مصر : «قمع الحريات» باسم الدين والأخلاق (تقرير)
«محاكمة انتصار بتهمة التحريض على الفسق، تأييد حكم إسلام بحيري بالسجن 5 سنوات في ازدراء الأديان، حبس الأديب كرم صابر بسبب مجموعته القصصية أين الله، والقبض على 11 مثليًا بالمهندسين»، عناوين تصدرت الصحف والمواقع الإلكترونية في الشهور الأخيرة في ظل نظام يحكم بدستور ينص على أن «حرية الاعتقاد مطلقة، وحرية الفكر والرأي مكفولة، وكل إنسان له الحق في التعبير عن رأيه بالقول أو بالكتابة أو بالتصوير».
صعود جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة في يونيو 2012، أثار مخاوف كبيرة في الأوساط الليبرالية واليسارية من انتهاك الحريات الشخصية والعامة، وتصدى الإعلام والقوى السياسية لمحاولة الجماعة «أسلمة المجتمع»، ولم تظهر نواياها «الخفية»، ولم تشهد فترة حكم محمد مرسي بشكل ملحوظ، قضايا «فجور ومثلية وإلحاد والخروج عن قيم المجتمع»، وكانت التهمة التي توجّه للمعارضين «إهانة الرئيس».
يقول جمال عيد، مدير الشبكة العربية لحقوق الإنسان: «في عهد الرئيس الإخواني محمد مرسي كان المواطنون متخوفين من تقييد الحريات، لكن أكثر التهم الموجّه في عهده كانت إهانة الرئيس، لكن معظم القضايا الخاصة بالسلطة الحالية خاصة بالرقابة على الحريات».
في برنامج تليفزيوني على فضائية «القاهرة والناس»، تساءلت الفنانة انتصار عما قد يفعله الشباب حال عدم قدرتهم على الزواج، معتبرة أن «الأفلام الإباحية حل مؤقت لحين الزواج».
وقالت انتصار: «هذه الأفلام، إضافة إلى الكتب، تساعد الكثيرين في شرح العلاقة الجنسية قبل الزواج»، منتقدة الدول التي تحجب تلك الأفلام، قائلة إنها تشهد معدلات أكبر للمثلية الجنسية، وأعربت عن إعجابها بالأفلام الإباحية التي تُقدم دراميًا، وتسببت تلك التصريحات في موجة جدل لم تستمر كثيرًا على مواقع التواصل الاجتماعي حتى وصلت إلى أروقة المحاكم، إذ تقدم عدد من المحامين المصريين ببلاغات إلى النيابة العامة تتهم الممثلة انتصار بـ«التحريض على الفجور، والدعوة إلى الانحلال»، وحددت محكمة جنح مدينة نصر 10 نوفمبر لنظر القضية.
كما قررت نيابة العجوزة، الاثنين، استعجال تحريات مباحث الآداب بشأن المطربة هيفاء وهبي، لاتهامها بالتحريض على الفسق والفجور من خلال الفيديوهات التي تبثها على مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات التليفزيونية، بحسب البلاغ المقدم ضدها في مايو الماضي.
كان الرئيس عبدالفتاح السيسي قال في حوار تليفزيوني أثناء ترشحه للرئاسة، إنه «مسؤول عن كل حاجة في الدولة حتى دينها، مسؤول عن القيم والمبادئ والأخلاق والدين »، وعقب صعوده للسلطة، طالب بإدخال الأخلاق في تقييم الطلاب.
ويُضيف «عيد»، لـ«المصري اليوم»: «الهجوم المستمر على فنانين وفنانات بدعوى الخروج على التقاليد والأعراف العامة، ونشر الرذيلة، يكرس لمناخ معادٍ لحرية الإبداع، ويعيدنا إلى عصور محاكم التفتيش»، متابعًا: «الدولة تعتبر نفسها رقيبًا أخلاقيًا، دور الدولة ليس تربية المواطن، ولكن حماية حقوقه فقط».
وفي الوقت الذي يكرّر فيه رأس النظام، دعوته لـ«ثورة دينية»، وتطهير التراث، أيّدت محكمة مستأنف مصر القديمة، تأييد حبس الباحث إسلام بحيري 5 سنوات، لاتهامه بازدراء الأديان، وذلك بعد معركة بينه وبين مؤسسة الأزهر الشريف، أكبر مؤسسة دينية في مصر، والمُخول لها تجديد الخطاب الديني بتكليف من السيسي.
و أعدت وزارة التربية والتعليم خطة بعنوان «برنامج لنشر ثقافة الأمن الفكري بالمدارس»، ويهدف البرنامج إلى «الحفاظ على هوية المجتمع، إذ إن في حياة كل مجتمع ثوابت تمثل القاعدة التي تبنى عليها»، كما تهدف أيضًا إلى «حماية العقول من الغزو الفكري والانحراف الثقافي والتطرف الديني».
مجموعات تدعم النظام الحالي، اكتوت من نار «الهوس الأخلاقي، والحرص على قيم المجتمع من الأفكار التي تهدد النسيج الوطني»، فجرى تنظيم حملات لضبط الملحدين، واللادينيين، وحكم على العشرات منهم بالسجن لمدة تتراوح ما بين عام إلى 5 أعوام، بينهم الأديب كرم صابر، الذي يقضي فترة عقوبة في السجن لمدة 5 سنوات بتهمة ازدراء الأديان، بسبب مجموعته القصصية «أين الله».
وألقت قوات الأمن الشهر الماضي، على 11 مثليًا بمنطقة المهندسين، وفي ديسمبر الماضي، جرى القبض أيضًا على 33 شابا في إحدى الحمامات الشعبية بالقاهرة، بتهمة «ممارسة الفجور في مكان عام»، وتم تصويرهم من قبل الإعلامية منى عراقي .
وعن سبب التضييق على الحريات الدينية، أوضح «عيد»: «أعتقد أن هناك سببين، الأول: مزايدة من الدولة على التيار الديني، وكأنها تريد أن تقول للإسلاميين نحن أكثر تدينًا منكم، والثاني: أن تكون الدولة ظاهرها عسكري وباطنها ديني، لكني أرجح الأمر الأول، فالاكثر سوءًا من الإسلامي المتشدد العسكري الذي يُزايد عليه».
وأشار مدير الشبكة العربية لحقوق الإنسان، إلى أن الدولة تحاول إخماد كل الأصوات المختلفة، خاصة لو كانت مبدعة، وتريد ذوقا واحدًا في الكتابة والإبداع والفن، موضحًا: «الرأي لا يُعاقب، والإبداع والرأي يجرى تقييمه بالنقاش وليس المُصادرة، أنا لا يعنيني الدفاع عن انتصار أو إسلام بحيري، فقط أريد لهم إبداء رأيهم، وإخضاع هذا الرأي للنقاش، وترك التقييم للجمهور، والشخص الرافض يُقدم الأفضل، لأن الدين والأخلاق لا يصلحوا أن يكون مقياسًا».
- عن المصري اليوم
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.