من أجل تصحيح العلاقة بين الأمازيغية والإسلام والدارجة
في أن العرب لم يعرّبوا الأمازيغ:
مقولة إن سكان شمال إفريقيا كلهم أمازيغ عرّبهم الإسلام، المنسوبة إلى الجزائري عبد الحميد بن باديس، فيها الكثير من الحقيقة والصواب، ليس لأن الإسلام يدعو إلى التعريب، أو يشترط على الشعوب المسلمة الأعجمية التخلّي عن انتماءاتها الأصلية واعتناق الانتماء العروبي، ليُقبل ويصحّ إسلامها، فهذا مخالف لتعاليم الإسلام والغاية من الدعوة الإسلامية، وإنما لأن الأمازيغ أنفسهم استعملوا الإسلام ليتعرّبوا ويتخلّوا عن انتمائهم الأمازيغي، دون أن يطلب منهم ذلك لا الإسلام ولا العرب الذين انتحل هؤلاء الأمازيغ الانتماء إليهم. ولهذا تقتضي الحقيقة والإنصاف عدم لوم العرب على تعرّب الأمازيغ، ولا تحميلهم مسؤولية تنكّر هؤلاء لانتمائهم الأمازيغي وانتحالهم الانتساب إلى العروبة، والاعتراف أن الأمازيغ هم الذين اختاروا، كأفراد في البداية قبل يصبح ذلك ظاهرة جماعية، تحوّلهم الجنسي من جنسهم الأمازيغي الأصلي والحقيقي إلى جنس عربي زائف ومنتَحل، والوعي أن دافعهم الأول والوحيد إلى ذلك هو الإسلام، دون أن يكون للعرب دور مباشر ومقصود في هذا الاختيار والتحوّل.
من الخلط بين الإسلام والعروبة إلى الخلط بين الإسلام والسياسة:
ويجدر بنا أن ندرك أن هذا الاستعمال التعريبي للإسلام من طرف الأمازيغ أنفسهم، إذا كان يرجع في البداية إلى خلطهم بين الإسلام والعروبة، فإن سببه الثاني سيكون هو توظيف ذلك الخلط الأول من أجل خلط آخر، هو الخلط بين الإسلام والسياسة، أي السلطة والحكم، والذي تؤكدّه القولة المشهورة إن “الإسلام دين ودولة”. فإذا كان الخلط الأول بين الإسلام والعروبة يُغري الأمازيغي على التنكّر لأمازيغيته وانتحال الانتساب إلى العرب حتى “يصحّ” إسلامه، حسب اعتقاده الخاطئ نتيجة وقوعه ضحية وعي زائف، فإن الخلط الثاني بين الإسلام والسياسة سيشجّعه على نفس الانتحال، لكن من أجل ممارسة مهام سياسية وقيادية، وبلوغ مواقع السلطة والحكم. وهكذا أصبح انتحال النسب العربي ليس فقط شرطا لـ”صحّة” إسلام الإنسان الأمازيغي، دائما حسب اعتقاده الخاطئ نتيجة وعيه الزائف، بل شرطا لاحتلاله مناصب السلطة السياسية.
ومع مرور الأيام وتوالي الممارسة، سيطغى الخلط بين الإسلام والسياسة على الخلط بين الإسلام والعروبة، إذ لم يعد هذا الخلط الأخير سوى وسيلة لخدمة الخلط الثاني. فحتى يكون الأمازيغي مسلما عليه، دائما حسب اعتقاده الخاطئ نتيجة استلابه ووعيه الزائف، أن يتخلّى عن أمازيغيته ويعلن أنه عربي النسب والحسب، وهو ما يؤهله لممارسة الوظائف السياسية كأن يكون حاكما أو أميرا أو سلطانا. فالعلاقة بين العناصر الثلاثة (الإسلام، العروبة والسياسة) تعطي المعادلة التالية: بما أن الإسلام لا ينفصل عن العروبة (الخلط بين الإسلام والعروبة) ولا ينفصل عن السياسة (الإسلام دين ودولة، أي أنه الأساس الذي تقوم عليه الدولة)، فالنتيجة أن العروبة لا تنفصل عن ممارسة السياسة، أي أنها الأساس الذي تقوم عليه الدولة والسلطة السياسية.
من ضحايا الخدعة إلى ممارسين لها:
لقد وقع الأمازيغ، في البداية، ضحية خدعة بليدة وساذجة عندما اعتقدوا، وبغفلة وغباء، أن أعلى درجات الإسلام هي التي يكون فيها المسلم عربيا، حيث يقترب إسلامه من إسلام الرسول العربي. وهو ما سهّل الخلط بين الإسلام والعروبة، وحفّز العديد من الأمازيغ على ترك أمازيغيتهم وانتحال النسب العربي الذي يقرّبهم، حسب اعتقادهم الساذج والغبي، من النبي العربي. فبدل أن ينتبهوا إلى هذه الخدعة البليدة والساذجة، كما قلت، التي تخلط بين الإسلام والعروبة، ويرفضوها ويضعوا حدّا لها، كما فعلت شعوب أعجمية مثلهم، كالفرس الذين فصلوا مبكّرا بين الإسلام والعروبة، قبِل العديد من الأمازيغ بهذه الخدعة، ورضوا بها وتبنّوها وأصبحوا موظّفين لها عن وعي وقصد، ليخدعوا بها بقية الأمازيغ الآخرين. وهكذا تحوّلوا من ضحايا لهذه الخدعة إلى ممارسين لها للإيقاع بالأمازيغ الآخرين.
ولأن مما يدخل في تكوين هذه الخدعة هو الاعتقاد الخاطئ أن العرب هم الذين مارسوها على الأمازيغ، فقد أصبح ذلك الاعتقاد دليلا على أن ممارسي هذه الخدعة من الأمازيغ هم عرب. وهنا تكتمل الخدعة لتصبح خدعة حقيقية، تظهر نتائجها الحقيقية في تصديق الأمازيغيين الحقيقيين أن مدّعي النسب العربي هم فعلا عرب حقيقيون. وهذا ما شجّع المزيد من الأمازيغ على ممارسة نفس الخدعة على أمثالهم من الأمازيغ. وهو ما كان وراء انتشار خرافتين عنصريتين: خرافة النسب العربي، كنسب أعلى مرتبة من النسب الأمازيغي، ثم زبدة العنصرية لهذه الخرافة العنصرية، وهي خرافة النسب الشريف، كنسب أعلى مرتبة، ليس فقط من النسب الأمازيغي، بل حتى من النسب العربي العادي. ونظرا لما كانت ـ ولا زالت ـ تضمنه خرافة النسب الشريف، بشكل خاص، وخرافة النسب العربي، بشكل عام، من امتيازات دينية واجتماعية واقتصادية وسياسية على الخصوص، فقد أصبح انتحال النسب العربي بمثابة “إلدورادوا” Eldorado، يتسابق الجميع من أجل الظفر بمعدنه النفيس.
وهكذا تحوّل ما كان في البداية مجرد خدعة بليدة وساذجة، كما قلت، إلى خدعة ذكية وماكرة تُوظّف من طرف أمازيغيين للنصب على أمازيغيين آخرين، والحصول، دون جهد ولا عمل ولا استحقاق، على امتيازات دينية اجتماعية واقتصادية وسياسية على الخصوص، كما سبق أن أشرت. والدليل أنها تحولّت إلى خدعة ذكية وماكرة، هو أن أغلبية الدول، التي حكمت المغرب بعد اعتناق الأمازيغ الإسلام، كانت تسعى دائما إلى إقامة شرعيتها على الخرافة العرقية والعنصرية للنسب الشريف. بل الأدهى من ذلك أن شواهد إدارية تُمنح، وفي عز القرن الواحد والعشرين، لإثبات أن حاملي تلك الشواهد ذوو نسب شريف، أي لإثبات أنهم عنصريون، ما دام أنهم يعتقدون أن نسبهم أشرف من نسب الأخرين، كما يدلّ على ذلك مفهوم “النسب الشريف”.
من خدعة النسب إلى خدعة عروبة الدارجة:
وحتى لا تنكشف الخدعة وينفضح بهتانها، انضافت إليها خدعة أخرى تدعمها وتزكّيها، وهي خدعة اعتبار الدارجة لغة عروبية، واعتبار بالتالي الناطقين بها عربا. مع أن الأمازيغ الذين انتحلوا النسب العربي، هم أنفسهم الذين تكلّموا بالدارجة عندما أرادوا التحدّث بالعربية حتى يثبتوا بذلك نسبهم العربي المنتحَل. لكن بما أن العربية كانت قد فقدت وظيفة التخاطب الشفوي في الحياة، كما هو حالها اليوم، ولم يعد أحد يستعملها في التواصل الشفوي مع الآخرين، فقد تكلّموها قياسا على لغتهم الأمازيغية المستعملة في التخاطب، مستعملين ألفاظا عربية لكن بمعانٍ وتراكيب أمازيغية، صانعين بذلك عربية هي ترجمة حرفية لأمازيغيتهم. وهو ما يؤكّد أن أول من تكلّم هذه الدارجة هم أمازيغيون، ترجموا أمازيغيتهم إلى العربية ترجمة حرفية، في معناها ومبناها.
لقد نجحت الخدعة، بمظهريها النسَبي واللغوي، إذ أصبح المغاربة الذين يتحدثون الدارجة يعتقدون أنهم عرب وذوو نسب عربي. وبما أن الدارجة في توسّع وانتشار مطّرد لأسباب معروفة، فمعنى ذلك أن التعريب في توسّع وانتشار مطّرد، نتيجة اعتقاد المتحدثين بالدارجة أنهم عرب، كما قلت. فإذا كانت الخدعة الأولى، القائمة على انتحال النسب العربي، هي أصل الخدعة الثانية، القائمة على كذبة عروبة المتحدثين بالدارجة، فإن هذه العلاقة السببية بين الخدعتين ستتغيّر بعد أن ثبّتت الدارجة أقدامها بالمغرب، لتصير هذه العلاقة عكسية أصبحت فيها خدعة الدارجة، أي خدعة عروبة المتحدّث بالدارجة، هي أصل خدعة انتحال النسب العربي، حيث غدا التحدّث بالدارجة هو الشهادة على حقيقة هذا النسب. ولهذا أصبحت الدارجة هي الأداة الأكثر فعالية ومردودية للتحويل الجنسي للمغاربة من جنسهم الأمازيغي، الأصلي والطبيعي، إلى جنس عربي زائف ومنتحَل.
ولا تقف نتائج هذه الخدعة، بمظهريها النسَبي واللغوي المتكاملين، فقط عند تلك التي تتجلّى في الشذوذ الجنسي، أي القومي والهوياتي، لأعداد هائلة من الأمازيغ الذين تنكّروا لجنسهم الأمازيغي وانتحلوا الانتماء إلى الجنس العربي، بل تشمل أيضا، وبشكل أساسي، انطلاء نفس الخدعة على الأمازيغيين الأسوياء، أي الذين حافظوا على جنسهم الأمازيغي ولغتهم الأمازيغية. ويتجلّى ذلك في اعتقادهم أن المتحدّثين بالدارجة هم عرب، جنسا ولغة، نسبا ولسانا. وانطلاء الخدعة على هؤلاء الأمازيغيين يُبرزها بحجم حقيقة مؤكّدة، وأمر واقع وحاصل.
فخّ الدارجة الذي وقعت فيه الحركة الأمازيغية:
ولهذا فإن الضحية الأولى للخدعة ليس هم الشواذ جنسيا، الرافضون لجنسهم الأمازيغي والمنتحلون لجنس عربي زائف، وإنما هم الأمازيغيون الذين ينظرون إلى هؤلاء المتحولين على أنهم عرب، وأن دارجتهم لغة عروبية. وهذا هو الفخّ الذي وقعت فيه الحركة الأمازيغية، التي تنطلق في نضالها من أجل رد الاعتبار للأمازيغية من “واقع” أن بالمغرب أمازيغيين يتحدثون بلغتهم الأمازيغية، وعربا يتحدّثون بلغتهم العروبية التي هي الدارجة. وهذا ما يفسّر الحساسية الخاصة التي يبديها عدد من هؤلاء المناضلين الأمازيغيين تجاه الإسلام باعتباره، حسب اعتقادهم كضحايا لتلك الخدعة، أداة يستعملها ضدهم من يحسبهم هؤلاء المناضلون عربا، ثم تجاه الدارجة التي ينظرون إليها كلغة عروبية يتحدث بها عرب المغرب. وهكذا تصنع الحركة الأمازيغية نفسها، نتيجة انطلاء تلك الخدعة عليها، مشكلين يتعلقان بالإسلام والدارجة. وإذا كانت ترى أن حل المشكل الأول يكمن في العَلمانية، فإنها تتناسى أن هذه العَلمانية ليست بالضرورة شرطا لاسترداد الهوية الأمازيغية للمغرب والمغاربة، ولا لوقف سياسة الشذوذ الجنسي، القومي والهواتي. والشاهد على ذلك أن ألدّ أعداء الأمازيغية هم أتباع القومية العربية، والتي هي إيديولوجية علمانية، كما هو معروف. أما بالنسبة للمشكل الثاني، الخاص بالدارجة، فالحركة الأمازيغية لا تقول لنا ماذا ستفعل بهذه اللغة وبالناطقين بها. فإذا كان السكوت عن هذا المشكل يعني أن هذه الدارجة ستستمر في أداء وظيفتها، وأن الناطقين بها سيستمرون في استعمالها والتواصل بها، فسيكون ذلك اعترافا بأن الأمازيغيين أقلية صغيرة مقارنة مع “العرب”، مستعملي الدارجة. وهذا ما يجعل من الدارجة مشكلة عويصة، ليس لأنها، كلغة، تحاصر الأمازيغية وتهدّد وجودها، وإنما لأن المتحدثين بها يُعتبرون عربا في هويتهم وانتمائهم. ولهذا تساهم الحركة الأمازيغية نفسها في خلق هذا المشكل عندما تنظر، هي كذلك، إلى الدارجة كلغة عروبية، وإلى المتحدثين بها كمغاربة عرب. وإذا كان الأمر كذلك، فماذا ستفعل الحركة الأمازيغية بالدارجة وبالناطقين بها، كما سبق أن كتبت؟ هذا هو المأزق الذي يؤدّي إليه اعتبار الدارجة لغة عروبية، والناطقين بها عربا. فما هو الحلّ للخروج من هذا المأزق؟
إدماج الدارجة في حضن أمها الأمازيغية:
الحل هو العودة بالدارجة إلى أصلها وحقيقتها. ما هو هذا الأصل وهذه الحقيقة؟ أصل الدارجة وحقيقتها أنها لغة نشأت ببلاد الأمازيغ بشمال إفريقيا، وأن أول من استعملها هم هؤلاء الأمازيغ عندما أرادوا التحدث بلغة القرآن فترجموا أمازيغيتهم حرفيا إلى العربية، بسبب ـ كما سبقت الإشارة ـ أن هذه الأخيرة كانت قد فقدت وظيفة الاستعمال في الكلام والتخاطب اليومي، فجاءت الدارجة لغة عربية في ألفاظها وأمازيغية في معانيها وتراكيبها، أي عربية في مظهرها وجسدها وأمازيغية في جوهرها وروحها. والذي يهمّ، بخصوص هذا الموضوع، هو أن الدارجة لغة أنتجها وتكلم بها للمرة الأولى في التاريخ أمازيغيون، وفي بلادهم الأمازيغية. فهي إذن منتوج أمازيغي، موطنا وإنسانا، ومعنى وتركيبا.
إذا كان هذا هو أصل وحقيقة الدارجة، فالحل هو إدماجها في الأمازيغية، أي في أصلها وحقيقتها الأمازيغيين، وذلك بالوعي، أولا، بهذا الأصل وهذه الحقيقة، ثم العمل، ثانيا، على نشر هذا الوعي بتبيان أن الدارجة تنتمي في هويتها البشرية والموطنية وبنائها التركيبي إلى الأمازيغية، وأن الناطقين بها هم إذن أمازيغيون (نظر موضوع: “متى يكتشف المغاربة لغتهم الدارجة؟” على رابط “تاويزا”: http://tawiza.byethost10.com/1tawiza-articles/arabe/darija.htm). وهكذا سيختفي تدريجيا، مع انتشار هذا الوعي، مشكل تهديد الدارجة للأمازيغية، والذي هو مشكل تساهم الحركة الأمازيغية في تفاقمه بتعاملها مع الدارجة كلغة عروبية. فإدماج الدارجة في حضن أمها الأمازيغية، كما هو أصلها وحقيقتها، سيضع حدّا لمشكل تعارضها مع الأمازيغية. وإذا كان هذا الإدماج يبدو أمرا شبه طوباوي، فذلك لأن الحركة الأمازيغية شديدة التعلق بعروبة الدارجة، لتجعل منها خصما للأمازيغية. ولهذا فإن إدماجها في حضن أمها الأمازيغية يشترط، أولا، أن يكون هذا الإدماج مطلبا للحركة الأمازيغية، تناضل من أجله وتعمل على التوعية به.
إدماج الإسلام في الأمازيغية:
وهذا الإدماج يصدق أيضا على الإسلام بالمغرب، وبشمال إفريقيا عامة. فإذا كان قد استُعمل ويُستعمل دائما لتعريب الأمازيغ ومحاصرة الأمازيغية، فذلك لأنه يُستعمل لإدماجهم في الإسلام، بمفهومه العروبي والتعريبي، أي كدين عروبي من شروط صحة الإيمان به عند الأمازيغ هو اعتناقهم للعروبة وتخلّيهم عن انتمائهم الأمازيغي، كما سبق أن شرحنا. ولهذا وقع الأمازيغ في خدعة أن إسلامهم لا يكتمل إلا بتعرّبهم، وهو ما كان وراء انتحالهم للنسب العربي.
ويكفي، لوقف هذا الاستعمال التعريبي، المخالف أصلا لتعاليم الإسلام نفسه، إدماج هذا الإسلام في الأمازيغية ليصبح خادما لها بدل استعماله لمحاربتها، كما كان ولا زال إلى اليوم. وإدماج الإسلام في الأمازيغية لا يعني أكثر من تطبيق مبادئه بخصوص هويات الشعوب الأعجمية، أي غير العربية. ومن هذه المبادئ أنه لا يجعل من تحويل هذه الشعوب من جنسها الطبيعي الأصلي إلى الجنس العربي، شرطا للإسلام الصحيح. ولهذا فهو لا يدعو إلى تعريب هذه الشعوب ولا إلى إذابتها في الهوية العربية. وهذا ما جعل عدد المسلمين الأعاجم يبلغ اليوم مليارا ونصفا، دون أن يتخلّوا عن هوياتهم الأصلية، الفارسية والتركية والأفغانية والباكستانية والإندونيسية والهندية والصينية والروسية… هكذا يكون الإسلام، بموقفه من هويات الشعوب الأعجمية، عاملا للحفاظ على الهوية الأمازيغية وإبقائها قائمة ومستقلة ومتميزة عن الهوية العربية. فهو، باعترافه واحترامه لهويات الشعوب غير العربية، يخدم الهوية الأمازيغية ويحميها من الذوبان في هوية أخرى، ومن التحوّل الجنسي للشعب الأمازيغي إلى أجناس أخرى مثل الجنس العربي. فإدماج الإسلام في الأمازيغية معناه استعمال مبادئه وتعاليمه للدفاع عنها ومحاربة سياسة التعريب، لأنها سياسة مخالفة لهذه المبادئ وللتعاليم الإسلامية. ويقتضي هذا الإدماج تبيان أن من يدعو إلى التعريب فهو يدعو، بالمنطق الديني، إلى الشِّرك بالله ومنافسته، لأنه يريد أن يحوّل مَن خلقهم الله شعبا أمازيغيا إفريقيا إلى شعب عربي أسيوي، متحدّيا بذلك إرادة الله واختياره وقراره (انظر موضوع: “دعاة التعريب أو المشركون الجدد” ضمن النسخة الإلكترونية لكتاب “في الهوية الأمازيغية للمغرب”).
هكذا يكون الدفاع عن الهوية الأمازيغية للمغرب هو إعمال لمبادئ الإسلام نفسه، مثلما أن الدفاع عن التعريب هو إخلال بهذه المبادئ. ولهذا لا توجد بالمغرب حركة إسلامية حقيقية ما دامت أن هذه التي توجد تدافع كلها عن التعريب، أي تدافع عما يخالف مبادئ الإسلام.
لكن هذا الإدماج للإسلام في الأمازيغية لاستعماله لحمايتها من التعريب المخالف للإسلام، لن يُكتب له النجاح الكامل إلا إذا أُدمجت الدولة نفسُها في الأمازيغية. ويتحقّق ذلك عندما تصبح هذه الدولة دولة إسلامية حقيقية. ومتى ستكون دولةً إسلامية حقيقية؟ عندما تعي وتعلن أنها دولة إسلامية ذات انتماء أمازيغي. أما عندما تدعي أنها دولة إسلامية ذات انتماء عروبي، وتمارس سياسة التعريب لتعزيز هذا الانتماء، فهي تتصرّف خارج مبادئ الإسلام، مما يجعل منها، في الحقيقة، دولة غير إسلامية، إذ كيف تكون دولةً إسلامية وهي تمارس التعريب المخالف للإسلام؟ النتيجة أن اندماج الدولة في الأمازيغية بالعودة إلى هويتها الأمازيغية كدولة أمازيغية، بالمفهوم الهوياتي الترابي، هو في نفس الوقت عودة إلى الإسلام الحقيقي بالعودة إلى الالتزام بمبادئه بخصوص هويات الشعوب.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.