لماذا نحب تاجر السلاح .. عبد الرحمان اليوسفي؟
محمد أحداد //
رحل اليوسفي اليوم ، الجمعة 20 ماي 2020، لكنه لن يغادر أفئدة من آمنوا بالنبل في السياسة، بالأنافة، بالصدق في المعارضة وفي الموالاة.. كنت قد كتبت افتتاحية عن الرجل سنة 2016، ربما تختصر سيرة سي عبد الرحمان..
إنا لله وإنا إليه راجعون.
لم يسبق لمسؤول سياسي أو زعيم حزبي في العقود الأخيرة أن حاز على ما يشبه الإجماع من لدن اليمين واليسار والإسلاميين كما حازه عبد الرحمان اليوسفي.
قد نختلف في تقييم تجربة اليوسفي في الحكومة، وقد ننتقد قبوله”المهين” بالانخراط في حكومة إدريس جطو رغم أن حزبه احتل المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية، وقد نحمله جزء من المسؤولية في تشتيت البيت الاتحادي وإضعافه من الداخل وتأجيج حرب التيارات، وقد نرى في ضعفه ومرونته تجاه ما كان يسميه هو بـ”جيوب المقاومة” نقطة قابلة للاحتجاج في مسار تاجر الأسلحة، وربما سنعد خطابه في بروكسيل إعلان هزيمة صريح للمبادئ التي دافع عنها طوال عقود من داخل المعارضة أو من داخل المؤسسات، وقد نختلف مع اليوسفي في تفاصيل حكومة التناوب وقبوله بمجاورة إدريس البصري في نفس المجلس الحكومي. لا يهم ذلك. لماذا؟
لأن تقييم التجارب السياسية للأفراد والجماعات لا يمكن أن يقرأ بمعزل عن سياقاتها وظروفها، ولا يمكن أن تقرأ كذلك دون إقامة الوزن لقوة الفاعلين الآخرين، على هذا النحو، فإن الحكم اليوسفي شارك في تجربة سياسية تقبل التأييد والاحتجاج ولا تقبل بالمقابل أن تواجه بالتسفيه فقط لأن حسابات سياسية قديمة تشتعل بين الرفاق الأعداء.
نحب اليوسفي لأنه لا يشبه السياسيين المغاربة الذين يغيرون مواقفهم في كل لحظة ويبدلون جلودهم، ولا يجدون حرجا في المزج بين اليمين واليسار بسلاسة متناهية، نحبه لأن الزمن السياسي المغربي رديء جدا، وفساد السياسية صار عنوانا للمرحلة.
نحب اليوسفي لأنه عارض النظام بشرف ودافع عنه بشرف في البدايات الأولى لحكم محمد السادس، وحينما حمل السلاح ضد الحسن الثاني، كان يريد قلب النظام، ولم يغير جلده كما فعل كثيرون أما حين انخرط في حكومة التناوب، فقد آمن أن الصراع من الدولة والنظام مستنزف وبشجاعة كبيرة قبل أن يتقاسم معه جزء من السلطة.
نحب اليوسفي لأنه لم يبع ضميره في بورصة سياسية خاضعة للصعود والهبوط، ورفض أن يسير وفق مزاج عام يؤمن أن الوصول إلى السلطة مرادف لكسب مزيد من الامتيازات، فبقي يسكن في شقته الصغيرة متعففا زاهدا عن بذخ الحياة وشهوة السلطة.
نحب اليوسفي لأنه زعيم سياسي كبير لم يقايض النظام ولا دخل معه في صفقة بيع وشراء، وحين انزاحت المنهجية الديمقراطية عن سكتها ساح في الأرض باحثا عن “أرض الله الواسعة” دون أن يقول ينبس بأي شيء، كان يعرف بغريزة الإنسان المفطور على الصمت أن السياسة هي أن تعرف”متى تصمت ومتى تتكلم” كما قال تشرشل يوما.
نحب اليوسفي لأنه ظل ثابتا على مواقفه ولم يحمل يوما في أحشائه تناقضات الطبقة السياسية الحالية التي تهاجم الداخلية يوم الأحد وتتغزل بها يوم الإثنين، وفهم أن السياسة في المغرب أعقد بكثير مما قد يتصورها كثيرون ممن يتقنون البهرجة السياسية.
نحب اليوسفي لأنه لما أحس بالمرض، ذهب إلى المستشفى دون ضجيج، دون نحيب، دون أن يشحذ أحدا كما اعتاد الكثيرون أن يفعلوا بكثير من التظاهر، نحبه لأنه كان خادما حقيقيا للدولة لكنه لم ييمم وجه طريق زعير لشراء عقار “باذخ” بثمن بخس، لم يفعل ذلك إطلاقا. نحبه لأن كل رصيد اليوسفي بعد أن اعتزل السياسة كان كثيرا من عزة النفس وكثيرا من الاحترام.
نحب اليوسفي بكل بساطة لأنه مختلف تماما عن المألوف، وأسس لتجربة سياسية في عصور مختلفة واستطاع أن يحب المعارضة والنظام معا لكنه عرف كيف يتحرر منها أيضا..
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.