من أشغال مجلس حقوق الإنسان بجنيف: الحق في التعليم في سياق نُمو التعليم الخاص

من التجاني الهمزاوي //
من التقارير المهمة المقدَمة أمام الدورة الحالية لمجلس حقوق الإنسان بجنيف، تقرير المقررة المعنية بالحق في التعليم، والذي اهتم بموضوع ” الحق في التعليم في سياق نمو التعليم الخاص” على غرار تقريريْها لسنتي 2014 و 2015. ويأتي هذا الاهتمام حسب الخبيرة الأممية للإعراب عن القلق الذي يساورها بشأن استمرار النقص في تمويل التعليم العام في مقابل نمو سريع لمشاركة القطاع الخاص في هذا المجال. وذلك في مخالفة صريحة لالتزامات الدول في مجال حقوق الإنسان خاصة الهدف الرابع للتنمية المستدامة ومبادئ أبيدجان المتعلقة بالتزامات الدول بالإعمال الكامل للحق في التعليم ومعالجة أوجه عدم المساواة في التعليم وضمان الحصول على التعليم وجودته، وتنظيم مشاركة القطاع الخاص وكفالة مساءلة السياسات المتبعة في هذا الصدد.
وقد أشار التقرير إلى التزايد الكبير في حجم ونطاق الجهات الفاعلة الخاصة في مجال التعليم الابتدائي والثانوي خلال العقدين الأخيرين في معظم الدول، باختلاف مستواها الاقتصادي وموقعها الجغرافي. حيث تشير الدراسات، مثلا، أنه بحلول سنة 2021 سيكون رُبع أطفال دول إفريقيا جنوب الصحراء مُلتحِقا بمدارس خاصة.
وقد جاء في التقرير أن المغرب وفقاً للإحصاءات الحكومية الرسمية، زادت فيه نسبة الالتحاق بالمدارس الخاصة في المرحلة الابتدائية بأكثر من ثلاث مرات في أقل من 15 عاماً من 4 في المائة عام 1999 إلى 14 في المائة عام 2013. وإذا استمر نمو المدارس الخاصة بعد عام 2013 بنفس مُعدله خلال الفترة من عام 2000 إلى عام 2013، فإن نسبة تلاميذ المدارس الابتدائية في القطاع الخاص يمكن أن تصل إلى 30 في المائة بحلول عام 2023، و52 في المائة بحلول عام 2030، و97 في المائة بحلول عام 2038. ونتيجة لذلك، أكدت اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية قلقها إزاء انتشار التعليم الخاص بالمغرب “الذي يمكن أن يؤدي إلى نوع من التفرقة تجعل التعليم الجيد حكراً على الفئة القادرة على تحمل تكاليف التعليم الخاص النخبوي”. وحثت المغرب على ضمان ألا يؤدي الاتساع الكبير في التعليم الخاص إلى تفاقم عدم المساواة في الحصول على التعليم الجيد.
ويُعد توفير التعليم عن طريق جهات خاصة أمراً بالِغَ التنوع. فقدْ يكون مستهدفاً للربح أو على أساس خيري، أو مقابل رسوم أو مجانياً، أو تُحركه الشركات ورواد الأعمال أو المجتمعات المحلية والمنظمات غير الحكومية، أو رسمياً أو غير رسمي، أو مدعوماً من الدولة أو مستقلاً تماماً. كما تشمل أنواع الجهات الفاعلة الخاصة في مجال التعليم المدارس الخاصة مرتفعة الرسوم؛ والمدارس المنخفضة التكلفة الهادفة للربح التي تستهدف الأسر المعيشية الفقيرة؛ وسلاسل المدارس الخاصة التجارية؛ والمدارس المجتمعية والدينية؛ والمدارس المستقلة الإدارة.
وهذا التمييز بين مقدمي خدمات التعليم الذين يركزون على مصالحهم الخاصة ومن ثَم يثيرون مَخاوف بشأن حقوق الإنسان، وبين عناصر فاعلة خاصة أخرى ربما تؤدي دوراً بالغ الأهمية في دعم إعمال الحق في التعليم، وتُقوّي التعليم العام بدل أن تحُل مَحلّه.
وتعَد سلاسل المدارس التجارية مصدر قلق خاص في هذا الشأن، حيث لا تهدد فقط بتعطيل إعمال الحق في التعليم، بل وأيضاً بالإضرار بالديمقراطية والتماسك الاجتماعي والاستقرار في البلدان النامية. نموذج سلسلة مدارس بريدج الدولية في إفريقيا وأسيا، حسب التقرير.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك مُحركا رئيسيا وراء نمو الجهات الفاعلة الخاصة في مجال التعليم وهو الدعم المقدم من الجهات المانحة في البلدان النامية. وتلاحظ الخبيرة الأممية بقلق ظهور صناديق تعليمية متعددة في هذا الاتجاه.
ونظراً للمخاطر التي تشكلها الخوصصة على إعمال الحق في التعليم، والنمو الضخم والخارج عن السيطرة للجهات الخاصة، ونقص قدرة العديد من الدول على تنظيم تلك الجهات بفعالية، فإن ذلك يمثل خطراً غير مسبوق على إعمال الحق في التعليم ويمكن أن يقوض بشكل جسيم تحقيق الهدف 4 من أهداف التنمية المستدامة.
ومن ثم، فإن قانون حقوق الإنسان يوازن بدقة بين التزام الدولة بتوفير التعليم وحرية الجهات الخاصة في إعمال الحق في التعليم. وإن الحرية في اختيار مدارس غير التي تنشئها الدول تسهم بشكل خاص في ضمان ألا يُصبح التعليم أداة في أيدي الدول لتلقين العقائد، وفي ضمان احترام التنوع الثقافي والحقوق الثقافية داخل نظام التعليم. وعندما صيغت معاهدات حقوق الإنسان، لم يكن القصد هو حماية المصالح التجارية في مجال التعليم أو إتاحة طريقة للدول لتتهرب من مسؤولياتها من خلال تنفيذ تدابير تقشفية وسياسات الليبرالية الجديدة.
فإعمال الحق في تعليم على أكمل أوجه يقتضي فهما شاملا لتأثير الاستغلال التجاري للتعليم على التمتع بالحق في التعليم وبالتالي حقوق الإنسان.
التجاني الهمزاوي
02 يوليوز 2019


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading