ماذا يريد العرب؟

22
رشيد الحاحي//

هذا عنوان الكتاب الصادر سنة 1991 للدبلوماسي الإيراني فريدون هويدة Freydoun Hoveyda ، الذي ازداد بدمشق ونشأ ببيروت، وكان يشغل منصب سفير إيران بالأمم المتحدة ثم مستشارا سياسيا بالولايات المتحدة الأمريكية مند نهاية القرن العشرين.
أعدت قراءة الكتاب هذه الأيام وتمعنت في الأسئلة والأجوبة التي تناولها المؤلف، على ضوء التطورات والأحداث المهولة التي عرفها القرن الواحد والعشرين. فالحالات والأحداث التي حللها والوثائق التي أوردها الكاتب تركز على دول الشرق الأوسط إضافة إلى مصر وليبيا القدافي، لكنه تناول أيضا حركة الإسلام السياسي بشمال إفريقيا كجبهة الإنقاذ بالجزائر، مع إشارات إلى تونس والسودان والمغرب.
من الأسئلة التي عنون بها فصول الكتاب: من يكون العرب؟ ماذا يريد الأصوليون؟ ماذا يريد إنسان الشارع؟ ماذا تريد الأنتلجنسيا –أي الفئة المثقفة-؟
رغم أن تحليل المؤلف تناول جذور الإشكال والسؤال من القرون الوسطى، وحلل العقلية القبلية العربية، وقدم إشارات حول ما سماه بالأصولية والتطرف بإسبانيا خلال نهاية القرن 11، من خلال بعض ممارسات الموحدين خاصة حرق الخزانة الكبرى بقرطبة وفرض الإقامة الإجبارية على ابن رشد ومنعه من القراءة والكتابة! ورغم تناول أيضا أحداث وأشخاص وكتابات وتصريحات … وقعت وصدرت خلال سنوات السبعينيات والثمانينات من القرن العشرين، فإن نتائج وأبعاد استنتاجاته تكاد تنطبق على الحاضر، أو على الأقل تمنح بعض العناصر الضرورية لفهم ما يجري خلال السنوات الأخيرة بما في ذلك خلفيات وسياق ظهور “داعش”، وتنامي الإرهاب والتطرف بعدة دول، وما يجري بسوريا، بل وحتى ما حدث بدول شمال إفريقيا والشرق الأوسط تحت مسمى الربيع الديمقراطي أو بالأحرى العربي، لكونه يستمد من السؤال المركزي في هذا الكتاب لبس ودلالة ومنزلقات هذا الوصف.
ومن الأفكار الهامة التي تناولها المؤلف، والتي أرى أهمية طرحها للنقاش:
العقلية العربية:
تقوم منظومة قيم العرب الرحل التي تحظى بالتجدر والاستمرارية في مجتمعاتها المعاصرة، على الاعتقاد في أربع خصائص أصلية وهي الشرف والشجاعة والكرم والتضامن القبلي. وكل إهانة تعالج وتنظف في الدم، ويتم توارث واجب الانتقام من جيل إلى آخر. (ص.24)
وقد اعتمد المؤلف هذه البنية القيمية في تحليل العديد من الأحداث المعاصرة ومنها حرب الخليج، وسلوك صدام حسين، والأسد، والسلوكات والأحداث السياسية التي عرفتها دول الخليج والشرق الأوسط.
البنية القروسطية لا زالت مستمرة:
باختصار، تتكرر الأشياء والأحداث بالشرق الأوسط كما أنه ليست هناك حلول لمشاكل المنطقة. وهذا وضع مستمر مند ثمانية قرون، والشكل وحده يتغير أو ربما يبدو كذلك. (ص.212)
جل الدول والأنظمة العربية تسعى بأشكال مختلفة إلى التمسك وتمجيد الأزمنة الغابرة، وتربية عموم المواطنين على أساطير الماضي وأمجاده الطوباوية. وأموال البترول تنفق على تنظيم معارض وتشييد مراكز ثقافية في أوروبا وأمريكا الاتينية والولايات المتحدة…تحت وهم تخليد العصر الذهبي.
الساعة الإسلامية المعطلة:
في انتظار امتلاك العرب أو إنتاجهم لساعتهم، تستمر الشركات الغربية في الاغتناء إن أمكن القول على ظهر هذا الخصاص. في سنة 1981 استطاعت شركة سويدية مضاعفة رقم معاملاتها من خلال صناعة بوصلات تدور عقاربها في اتجاه مكة، مراهنة على سهولة وتزايد الإقبال على الأسفار، وعلى العائدات الكبرى التي يجنيها العرب من البترول.
أشهر بعد ذلك، شركة أخرى من مناكو تصنع وتسوق ساعة سمتها “دليل”، تسهل على العرب حيثما كانوا تعرف اتجاه القبلة ومواقيت الصلاة.
تمثيل حزين لحجم التخلف الذي يعاني منه المسلمون، ليس لسبب يرتبط بالبوصلة والساعة في حد ذاتها، بل لأنه لو كانت الدول الإسلامية تتطور فعلا لاستطاعت ابتكارها وصناعتها لنفسها دون الحاجة إلى هذه الشركات.
بطء المسلمون وسرعة العالم:
عرض المؤلف أفكار ألوين توفلير Alwin Tofler صاحب كتاب “صدمة المستقبل”، من خلال أطروحته التي مفادها أن العالم كان ينقسم إلى شرق وغرب، في ارتباط بالحرب الباردة، وإلى شمال وجنوب، في ارتباط بالتقسيم إلى دول صناعية وعالم ثالث، وهي التقسيمات التي ستنمحي أمام واقع جديد يمتد ليشمل العالم ككل وهو تقسيم “السريع” والبطيء”.
فمند عدة سنوات يتضح أننا دخلنا مرحلة الموجة الثالثة التي صارت فيها المعلومة والمعرفة أهم من الأرض والرأسمال والطاقة العضلية. فالابتكار والمعلومة والسرعة في مواكبة التجديد أصبحت هي المقومات والمصادر الأساسية لتحقيق الثروات والقوة. بيد أن الابتكار والمعرفة يتطلبان سرعة أكبر في تنقل المعلومات والأفكار، وهو أمر مستحيل التحقق دون ضمان وممارسة حرية مطلقة في التعبير، ودون التخلي عن الأفكار الدوغمائية.
نعيش إذن، ثورة علمية وتكنولوجية أكثر سرعة وعمقا، والعالم مستقبلا لن يعود منقسم بين دول متقدمة وأخرى متخلفة، بل بين الذين يعملون ويسايرون بسرعة وآلائك الذين يضلون بطئين ومتخلفين عن مسايرة هذا المسار المتسارع الذي يجري أمام أعيننا . (ص. 237).
دون إقرار التعدد والاختلاف سيبقى العرب والمسلمون خارج التاريخ:
في انتظار إدراج التعدد وفق الشكل الذي يناسبها، يقول بريس جونز Pryce-Jones ، ستظل الجماهير العربية عاجزة على التأثير في قدرها ومستقبلها، وعاجزة على الإقدام وممارسة الاختيار الذي بدونه لا يمكن الحديث لا عن التطور ولا عن الاستقلال الفعلي، ولا حتى عن وطن حقيقي.
العرب هم الخاسرون فعلا، وما يشكل الخطر الحقيقي بالنسبة لهم، هو التواجد خارج التاريخ البشري الكوني الذي يتشكل، بالشكل الذي يجعل العالم حائرا أمام سؤال كيف ستكون مساهمة العرب في ذلك مستقبلا ؟ (ص. 239).
ربما العشرية الأخيرة أجابت عن جانب مهم من هذا السؤال: ما هي مساهمة الدول العربية في سيرورة التاريخ البشري، حيث اتضح أن مساهمتهم الكبيرة هي في إبداع الصراعات وتجديد مصوغات وبؤر العنف والخراب وتطوير أساليب الحفاظ على بنية وعقلية القرون الوسطى وإعادة إنتاج التخلف.
أما السؤال المحير: ماذا يريدون؟ فلا يزال عالقا ومثيرا فعلا للغرابة في انتظار ما ستفضي إليه التطورات المتسارعة التي يعرفها العالم.


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading