إعداد سعيد الهياق//
في ظل حالة الطوارئ الصحية لمواجهة إنتشار وباء مرض فيروس كورونا المستجد- كوفيد 19، أكيد أن للمثقف المغربي قراءة لهذا الواقع اليومي غير المألوف بكل تجلياته و تدعياته. و من تم طرحنا للنقاش موضوع: ” المثقف المغربي و تدعيات مرض فيروس كورونا المستجد- كوفيد19؛ الواقع… و الآفاق…؟ و مع الأديب ألدكتور محمد بوستة في موضوع بعنوان: ” المثقف و سطوة كورونا “:
المثقف وسطوة الكورونا:
تحدث أنطونيو غرامشي عن المثقف العضوي الذي يترك أثره في الواقع ويناقش قضايا عصره، ويعانق هموم الجماهير، ويسعى إلى زرع بذور التغيير والإصلاح الثقافي في مواجهةٍ لسدنَة التقليد والجمود.
ونرى تبعا لهذا التصور الغرامشي أن المثقف عموما من أكثر الكائنات الإنسانية التي يجب أن تتفاعل مع وقائع عصرها ومستجداته. ورغم ما تشهده اليوم الحركة الثقافية في كثير من أنحاء المعمور من انحسار بسبب عوامل متعددة منها ما هو سياسي، اقتصادي، اجتماعي، ذاتي.. فإن دور المثقف لا غنى عنه في ظل المجتمعات المعاصرة التي تهيمن فيها ثقافة المعلوميات ورهانات مجتمع المعرفة.. لأنه ذلك الكائن الإنساني النشيط الذي يوقظ الضمائر، أو هكذا ينبغي أن يكون، ويدخل في عراك مع متناقضات عصره وهمومه من أجل إزالة اللثام عن المستور وتنوير العقول حول ما يجري في الكواليس.
ولا غرو أن يجد المثقف نفسه في زمن الكورونا أمام عدة أسئلة اجتماعية وفكرية واقتصادية وسياسية وصحية وأنطولوجية… تؤرق ذهنه وتجثم على أنفاسه مثلما يجثم الفيروس اللعين على صدور المرضى. ومع ذلك فإن منطق التحدي يفرض أن لا تكون الكورونا أو غيرها من الفيروسات القذرة المنتشرة في مجتمعاتنا عائقا أمام المثقف في مواكبة مشروعه الثقافي وإنتاج معرفة جديدة تأخذ في الحسبان تغيرات العالم في زمن الكورونا. فعلى الرغم من الحجر الصحي والعزلة المؤرقة والوساوس التي تنفذ إلى النفوس فتضعف نشاطها، يتعين على المثقف أن يشهر سلاحه في وجه كل المثبطات ويشرئب إلى المستقبل لمواجهة تداعيات فيروس كوفيد 19 التي لا شك أنها ستغير موازين القوى في العالم.
إن المتتبع للخطاب المواكب لانتشار فيروس كورونا على مستوى المواقع الاجتماعية يلاحظ بثَّ بعضِه لسموم اليأس والتشكك والإشاعات؛ ومن أدوار المثقف التصدي لمثل هذه الممارسات السلبية بتعميق النظر في ما يقع والسعي إلى بناء معرفة علمية رصينة تحلل الوقائع وتخلخل البنيات الذهنية. نحن في زمن الكورونا تطرق أسماعنا مقولات متعددة مثل “البقاء”، “الصراع”، “الشفاء”، “الموت”، “الدعاء”، “علامات الساعة”، “توقيف النزاع”، “الحرب الفيروسية”، “العزلة”، “الاغتراب”، “الحجر”، “حالة الطوارئ”، “الأزمة الاقتصادية”، “الفيروس كوفيد 19″، “الوباء”، “العدوى”، “التعليم عن بعد”، “الاستمرارية البيداغوجية” …. وعلى مستوى الدارجة ثمة سيل من المصطلحات والعبارات التي تواكب هذه التحولات، مثل “بقى ف دارك”، “حمي ولادك وبلادك”، ” الإشاعات”، “الكمامة”، “عقّم يديك”، “العشوب”، “البخور”، “التحْليلَة”….، وعلى مستوى العلاقات الدولية نشهد حروبا كلامية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية وبين أطراف أخرى متعددة…
نحن أمام تحولات خِطابية وأخرى رقمية تتحقق على مستوى الكتابة والقراءة والصورة في زمن الكورونا، وتترك تأثيراتها على المنظومة الفكرية والثقافية للإنسانية جمعاء… ويدفع هذا كله إلى إنتاج أسئلة عديدة، لأن من مهام المثقف مساءلة الواقع وسبر أغواره، وليس التسرع في إصدار الأحكام: ما حقيقة كورونا هذه التي ملأت الدنيا وشغلت الناس؟ هل يتجه العالم اليوم صوب مرحلة جديدة؟ كيف تعامل الإعلام ويتعامل مع أزمة كورونا؟ ما مشروعية كل ما يصلنا عبر القنوات التواصلية؟ ما هي آثار هذا الفيض من المعلومات على البنية الذهنية للإنسان، وعلى ممارسة أنشطة التأمل والتمحيص والتدقيق والغربلة والنقد والتحليل…؟ هل يتجه العالم نحو نهايته؟ ما جدوى ما حققته الإنسانية من تطور وتقدم على المستوى العلمي والتكنولوجي والمعلوماتي؟ ما جدوى قيم ما بعد الحداثة؟ ما جدوى الهيمنة؟ ألم يُوحِّد فيروس كورونا جهود العالم؟ ماهي حدود أسوار العولمة والفكر الليبرالي في زمن الكورونا وما بعده؟ هل تمكن الإنسان من السيطرة على الطبيعة وإخضاعها لإرادته؟ لماذا يتم اليوم وبأقصى سرعة تجميع مبالغ مالية خيالية لمواجهة تداعيات كورونا اجتماعيا واقتصاديا وصحيا… ولماذا لم يكن يحدث ذلك قبل ظهور هذا الفيروس الفتاك وتفشِّيه ؟ ما مستقبل الفكر والثقافة والأدب والفن في ظل ما نعيشه اليوم….؟ ما مستقبل المعنى في الحياة الإنسانية المرتقبة…؟
لا ريب أن ما نحن مقبلون عليه بعد كورونا لن يكون هو نفسه ما قبلها، وستظل مساحات التفكير وآفاقه فسيحةً لاستقبال مزيد من الأسئلة.. وفي انتظار أن تضع “الحرب” أوزارها، وهل فعلا ستضع “الحرب” أوزارها وكيف؟، نحن مدعوون جميعا للتفكير في مستقبل البشرية وبناء ثقافة عضوية جديدة (بمفهوم غرامشي) يكون استحضارُ المصير الإنساني المشترك والتركيز عليه رافدا جوهريا من الروافد التي تغذيها…
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.