موازين 2025 : سكينة فحصي تحول شالة إلى قصيدة مفتوحة

وسط ألق الأطلال وعبق التاريخ، وتحت سماء تأرجحت بين الرعد والحنين للندى، أهدت الفنانة سكينة فحصي جمهور منصة شالة الأثري سمرا فنيا استثنائيا، نسجته من خيوط الحب والتراث والانتماء، في أمسية تنقلت فيها الأحاسيس بين سمو الفن وتجليات الصفاء الروحي.

وبصوت يناجي الأرواح، افتتحت فحصي أمسيتها المبرمجة، الجمعة، في إطار برنامج الدورة 20 لمهرجان موازين، باستخبار غنائي اختارت له عنوان “الحب ديني”، غناء يقدس العاطفة في أسمى تجلياتها، ومنح الحب بعده الروحي وجلاله الأدبي، وأعاد إلى الكلمة المغناة مهابتها الأولى، فكان الجمهور على موعد مع عمق وجداني صادق وتجربة تتجاوز الأداء إلى التأمل.

وفي تتابع فني جمالي لهذا الاستخبار، انبثقت أغنية “قطرة مطر”، التي تزامن أداؤها مع نزول رذاذ ناعم، في لحظة بدى فيها أن السماء نفسها تشارك في الحفل، فتساوقت مع نبرات الصوت، وداعبت قطراتها “قطرة مطر” ووجوه الجمهور، في لقاء مشهدي نادر غارق في جمال المصادفات بين الماء والنغم، وبين الطبيعة والصوت.

وواصلت سكينة فحصي هذا السمر الجميل بالغوص في الذاكرة الشعبية، فأدت باحترافية عالية “الحبيب الحبيب”، إلى جانب “مولاي عبد الله”، التي أعادت تقديمها بروح مستلهمة من الراحلة الأمريكية نينا سيمون، من خلال محاكاة التسلسل التآلفي لعملها الشهير “Feeling Good”، في تلحين ذكي يعكس انخراط الفنانة في إعادة تقديم التراث بنفس كوني.

أما لحظة الاعتراف الأصدق، فكانت عند أدائها أغنية “لكتاب”، التي اعتبرتها محطة مفصلية في مسيرتها، لما تحمله من امتنان للقراءة كمعين أول، والكتابة كامتداد طبيعي، مشيرة خلال حديثها عن “لكتاب” أنه ساهم في تمكينها من الانتقال إلى الكتابة، في رحلة تُشيّد فيها الكلمة المغناة من بنى فكرية متينة.

وفي حضور لا يقل إبداعا عن أدائها الصوتي، اختارت فحصي زيا يمزج بين الأناقة والعراقة: رداء علوي أحمر غير متماثل القصة، بلمسة تقليدية تنساب بأناقة على جانب الجسد، تكتمل بتناسق مع سروال فضفاض مزخرف بنقوش مغربية، يناسب انسيابية الأداء في فضاء مفتوح كفضاء شالة. وارتدت عقدا برتقاليا ذا طابع أمازيغي إفريقي، أكسب إطلالتها بعدا بصريا قويا ومتجذرا في الهوية.

كما أتحفت الجمهور بـ”يا ولفي”، التي أنشدتها باستحضار للتراثين الموسيقيين الحساني والكناوي، لتثبت مجددا قدرتها على الترحال الموسيقي بين ضفاف الثقافات المغربية، قبل أن تختم الأمسية بأغنيتي”جودية” و”خربوشة” بأسلوبها الفريد في الأداء.

هي أمسية جميلة في حضرة الفن ورسائله الراقية وبهاء الكلمة ورونق اللحن وعذوبة الأداء، تلك التي وقعتها سكينة في فضاء شالة.


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading