستاذ حمادي كيروم . وساهمت خلالها بالكلمة التالية:

كيف العودة في بضع كلمات إلى مسار هذا الرجل المتعدد العطايا والمواهب …كيف التحدث عنه وحزن كبير واسى عميق يضغطان على الروح والفكر. دمعة في عين وبريق في عين …وفاءا لطبيعته التواقة دوما للعطاء رغم كل الظروف. ولهذا يبدو لي من الأساسي أن أتوقف بداية قبل أي حديث عن الجانب المهني و الثقافي عند ما يطبع الرجل من صفات و خصال بصمت مسار الإنسان و المسؤول . خصال من المفيد استحضارها في هذه المرحلة من تطور مجتمعنا وبلدنا. مرحلة سمتها أزمة مركبة  يخترقها واقع التأخر التاريخي وتحديات إنجاح مشروعنا التنموي أمام عوائق ظرفية وهيكلية,,,من هذه الخصال أن المسؤول يجب أن يتحلى بروح عالية من التفاؤل تغذي لديه الإرادة والعزيمة والجرأة,,,لقد كان نور الدين الصايل رجل التحدي بامتياز ومن المفيد أن اسرد هنا مثالا يلخص ببلاغة طبيعة الرجل . لقد أبدع نصا روائيا بالفرنسية دون أن يستعمل ولو مرة واحدة الحرف الأول من الأبجدية الاتينية, رواية ظل الكاتب من حوالي مائتي صفحة  دون أن تجب حرف “أ”

تحدي إبداعي يتم تصريفه أيضا في حياته اليومية. لقد كان يتسم بقوة العزيمة مع إيمان كبير بدور الإرادة كمحرك لإنتاج المعنى وكان لا يسمح للعراقيل والمساطر الإدارية بثنيه عن الوصول إلى انجاز ما يؤمن به  من إصلاح وانجاز لمشاريع تخدم المصلحة العامة. وقد عشت معه في هذا الإطار تجارب غنية بالدروس والخلاصات التي تذهب في اتجاه ما نحلم به من أن تكون الإدارة في خدمة الأهداف المرسومة وليس إخضاع الأهداف لضغط الادارة. ذات مرة عندما أشرف على تأسيس أول لجنة لقراءة السيناريو بالقناة الثانية (سنة 2000 على ما أتذكر) اتصلت به بصفتي عضو لتلك اللجنة واقترحت عليه إن كان في الإمكان مد أعضاء اللجنة ببعض المراجع النظرية حول كتابة السيناريو, وطلب مني مباشرة إن كنت أتوفر على بعض العناوين وبما أنني كنت أعرف طبيعة الرجل فقد أعددت لائحة واقترحتها عليه, نظر إلى الائحة متأملا في صمت كعادته. لم تمض 24 ساعة حتى توصلت بمكالمة بمصلحة المحاسبة بالقناة الثانية  تخبرني بوصول طرد بريدي من باريس يحتوي على الكتب المطلوبة,,,هذا نموج بسيط من الدينامية الكبيرة التي يبثها الراحل حوله وداخل دواليب الإدارة,,,

حضور الإرادة من اجل التغيير يذكرني ببطل فلم “المعلم الأول” لاندري كونشالوفسكي (1965). فلم سوفياتي ينتمي لذلك المتن الغني الذي مكننا الصايل من اكتشافه  عندما كان مشرفا على الجامعة الوطنية للأندية السينمائية, تلك الجامعة التي انتقل بها من إطار نخبوي الى جامعة حقيقية بالمفهوم الشامل للكلمة ذات عمق جماهيري  – أكثر من اربعين ألف منخرط – و ذات مضمون سينفلي حيث سمح لجيل بأكمله أن يكتشف و يناقش أفلام كانت أبواب التوزيع موصدة أمامها: سينما امريكا الاتينية، سينما افريقيا  و الشرق الاوسط…بل كل السينمات المجددة في الستينات و السبعينات

ولقد كان طبيعيا اثر هذا المسار المتميز بالعطاء أن يتبوأ موقع المسؤولية التي لم يصل إليها نزولا بالمظلة  بل نتيجة عمل دؤوب في الأندية السينمائية وبرامجه الإذاعية والتلفزية, ولقد سمحت لي الظروف أن أزوره في مكتبه بقناة كنال بلوس اوريزن بباريس لأرى بالملموس مدى الاحترام الذي يكنه له مهنيو السينما من كل بقاع العالم فنسج بذلك شبكة من العلاقات وظفها بذكاء خدمة لمصالح المغرب عندما تولى المسؤولية في القناة الثانية أو على رأس المركز السينمائي المغربي. انه اسم معروف و محبوب في إفريقيا ومصر و لبنان وغيرها من البلدان شمالا و جنوبا. لقد كان يقوم بمبادرات  بسيطة من حيث قيمتها المادية ولكنها قوية من حيث مردودها الرمزي, وأسرد في هذا السياق ما وقع مع فيلم “باب الشمس” ليسري نصرالله وهو إنتاج ضخم مقتبس عن رواية لالياس خوري. ولأسباب مادية توقف الإنتاج وقام منتج الفلم الفرنسي الراحل همبرت بالزان بالاتصال بنور الدين الصايل مدير القناة الثانية آنذاك,  وأتذكر بأنه اتصل بي ليلا طالبا مني قراءة السيناريو وان أمده بتقرير وعندما توصل به اقترح على المنتجين أن تكون القناة الثانية مساهمة في الإنتاج وقد سمح تدخلها المادي البسيط  بإتمام التصوير وربح الجميع فلما كبيرا و ربح المغرب حضورا في جنيريك من أكبر  الأفلام حول القضية الفلسطينية..

هو ذا الرجل المهني الامع الذي فقدته السينما والثقافة والوطن, رحم الله نورالدين الصايل.


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading