من ذاكرة “أمريك” (AMREC) ..من خلال صورة أو وثيقة  3/30 : “أمانار” 1968، “ئموزّار”1974، “ئسكراف”1976 على آثار الإبداع والتحديث.

أزول بريس – الحسين أيت باحسين //

“الذي لا ذاكرة له، لا تاريخ له”

بول ريكور
إذا كانت أواسط السبعينيات تعتبر، من الناحية السياسية، فترة جد محتقنة؛ فإن المناخ الثقافي السائد آنذاك قد أتاح للمهتمين بالقضية الأمازيغية فرصة الانتقال من مهام الجمع والتدوين والتوثيق إلى مهام الإبداع والتحديث. ذلك لأن الدوريات الداخلية (خاصة “النشرة الوثائقية” و”ءارّاتن” وكذا “التبادل الثقافي” و”ءامود” فيما بعد) قد تغلغلت إلى الأوساط الطلابية فبدأ الطلاب وبعض الأساتذة يهتمون بالقضية الأمازيغية في نقاشاتهم داخل بعض المؤسسات الجامعية؛ وخاصة في كليتي الأداب والعلوم الإنسانية بكل من الرباط وفاس؛ وبدأ البعض يقترحون، كمواضيع أبحاتهم الجامعية، مواضيع مرتبطة بالأمازيغية.
أما البعد الثاني الأهم من المناخ الثقافي السائد، في تلك الفترة، والذي أتاح تلك النقلة النوعية من اهتمام شبه فلكلوري إلى اهتمام إبداعي وتحديثي هو النقاش العام السائد حول “الثقافة الشعبية” المتمثلة في ثقافة الفئات الشعبية الناطقة بالعربية الدارجة وبالأمازيغية بتنوعاتها في مقابل نخبة مستعملة العربية الفصحى أو الفرنسية.
لقد كانت من بين نتائج ذلك المناخ الثقافي بروز ظاهرة فرق فنية اعتمدت، في أغانيها، الدفاع عن قضايا الطبقات الشعبية المحرومة بالكلمة الملتزمة التي تفهمها (العربية الدارجة: “ناس الغوان” نموذجا؛ والأمازيغية “ؤسمان” نموذجا)؛ كما عملت على تحديث مختلف وسائل تبليغ تلك الرسالة الملتزمة، سواء على مستوى اللغة أوالموسيقى أوالأداء.
لكن، سيتم الاقتصار، في هذه الحلقة، على البعد اللغوي والأدبي الذي أفرزه ذلك المناخ الثقافي الذي لعب فيه بروز الظاهرة الغوانية وما شابهها دورا مهما؛ إذ تحررت من مجموعة من القيود لكي تبدع وتحدث وتؤثر؛ فالحرية شرط أساسي للإبداع. وقد تمثل هذا الإبداع، أساسا عند “ناس الغوان” في نوعية الشعر المعتمد.
وما دامت الأغنية الجديدة التي تمثلها “ناس الغوان”، وسيلة لتحقيق الإبداع والتحديث ولتكريس أواصر التواصل؛ فما السبيل لتقاسم نفس الأهداف نفسها؛ إذ أصبح الفن الغنائي والموسيقي أداة تبليغ سهل للرسالة الملتزمة. ونحن لا نملك؛ آنذاك سوى الرقصات والنظم الجماعي وأغاني الروايس، بالإضافة إلى ديوان شعري يحمل عنوان: “أمانار” (كوكب الصباح)، صدر منذ يونيو1968؛ لكن لا يشكل ديوانا شعريا بمعنى المواصفات التي ينبغي اعتباره ديوانا شعريا لكونه مجرد مقتطفات من أغاني الروايس، تفتقر إلى وحدة الموضوع وإلى تجانس الصيغ التعبيرية والأدوات الفنية.
لذلك عملت الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي سنة 1974 على إصدار ديوان جماعي يحمل إسم: “ايموزّار” (الشلالات)؛ وهو عبارة مجموعة شعرية مرقونة بالستانسيل لمجموعة من مناضلين منتمين للجمعية أو متعاطفين معها. ولتدعيم هذه التجربة أصدرت الجمعية ديوانا شعريا فرديا يحمل عنوان: “ءيسكراف” سنة 1976 (وسيعيد طبعته سنة 1991)؛ وكما جاء في الصفحة الخارجية لغلافه: “الشعر الحقيقي، في نظري هو المعبر عن آلام الشعب وآماله سواء أكان التعبير بالرسم أو بالكلمات وسواء أكان بالعربية أم الفرنسية أم الصينية …”؛ وبالتالي فقد صدر هذا الديوان ليلتزم بقضايا الذات والمجتمع. وفي سنة 1975 ستصدر الجمعية كتابا للأستاذ عمر أمرير تحت عنوان: “الشعر المغربي الأمازيغي”، وهو في الأصل بحث جامعي، وقد صدرت بعد ذلك؛ وإلى الآن عشرات الدواوين الشعرية التي ساهمت؛ من خلال نشرها وتوظيفها؛ في تحقق الإبداع وتحديث الشعر. وقد استفادت فرقة “ؤسمان” (مجموعة موسيقية عصرية أمازيغية) من هذه التجربة؛ كما سيتبين لنا في الحلقة المقبلة.

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading