لماذا تمتنع حكومات شمال إفريقيا عن إعلان أمازيغية المنطقة؟
أزول بريس - لكبير الغازي
في التاريخ و في الجغرافيا، في الحضارة و في العلم ، في الثقافة و في القيم ، لا يوجد شيء يجعل المنتسب إلى الأمازيغية يخجل من هويته و ممن ينتسبون إليها، بالرغم من أن الأجيال الحالية لا مسؤولية لها في ما سنّه مَن عاش قبلهم.
ففي التاريخ، توجد في شمال افريقيا ( أدرار ئيغود في المغرب) بقايا (جمجمة وعظام) للإنسان البدائي العاقل “homo sapiens” التي غيّرت مفاهيم عدة حول تاريخ البشرية. وتم تحديد تاريخ هذه الأثريات بحوالي 300 ألف سنة، بواسطة التقنية الإشعاعية لتحديد العمر، واعتبرت نتائج الأبحاث الأركيولوجيا أنَّها أقدم بقايا لفصيلة الإنسان العاقل المكتشفة حتى اليوم. في الجغرافيا تنفتح المنطقة على البحر على ثلاث واجهات و تشتمل على غابات كثيفة و بحيرات عديدة و تتضمن صحاري شاسعة و جبال عالية الشيء الذي يجعل منها منطقة جيواسترتتيجية كبيرة الأهمية.
فما الذي يُخجِل الحكومات في الانتساب إلى الأمازيغ إذن؟
و قد ساهم الأمازيغ في بناء الحضارة الإنسانية بقسط وافر يجعلهم بين الأمم التي سجلت تاريخها بفخر واعتزار. ففي الجزائر مثلا تتوزع أهرامات كثيرة وفريدة من نوعها من حيث التصميم والهندسة والفترة الزمنية، حيث يصل عدد الأهرامات الجزائرية إلى مائة، موزعة على عدة محافظات من شمال البلاد إلى أقصى الجنوب، حيث تمتد من محافظة تيبازة الساحلية شمال الجزائر إلى محافظة تامنراست جنوبا، ومن باتنة شرقا، إلى محافظة تيارت غربا والتي تحتوي لوحدها على 13 هرما إلى جانب عدة مغارات وتسمى أهرامات لجدار.
في الثقافة و تداول السلطة و في تدبير الشأن المحلي و تسيير شؤون المجتمع فإن ما قام به الأمازيغ على سبيل المثال في مؤسسة أمغار و في المحافظة على البيئة و في المكانة التي تحتلها المرأة في المجتمع الأمازيغي و في احترام حرية الأفراد و الجماعات (غياب مؤسسة السجن) يجعل من الأمازيغية مهدا للقيم الإنسانية كما لاحظ ابن خلدون ذلك في قوله ما معناه، هذا بالنسبة للأمازيغ، مجموعة من الفضائل في أعلى المستويات . فضائل ورثوها عن آبائهم، لو تم تدوينها لكانت بمثابة نموذج للأمم الآتية.
ألا يشرف الانـتساب إلى الأمازيغ و هويتهم؟
في العلم و المعرفة، يكفي الأمازيغ فخرا ما قاله في حقهم المؤرخون الأجانب. لهيرودوت الإغريقي الملقب بأبي التاريخ قولة شهيرة تقول:” من ليبيا يأتي الجديد.” ليبيا لأنه في ذلك العصر كانت شمال افريقيا تسمى هكذا نسبة للشعب الذي يستوطنها. و يقول كابرييل كامبس: ” يتوفر الأمازيغ على كتابة تخصهم منذ فجر التاريخ. الكتابات القديمة يمكن إرجاعها إلى القرن السادس قبل الميلاد. حروف تيفناغ التي نقشها على الصخر الأمازيغ تنتشر في كل بقاع البلاد. كما أن التاريخ يذكر أن كثيرا من علماء الرياضيات و الفلك و الفلسفة الذين كان لفكرهم وقع كبير في هذه المجالات قد درسوا في جامعات بشمال افريقيا ( في ليبيا مثلا).
لا التاريخ و لا الجغرافيا و لا الأركيولوجيا ينفي أمازيغية شمال افريقيا أو على الأقل، يشك في هويته.
ما السبب إذن في رفض حكومات شمال افريقيا لأمازيغية هذه المنطقة يا ترى؟
لو تأملنا بعض ما قدمه الأمازيغ للبشرية عبر التاريخ ، لوجدنا أن محاولة الانتساب لغيرهم، خصوصا من طرف من يفترض فيهم الافتخار بأصلهم بحثا عن المجد و العظمة، لا يستقيم.
فجميع السياسات التي تم نهجها من أجل تحوير هوية الأمازيغ، كالتعريب مثلا، أو تزوير التاريخ أو الإبادة الجسدية المباشرة كما وقع في ليبيا في عهد الرئيس السابق أو ما يقع حاليا في منطقة القبائل من إحراق الغابات و المنازل لإضعاف الساكنة أو لتهجيرها و بالتالي إخضاعها و تراجع مقاومتها، كل هذه الإجراءات تستهدف الهوية الأمازيغية و تكشف على حقد حكومات شمال افريقيا على الأمازيغية و الأمازيغ.
فما السبب الكامن وراء هذا الحقد التاريخي و هذه العداوة الأبدية للأمازيغ؟
سؤال محير بالفعل. هل مجيئ العرب إلى المنطقة هو السبب؟ لكن الوافدين لم يأتوا بالجغرافيا بل وصلوا إليها، و بالتالي وجدوها قائمة فأقاموا فيها مع أهلها. إذن هذا ليس سببا لتغيير هوية أصيلة تاريخية.
مع دخول المستعمر الأروبي المغرب مثلا في بداية القرن العشرين، لم تكن نسبة المغاربة الذين يتكلمون العربية تتجاوز 5%، و قد يكون الأمر نفسه في الجزائر و في تونس و في ليبيا في وقت من الأوقات. كان الهدف من وراء نهج هذه السياسة هو خلق أغلبية مستعربة و أقلية أمازيغوفونية، لأن اللغة ، بالرغم من الدور الذي تلعبه في تكوين الشخصية ، لن تغير الأمازيغي إلى العربي، بل تحوله إلى مستعرب بالرغم من أن بعض مسلوبي الهوية يتحولون هوياتيا. لكن ما قد يفشل مثل هذا الإجراء هو صحوة المجتمع و وعيه بهويته.
عداء الحكومات للأمازيغية في الماضي له أسبابه المرفوضة على كل حال، مهما حاول أصحابها تبريرها. بينما الذي لا يمكن تبريره، بأي شكل من الأشكال، هو أن اللغة الأمازيغية أصبحت رسمية في شمال افريقيا، و أن معطيات تاريخية قد تمت إعادة النظر فيها رسميا، و لكن لماذا لا يتم الاعتراف بأمازيغية هذه البلدان؟
ما هي الأسباب التي تحول دون اتخاذ مثل هذا القرار؟
قرار لو تم الإقدام عليه لأصبح تاريخيا من جهة و فتح آفاقا رحبة أمام شعوب المنطقة برمتها للتنمية و التعاون المشترك و العيش الكريم من جهة أخرى.
الغازي لكبير
مكناس في 14 غشت 2021
التعليقات مغلقة.