في مثل هذا اليوم 2 نوفمبر من سنة 1974 وكان نهار سبت مشمس في فصل خريف شديد الحرارة وبلا أمطار، تنتشر فيه الأمراض وتنتقل بسرعة، ويعلوا الحزن والكآبة وجوه الفلاحين وهم يرون حيواناتهم جوعى وعطشى، وبلا زرع أو ضرع، بسبب انعدام الكلأ وشحة المياه.
في مثل هذا اليوم من سنة 1974 وحوالي الساعة الواحدة زوالا تم اعتقالي من مقر اللجنة التقنية التي كانت تسهر على إعداد وثائق ومنشورات منظمة 23 مارس وخاصة النشرة المعروفة بنفس الاسم والتي كنا نطبع منها آلاف النسخ وقد كنت أنا والرفيق محمد الغريسي المكلفان بعملية الرقن على الآلة الكاتبة، وهذه مهمتي، والرفيق الغريسي النسخ على آلة الرونيو. بعد إتمام رقن المواد أقوم بعملية تصحيح الأخطاء المطبعية واللغوية ومراجعة المادة، وبعد الإنتهاء من النسخ على آلة الرونيو اليدوي، نقوم بترتيب العدد وتجميعه حسب أهمية المواد المنشورة، الافتتاحية أولا، ثم البيانات السياسية، والمقال الرئيسي، ثم آراء واقتراحات الرفاق ووجهات نظرهم وبعد ذلك مختلفات قد تضم رسائل أو بعض الأخبار المتنوعة والطريفة.. ليخرج بعد ذلك العدد للتوزيع في المدن المغربية .
المكان الذي تتم فيه هذه العملية كان عبارة عن منزل يقع في أكبر شارع وأجمله آنذاك، شارع محمد الزرقطوني بالدار البيضاء، وفي نفس البناية كانت تسكن، على ما أذكر، عائلتان; عائلة أوربية وعائلة مغربية، لهذا كان بعيدا عن أنظار الفضوليين، وكنا حين نشرع في العمل نطلق صوت الموسيقى بشكل مرتفع حتى لا يسمع صوت آلة الرقن أو الرونيو.
انطلقت الاعتقالات ليلة الجمعة 1 نوفمبر 1974 بعد أن اضطر الكرفاتي للاعتراف بحقيقة هويته حتى لا تلصق به تهمة سارق لأنه اعتقل ممتطيا دراجة نارية بدون أوراق. من هنا ابتدأت الكارثة.
جئت للمقر لأستطلع الأمر لأني كنت في قرارة نفسي متوجسا من أن هناك شيئا ما سيقع لذلك ذهبت ليلة الجمعة للمبيت لدى أحد معارفي بقرية الجماعة. وفي صباح السبت حين عدت للمنزل الذي أقيم فيه مع الرفيق الشهيد عبد السلام الموذن والرفيقان علال الأزهر وعبد العالي بنشقرون والذي يقع في كراج علال عمارة رزق، لاحظت نوافذ الشقة مغلقة على غير العادة وسيارة شرطة متوقفة بباب العمارة وحارس العمارة يدخل ويخرج بشكل مرتبك، طبعا كنت واقفا في مكان بعيد شيئا ما يصعب عليه رؤيتي لأنه كان ضعيف البصر، من هنا حدست أن الأمر ليس عاديا وأن هناك شيئا ما وقع، فاتجهت إلى شارع الزرقطوني من كراج علال مشيا على الأقدام وأنا بدون وعي عاجزا عن أي تفكير فساقتني قدمايا إلى المقرالذي نعد فيه 23 مارس، وفي باب المنزل وجدت أشخاصا منظرهم يبعث الرعب في النفوس، أحدهم يتصفح مجلة الحرية والآخر مجلة الهدف، أسقط في يدي ولم أجد ما أقول، فجاء أحدهم من خارج البناية وضع (المينوت) الحديدي في يدي ونادى سيارة أجرة وذهب بي إلى مركز الشرطة المشهور المسمى المعارف ولما وصلنا رفض سائق الطاكسي أن يتسلم منه أجرته، ظنا منه أنني من عتاة المجرمين رغم أن مظهري يوحي بعدم قدرتي إداء بعوضة.. ولله في خلقه شؤون.
هذا اليوم كان بداية لتاريخ ومرحلة جديدة في حياتي كانت لها انعكاسات إيجابية في مسيرتي.. وتلك قصة أخرى كانت بدايتها يوم الثاني من نوفمبر 1974..
تحياتي لكل رفاقي الذين عشت معهم معاناة المعتقل والسجن. وسلاما لأرواح الذين غادرونا وذهبوا في رحلتهم الأبدية.. وهذه أيامنا تداولنا وسنستمر رافعين رؤوسنا دوما لن نستسلم وسنصمد حتى النهاية..
*محمد فكري مناضل من اليسار الجديد.. 23 مارس.. منظمة العمل.. أدى ضريبة السجن مع عدد من رفاقه من أجل ما نعيشه اليوم من” الحرية والديمقراطية” .. ولازال صامدا يناضل بالفعل وبالكلمة الصادقة.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.