رشيد الحاحي //
ببروز اسم إيمانييل ماكرون قبل ثلاثة سنوات وتوليه وزارة الاقتصاد والصناعة والرقميات في حكومة هولوند، وبعد تأسيسه لجمعية ثم حزب لنسير أو إلى الأمام En marche ، وخاصة بعد مروره للدور الثاني في الانتخابات الرئاسية ووصوله إلى الإليزيه، انصب الحديث كثيرا على علاقته بزوجته أستاذته التي تكبره سنا ب 25 سنة، التي لا شك أن لها جانب هام من الفضل عليه، إلا أنه لم يثر إلا قليلا اسمين هامين في مسار وتكوين الرئيس الشاب.
الاسم الأول هو الفيلسوف والمفكر الفرنسي الشهير بول ريكور Paul ricoeur ، حيث التقاه ماكرون خلال السنوات الأخيرة من حياته، وعمل بجانبه ككاتب ومساعد محرر خلال إعداد كتابه “الذاكرة، التاريخ والنسيان” الصادر عن منشورات لوسوي سنة 2000. العمل بجوار صاحب الفينومينولوجيا وصراعات التأويلات، لم يكن دون اطلاع وتأثر ماكرون الشاب بمجال الفكر الحديث قبل توجهه إلى التكوين المالي والبنكي، حيث أكد عدة مرات أنه كان يرى في فكر ريكور الطريق الأخر والجديد لحراك ماي 68 بفرنسا، وأنه تعلم منه فضيلة الإنصات والتفكير والتشاور في السياسة، والقدرة على النظر والإحساس والحكم على الأشياء بشكل مختلف في المجال الديمقراطي.
الاسم الثاني الذي تؤكد عدة شهادات وكتابات، منها مقال جميل للطاهر بنجلون القريب منهما، دوره الأساس في تكوين وتحقق ماكرون كمشروع سياسي وكفاءة تدبيرية، هو رجل الأعمال واليساري الفرنسي ميشيل روكار Michel Rocard ، الذي اكتشف وانتبه إلى قدرات الشاب ماكرون مند تخرجه من المدرسة الإدارية وقيامه بتدريب بإحدى المقاطعات الإدراية، فاحتضنه المقاول والسياسي في آخر حياته، حتى أنه اعتبره مشروعا شخصيا له ثق فيه والتزم بنجاحه، حتى أنه قرضه ثمن الشقة التي اشترى بباريس لسكنه، وكان شاهد زواجه بأستاذته بريجيت ماكرون، وظل يردد اسمه ويشيد بقدراته إلى أن توفي يوم 5 نوفومبر 2016، أي خمسة شهور فقط قبل وصول ماكرون للإليزي.
الاستنتاجات التي يمكن أن تستخلص من حالة ماكرون ومساره السياسي والاجتماعي، هي اللاتي:
لا شك أن هذين الاسمين لعبا دورا مهما في تكوين وبروز قوة مشروع الرئيس الشاب، ومقوماته التي أوصلته إلى رئاسة إحدى أقوى الدول في العالم، والتي يمكن تلخيصها في طموحه ووسطيته السياسية التي زاوجت، من جهة، بين الإلمام الفكري والثقافي، والإيمان ببعض قيم اليسار خاصة بعدها الإنساني والاجتماعي والتقدمي، كما علمه ريكور، ومن جهة أخرى، عدم اعتبار المال والرأسمال خصما أو التوجس من الخوض في شأنه كما يفعل عادة اليساريون التقليديون، بل أنه استطاع بتكوينه المالي والبنكي، وكفاءته التقنية والتدبيرية، أن يخوض بجرأة، ومن منظور ليبرالي، في عدة ملفات ويطرحها خلال مشروعه السياسي الذي أوصله إلى رئاسة فرنسا، ومنها ملف الاقتصاد والنقابات والتشغيل…
يبقى أن نعود إلى سؤال مادا يمكن أن يستفيد السياسيون والمقاولون والمثقفون المغاربة من حالة ماكرون التي تستحق أن يتعلموا منها الكثير؟
بكل اختصار التغيير والتقدم يتطلب الكفاءات الشابة التي تزاوج بين الإلمام الفكري والثقافي والقدرة التدبيرية والتقنية والحس السياسي، ومثل هذه الكفاءات لا يمكن أن تنبث بها الأرض دون زرع وسقي واحتضان، ولا أن تسقط من السماء أو “تقطر بها سقوف” الأحزاب والإدارات والبيوت، إنها نتاج البناء والاحتضان المؤسساتي والمجتمعي، وسيادة ثقافة النزاهة والكفاءة والثقة في الأفراد، والتوجه إلى المستقبل باعتباره حلم ومشروع قابل للتحقق.
لم أسع إلى المقارنة حتى لا يقال أنه لا مجال، كل ما أسعى إليه هو طرح السؤال وإثارة قيمة الدرس، إن كان بيننا من يؤمنون فعلا بالمستقبل…
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.