أزول بريس – الطيب أمكرود //
كان موحماد يستفيد من الملابس التي ورثها أخوه حماد عن أخيهم الأكبر، وكان يعيد صناعة دفاتره مما يتبقى من أوراق بدفاتر السنة التي تنصرم، فيفككها ويستخرج الأوراق الفارغة ثم يعيد تركيبها للحصول على دفاتر جديدة تعفي والده من تكاليفها.
بتلك الطريقة كبر موحماد وإخوته، وتنقلوا بين مدرسة الدوار التي تبعد عن مسكن العائلة الطيني بثلاثة كيلومترات يقطعونها صيفا وشتاء بنعالهم البلاستيكية التي تصدر أصوات غريبة، ثم المدرسة الموجود بمركز الجماعة إلى حيث يتنقلون مرة في اليوم حاملين خبزتهم السوداء في محافظهم.
نجح موحماد في الشهادة الابتدائية، وانتقل إلى اقرب إعدادية تبعد عن منزل والديه بستين كيلومترا، هناك تابع دراسته الإعدادية، ثم لمدينة أخرى حيث حصل على شهادة الباكالوريا في الآداب.
كانت منطقة موحماد فقيرة جدا يعمق معاناة سكانها توالي سنوات الجفاف، خلال تلك السنة حيث سيلتحق بالتعليم العالي كان الموسم الفلاحي سخيا، جمع متاعه المتواضع، رافقه أبوه وحمل له عدته على ظهر حمار الأسرة إلى سوق القرية، حيث سيمتطي سيارة الأجرة؛ منحه مبلغا ماليا محترما لأول مرة في حياته، وأوصاه بنفسه ودراسته خيرا ثم انطلق نحو المدينة الجامعية.
في المدينة، سيلتقي بزملاء ممن شاركهم مقاعد الدراسة وأسرة الداخلية، شاركهم البحث عن السكن، فاكتروا غرفة بمنزل يضم أربعة غرف يسكن بكل منها ثلاثة طلبة إلا واحدة.
سيفتح موحماد عينيه على طلبة من مناطق أخرى، من ثقافات أخرى، سيتعرف على ناس آخرين، وسيدشن حياة أخرى يتحمل فيها مسؤوليته، أكله وشربه وتنقله ودراسته…
في إحدى غرف المنزل يسكن طالب فلسطيني. كان كل من يشاركون موحماد السكن ينحدرون من مناطق المغرب العميق، وكانوا يترقبون منحة التعليم العالي لأداء مصاريف الكراء وتسوية الديون وتسبيق تكاليف العيش في صندوق العشرة. وكانت حال الفلسطيني مختلفة تماما.
فبينما كان موحماد وأصدقاؤه يعانون الأمرين لموازنة ميزانياتهم البئيسة، كان الفلسطيني لا تبدو عليه علامات كونه طالبا. كان يتردد على المطاعم ولا يشاركهم مائدتهم المتواضعة، وكان بين الحين والحين يصطحب إلى غرفته فتاة ليل أو كيسا بلاستيكيا به ما لذ وطاب من الأكل وقنينات خمر.
كان موحماد يتساءل بعد أن عرف هوية جارهم عن معاناة الشعب الفلسطيني التي يسمع عنها ولا يجد ها أثرا على مشاركهم السكن الطلابي.
متحمسا، كان موحماد يندفع كل يوم نحو المسيرات الطلابية ويردد مع المترددين:
هذا هو العرس الذي لا ينتهي
في ليلة لا تنتهي
…
هذا هو العرس الفلسطيني
كان الطلبة يبكون حال فلسطين وحال الفلسطينيين، ويصبون جام غضبهم على الأنظمة العميلة واليهود والصهاينة والأمريكان…، وكان موحماد يستغرب لما يسمعه في حلقيات الجامعة عن آلام ومعاناة الفلسطينيين ويقارن ما يسمع بالوضع الذي يعيش فيه مشاركهم السكن، وكان يبحث بين صفوف المحتجين والغاضبين عن الطالب الفلسطيني ويتساءل عن سبب عدم حضوره مظاهرات الطلبة رغم كونه المعني المباشر بها، ولا يرى إلا سحنات أمثاله وملابسهم المهترئة، وكان يقارن بين حال الطالب المغربي القادم من المغرب العميق بأسماله وحذائه المترهل الوحيد واضطراره خلال كل عطلة للاشتغال مياوما في أي قطاع كان لكسب قوت يومه وتوفير مصاريف دراسته التي لا يستطيع ذووه الفقراء توفيرها، وبين حال الفلسطيني الذي ينفق بسخاء على مسكنه ومأكله وملبسه ولياليه الحمراء ونهاراته التي تؤثتها الملذات.
كان موحماد كلما عاد منهكا جائعا مبحوح الحنجرة من مسيرة أو مطاردة أو وقفة مساندة للشعب الفلسطيني، يجد غرفة الفلسطيني مقفلة بالمفتاح من الداخل، فيكتشف كل مرة أنه بمعية فتاة يتناولان ما لذ وطاب من الأكل والشراب ويتمتع بها بينما هم كانوا يصرخون لمعاناته المدعاة زورا.
بعد بحث مضن سيعرف موحماد أن جارهم الفلسطيني، الذي يعاني حسب ما يردد من شعارات في الجامعة خلال وقفات ومسيرات لم يحضر أيا منها، يستفيد من منحة التعليم العالي المغربية، ومن منحة ليبية ومن منحة السلطة الفلسطينية ومن عائدات كراء رخصة نقل سيارة أجرة منحت لوالده من قبل السلطات المغربية.
تذكر موحماد والده الذي يستيقظ كل يوم ويغادر المنزل المتواضع للأسرة ولا يعود إليه إلا بعد المغرب محملا بما تمكن من كسب ثمنه من عمله كمياوم في كل المجالات، ووالدته التي تنهض بوظيفة الأب والأم، وإخوته وأخواته الذين لا يجدون في بعض الأحيان ما يسدون به رمقهم، وحمارهم الهزيل الذي بدونه لن يجلبوا بضع لترات من الماء من بئر وحيد في المنطقة يبعد عنهم بخمسة كيلومترات.
كبر موحماد وفهم أن الفلسطينيين يعيشون فعلا عرسا أزليا يصوره لنا المتاجرون بآلامنا وآمالنا مأتما، بينما المأتم الحقيقي هو ما يعيشه أبناء المغرب العميق الذين لا يتوفرون على قوت يوم واحد فما بالك بتكاليف إقامة الليالي الملاح وهم بعد طلبة بالجامعة.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.