ملف الأساتذة المتدربين: الحل الناقص والأزمة المؤجلة..
انطلق الحوار والبحث عن مخرج بعد أن تبين أن الأساتذة المتدربون مصرون على تنفيذ المحطة الأهم في برنامجهم النضالي وهي الإنزال الوطني والاعتصام بالرباط. ارتكزت مدخلات الحل على مضامين ما يعرف بالمبادرة المدنية ، المدعومة من طرف النقابات التعليمية الست. واستمر الإشراف على الحوار من طرف والي جهة الرباط ، وفي غياب تام للحكومة المنتخبة ، والتي يفترض أنها صاحبة القرار في الموضوع ، فهي من أصدرت المرسومين محل النزاع ، وهي من يفترض أن تبث في أي مقترح حل خاصة ، إذا كانت ستترتب عنه التزامات مالية.
المهم أن الاجتماع الحاسم ليوم الأربعاء قد أفضى في النهاية إلى توقيع محضر مشترك ، يتضمن التزاما من الأساتذة بتعليق شكلهم النضالي ، مقابل التزام الحكومة عن طريق والي جهة الرباط بتوظيف الفوج كاملا وعلى دفعة واحدة . وتم تشكيل لجنة للتداول في تفاصيل تطبيق مقتضيات المحضر ، تتكون إضافة إلى الحاضرين من ممثلي الوزارات الثلاثة المعنية بالملف(التربية الوطنية- الوظيفة العمومية –الاقتصاد والمالية).
هل نحن أمام حل لازمة دامت ستة اشهر ؟ وهل ما تم الاتفاق عليه يمثل إجابة على ما تم رفعه من شعارات من طرف التنسيقية الوطنية للأساتذة خلال نفس الفترة ؟
الحل الناقص :
اعتبر ما اقترحته المبادرة المدنية وتوسطت فيه النقابات وقبلته الحكومة حلا ناقصا ، لاعتبارات منها أننا أمام حل ظرفي يهم الفوج الحالي ولا يجيب على إشكالية المرسومين ، واللذين شكل إسقاطهما المطلب الرئيسي للحركة الاحتجاجية للأساتذة ، كما انه شكل إلى جانب الدفاع عن المدرسة العمومية أساسا جوهريا في التعاطف المجتمعي الكبير مع الحركة الاحتجاجية. وحتى هذا الحل الظرفي لا يستند على أساس قانوني ، مادام أن الفوج الحالي هو أصلا غير معني بمسالة فصل التوظيف عن التكوين بالنظر إلى أن المرسوم المنظم لها لا يمكن تطبيقه بأثر رجعي.
طبعا لا يمكن أن نلوم التنسيقية الوطنية للأساتذة المتدربين ، و لكن يحق لنا أن نتوجه باللوم أولا للنقابات التي بدل أن تعتبر المعركة معركتها وتتبنى بشكل واضح الملف وتدافع عن من يفترض أن يكونوا غدا جزءا من قواعدها النقابية ، اكتفت بلعب دور سفير النوايا الحسنة والشاهد الضامن للاتفاق. كما يحق لنا أن نلوم كذلك ما يسمى بالمبادرة المدنية التي بدل أن يكون رهانها هو استثمار اللحظة السياسية التي أتاحها الاحتجاج لانتزاع اكبر المكاسب للمدرسة العمومية ، اكتفت بدور الاصطفائي الذي يحاول إنقاذ الحكومة من النار التي أشعلتها بيديها . وطبعا لا يمكن أن نغفل أن باقي القوى السياسية والمدنية والحقوقية لم تكن في مستوى اللحظة التي وفرها الاحتجاج لتضع المدرسة العمومية في صلب النقاش العمومي.
الأزمة المؤجلة :
إن توظيف الفوج الحالي كاملا بعد إجراء مباراة شكلية وبدون إلغاء المرسومين يمثل فقط تأجيلا للازمة ، فهذه السابقة أكيد أنها ستدفع الفوج والأفواج المقبلة للمطالبة بنفس الشيء . وبالتالي قد نكون أمام احتمالين ، إما تكرار سيناريو السنة الحالية وهو ما يعني أننا أمام تدبير عبثي لقطاع حيوي لا يحتمل العبث ، وإما أن تتم مقاطعة مباريات الدخول للمراكز الجهوية منذ البداية والمطالبة بإلغاء المرسومين ، وهو الاحتمال الذي قد يجعل من بداية الموسم الدراسي المقبل نقطة ساخنة خاصة انه سيتزامن مع حملة الانتخابات التشريعية لأكتوبر 2016.
كما أن الإبقاء على مرسوم فصل التوظيف عن التكوين في قطاع التربية الوطنية والذي يهدف أساسا إلى خدمة القطاع الخاص في مجال التعليم ودعمه عن طريق توفير اطر تدريس مؤهلة ومكونة من الميزانية العامة مقابل تزايد الخصاص والاكتظاظ في التعليم العمومي ، يمثل تعميقا لازمة المدرسة العمومية وتأجيلا للبحث عن مخارج كفيلة بتوفير تكافؤ الفرص أمام أطفال المغرب في الحصول على تعليم جيد وملائم.
أكيد انه لا يمكن أن ننكر أن الحركة الاحتجاجية التي قادها الأساتذة المتدربون خلال ستة اشهر بكثير من الصبر ونكران الذات ، مكنت على الأقل من إثارة الانتباه إلى عمق أزمة التعليم العمومي والى ضبابية رؤية الحاكمين سياسيا و تدبيريا لهذا القطاع الحيوي.
و لكنها للأسف لم تمكن من بناء جبهة مدنية للدفاع عن المدرسة العمومية بسبب الإكراهات البنيوية العميقة لمختلف الفاعلين السياسيين والمدنيين ، إذن نحن أمام نهاية جولة من معركة ستستمر لان المدرسة هي مستقبل الوطن.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.