من أسلمة الدولة الى فلسطنة أكادير وجهان لمشروع سياسي فاشل
فلسطنة اكادير التي أقدم عليها مجلسها الجماعي ذو الاغلبية الاسلامية تؤكد مرة أخرى الاتهامات الملازمة للحركة الاسلامية بالمغرب بأنها حركة لا تؤمن بالديموقراطية كطريقة تداولية وتشاركية في التسيير وفي السلطة، وآن الانتخابات بواسطة صناديق الاقتراع في نظرها ما هي الا وسيلة للهيمنة والتحكم لو توفرت و نضجت الظروف والمتمثلة في ضعف السلطة القائمة، وخير من عبر عن هذا مؤخرا القيادي حامي الدين ( في فيديو مسرب من لقاء داخلي للحزب) بادعائه بأن الشرعية التي اكتسبها حزبه مستمدة من “التفويض الشعبي” مما يمنحه شرعية التفاوض مع السلطة الشرعية التاريخية لاقتسام السلطة، أي ازاحة كل القوى السياسية والمدنية الاخرى باعتبار أن التفويض الشعبي يمنح لحزبه شرعية دينية وسياسية كممثل وحيد للتفاوض مع السلطة الشرعية التاريخية القائمة، والتفاوض بمفهومه السياسي ليس هو الحوار، التفاوض بمعنى وجود خصمين أو ندين يتفاوضان لاقتسام السلطة. .
فلسطنة اكادير هو عمل إيديولوجي سياسي يدفعنا الى ضرورة إعادة قراءة المشروع السياسي الإسلامي بالمغرب، وهو مشروع يقف وراءه عقل سياسي يعتمد تجارب الحركة الاسلامية الأم بمصر لكن بذكاء مغربي استطاع به ان يتخطى الحواجز والعراقيل التي وضعت لفرملته وافشاله سابقا، واستطاع بهذا الذكاء المغربي تجاوز المحطات التاريخية التي فشلت فيها باقي الحركات الاسلامية ومنها الحركة الأم بمصر باستثناء حركة النهضة بتونس التي وظفت بدورها هذا الذكاء الذي تتميز به ثقافة شمال افريقيا.
يعتمد هذا المشروع السياسي على مهادنة السلطة القائمة والعمل شعبيا على اكتساح المواقع (حسب نظرية غرامشي) باستمالة الناس عبر تقديم الخدمات الاجتماعية لهم، وهو نفس تكتيك الاخوان المسلمين بمصر والاردن وجبهة الانقاذ الجزائرية والجماعة الاسلامية بالسودان، وتستغل اللحظات التاريخية الانعطافية لشعوبها لتنقض على السلطة وتزيل كل حلفائها وبالتالي كل معارضيها لتعيد تكرار السلطة الاستبدادية وبشكل افظع.
والتاريخ القريب يزخر بتجارب عديدة كالتجربة الايرانية التي قام فيها رجال الدين بتصفية حلفائهم زعماء الحزب الشيوعي الايراني” تودة” الحليف الاقوى المساند لهم في الثورة ضد الشاه، وبتصفية باقي رموز الاحزاب الاخرى المشاركة في الثورة. وتجربة جبهة الإنقاذ الجزائرية ليست علينا ببعيد والتي فازت فيها الجبهة سنة 1991 في أول انتخابات برلمانية بأغلبية مقاعد البرلمان ( 63%) في الدور الاول من الانتخابات التشريعية. و بدلا من الاكتفاء بهذه الاغلبية و افساح المجال لبقية الاحزاب الاخرى كرسالة تطمين لهذه الاحزاب، دفع الجشع بالجبهة الى الاستحواذ على السلطة بالعمل لاكتساح الدور الثاني رغم تحذير السلطات العسكرية لها من هذا الاندفاع، و كانت نتيجة هذا الجشع انقلاب العسكر ودخول الجزائر في حلقة عشرية دموية تبادل فيها الاسلاميون والعسكر ادوار التصفيات والقتل. وهي نفس التجربة التي كررها الاخوان المسلمون في مصر حين ركبوا على الثورة الشبابية في مصر بعد نجاحها فاكتسحوا الانتخابات فتمكنوا من السلطة في لحظة ضعفها وانقلبوا على الشباب وعلى كل حلفائهم بما فيهم السلفيين، فكان ما كان من تدخل الجيش واعادة تنظيم انتخابات جديدة.
فاذا كان الاخوان في مصر قد اعادوا نفس التجربة الفاشلة لإخوانهم في الجزائر فان اخوانهم في المغرب وظفوا الذكاء المغربي وكانوا استثناء فنجحوا، فبدلا من الدخول بقوة في الانتخابات منذ التسعينات التزموا بالحدود التي رسمتها لهم وزارة الداخلية آنذاك في عهد البصري لتتزايد قوتهم الانتخابية حسب الظروف السياسية للبلد، لكن هذا الدهاء السياسي سقط امام وهم “الشرعية الشعبية” أو ” التفويض الشعبي” الذي أشار اليه القيادي حامي الدين، فالدهاء السياسي للزعيم ابن كيران اعماه وهم هذه الشرعية في لحظة من اللحظات التي تضخمت فيها أناه بنرجسية اعمته عن قراءة الواقع السياسي لبلده، و هو الموسوم -اي السيد ابن كيران – بالدهاء، فوقع في الشباك الذي نصبه له من هم ادهى منه في السياسة ليعود الحزب بعد ان تخلص من زعيمه مؤقتا الى مهادنة السلطة في انتظار جولة أو فرصة أخرى للإعادة.
هذا المشروع السياسي لإسلاميي المغرب ستتم ترجمته ونسخه في صورة مصغرة في اكادير، فأن يفرض الحزب الاسلامي المهيمن أسماء فلسطينية بتلك الكثرة على أغلب الشوارع والأزقة في حي كبير بالمدينة يعيدنا هذا الى التذكير بالمشروع السياسي الاسلامي لأصحابه، وهو مشروع ينبني( كما قلنا سابقا) على تحيين الفرص للهيمنة والتحكم تحت يافطة ” الشرعية الشعبية” أو” التفويض الشعبي” وهو ما برر به المجلس البلدي تغيير هوية أكادير المغربية إلى فلسطينية، فالعقلية التي كانت وراء فلسطنة أكادير دون مراعاة لهويتها وللقوى المدنية الأخرى هي نفس العقلية التي ترتكز على هذا المشروع السياسي، وهو نفس المشروع الذي فرض أسماء بعينها وأغلبها تنتمي الى أسماء مدن ومناطق في غزة الامارة الاسلامية التي تتقاسم مع الحزب الاسلامي الذي يسير مدينة اكادير نفس التوجه الايديولوجي.
فما العمل؟
سياسيا يستند الحزب الاسلامي وغيره من التيارات الدينية على ما يسمونه ب”الشرعية الشعبية ” أو ” التفويض الشعبي” المبني سابقا على الدين وشرعية النقاء الديني، والآن على الانتخابات، مع أن مفهوم الشرعية أو التفويض لهما خلفية دينية، في حين أن الانتخابات بمفهومها الديموقراطي يتعارض مع ما يسميه القيادي حامي الدين ب ” التفويض الشعبي”، لسبب بسيط هو أن التفويض الشعبي هو الاساس الذي يرتكز عليه كل حكم ديكتاتوري مثله مثل التفويض الشعبي او الإلهي في الحكم الملالي في ايران وفي الحكم الاسلامي في السودان، وفي الحكم بتفويض شعبي في سوريا.
الانتخابات في الأنظمة الديموقراطية ليست وسيلة للهيمنة وفرض التوجه الايديولوجي للحزب الفائز، بل هي وسيلة تشاركية وتداولية للحكم دون تهميش المكونات السياسية والمدنية الأخرى.
اذن سياسيا تلعب الانتخابات الدور الاسمى في تداول الحكم، وبالتالي فالدعوات التي يتم بثها وشحن الشباب بها بالأمس واليوم لمقاطعة الانتخابات الأتية ما هي الا وسيلة من الوسائل التي يلتجئ إليها من يريد الهيمنة على الساحة السياسية بالمغرب عبر تجييش أنصاره سرا للمشاركة في الانتخابات وفي نفس الوقت الدعوة عبر وسائل التواصل الاجتماعي الى مقاطعة الانتخابات.
لماذا؟ لسبب بسيط، فابسط عملية حسابية تقول أنه كلما قل الاقبال على الانتخابات كلما زادت حظوظ الحزب المنضبط والمنظم، ونحن نعرف من هم الاكثر انضباطا وتنظيما في الساحة السياسية بالمغرب، إلى جانب هؤلاء تزداد حظوظ الفاسدين الذين يوظفون أموالهم في الانتخابات لشراء الاصوات.
وهنا مكمن الخلل عند الكثير ممن ينتقد الحالة السياسية للبلد مع الانزواء ومقاطعة الانتخابات فالانتقاد دون العمل من أجل اصلاح الوضع مثل” زوند والي ئتفين امان ف ؤخساي” مثل من يصب الماء على ثمرة القرع.
فالدرس الانتخابي هو الدرس الذي يخاف منه من يستغل الانتخابات لترسيخ مشروعه الإيديولوجي ويخاف منه هؤلاء الذين لا يعيرون أي اهتمام لهوية البلد ولا لباقي المكونات المدنية الاخرى التي لا تشاركهم توجههم السياسي والإيديولوجي.
*كاتب وناشط أمازيغي
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.