«… إن بلادنا أظهرت قدرة حقيقية للتصدي لعنف هذه الأزمة في هذه المرحلة الأولى من الجائحة وأن بإمكاننا ربح تحدي بناء تحدي بناء نموذج تنموي جديد يستثمر النبوغ الوطني ويثمن الذكاء الجماعي لكافة مكونات مجتمعنا من أجل تقوية مناعتنا الاقتصادية والاجتماعية إذا نحن استطعنا وضع عقد اجتماعي جديد مبني على طموح وطني جديد يحدد معالم حلم مغربي جديد يقوي الثقة في المؤسسات …»
إدريس الكراوي
حسن السحاقي//
يشكل ملف المحروقات بالمغرب واجهة من واجهات الصراع بين إرادتين مختلفتين، إحداهما تجذب المغرب إلى الأمام ليلتحق بنادي الديمقراطية، وثانيتهما تشده إلى الوراء ليجتر إعاقاته التاريخية.
إن قصة التقارير “المزدوجة” سُنّة عندنا في المغرب خاصة المرتبطة بقطاع المحروقات، تقرير أول يتميز بجرأة النتائج، وتقرير ثان يخضع للتنظيف تحت الطلب، أو تحت ضغط داخلي أو خارجي !!!
وتتأكد هذ القصة بالرجوع إلى ملف المحروقات بالمغرب.
ففي سياق الارتفاع القياسي في أسعار المحروقات وتأثيره على القدرة الشرائية للمستهلك، وما أثير من شبهة وجود تواطؤات بين الموزعين لتحديد أسعار تضمن هامشا كبيرا للربح على حساب المستهلكين، تشكلت لجنة برلمانية للقيام بمهمة استطلاعية مؤقتة للوقوف على كيفية تحديد أسعار البيع للعموم، وحقيقة وشروط المنافسة بقطاع المحروقات بعد قرار تحرير أسعار المحروقات، الذي دخل حيز التنفيذ في الفاتح من دجنبر 2015، على أساس أن تقدم هذه اللجنة تقريرا في إطار مقتضيات المادة 108 من النظام الداخلي لمجلس النواب.
وقد صدر عن هذه اللجنة، بعد انتهاء التحقيق، تقرير أول مؤقت أشار بتفصيل إلى الأرباح غير المعقولة التي زادت عن 15 مليار درهم خلال سنتين بعد تحرير القطاع، بسبب عدم تطبيق شركات المحروقات سعر الاستهلاك المحلي الذي يتحدد بسعر النفط في السوق العالمي انخفاضا وارتفاعا، وعملت على رفع أسعار المحروقات عند ارتفاعها في السوق العالمي، وامتنعت عن تطبيق التخفيض عند انخفاض سعر برميل النفط. لكن في التقرير الثاني النهائي الذي قدم أمام البرلمان تم حذف الفقرات التي ترصد بتفصيل الأرباح الحقيقية لشركات المحروقات التي راكمتها بعد تحرير قطاع المحروقات ما بين 2015 و2016.
هذا السيناريو يتكرر مع مجلس المنافسة الذي يرأسه السيد إدريس الكراوي، والذي عينه الملك محمد السادس، وقد اعتبرت القوى الديمقراطية والوطنية هذا التعيين، رسالة سياسية قوية، تعكس إرادة التغيير في تدبير المنافسة الشريفة، باعتباره من الكفاءات الاقتصادية والاجتماعية النادرة بالمغرب، وباعتباره صاحب رصيد متميز من المؤلفات في المجال الاقتصادي والاجتماعي، وعضوا نشيطا في العديد من المؤسسات الأكاديمية الدولية، منها المجلس العالمي للعمل الاجتماعي، وأكاديمية العلوم بالبرتغال.
إضافة إلى أنه حاز على العديد من الأوسمة والجوائز الدولية، منها وسام الاستحقاق الثقافي بالبرتغال، ووسام المنظمة الدولية للزراعة والأغذية، ووسام الجمهورية الفرنسية للشرف، وجائزة اليونيسكو …
إن نفس السيناريو يتكرر مع مجلس المنافسة بإصداره لتقريرين بعد نهاية أشغال الجلسة العامة ليوم الأربعاء 22 يوليوز 2020، بحضور جميع أعضاء المجلس، وربما حضور مندوب الحكومة تطبيقا لمقتضيات المادة 13 من القانون رقم 20.13 المتعلق بمجلس المنافسة، والذي ربما يكون قد دوّن ملاحظاته على أطوار الجلسة.
صدر القرار الأول يوم 23 يوليوز 2020، والقاضي بفرض غرامة مالية ” 9 في المائة من رقم المعاملات السنوي المحقق بالمغرب ” في حق الموزعين الثلاثة الرائدين، وبمبلغ أقل بالنسبة لباقي الشركات. وقد وافق على هذا القرار 12 عضوا وعارضه عضو واحد.
ويلاحظ أن القرار لم يشر إلى الفاعلين الثلاثة الكبار بالاسم، ويبدو أن هذا القرار الأول تحفظ في تسمية الأشياء بأسمائها وترك الأمر للتخمين في اكتشافهم، مع العلم أن مجلس المنافسة هيئة رقابية ودوره مراقبة الممارسات المنافية للمنافسة في الأسواق، ومراقبة الممارسات التجارية غير المشروعة وعمليات التركيز الاقتصادي والاحتكار في إطار من الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية (الفصل 166 من الدستور). وبالتالي فالعقوبة التي حددها من المفترض أن يُعْرف من هم المعنيون بها. فلماذا يتحفظ في الإشارة إلى الشركات بالاسم؟
وفي يوم الثلاثاء 28 يوليوز 2020 أي بعد خمسة أيام، يصدر قرار جديد عن المجلس في نفس الموضوع وقد خضع للتعديل الذي طال قيمة الغرامة المفروضة بتخفيضها من 9 إلى 8 في المائة من رقم المعاملات السنوي دون تمييز بين الشركات، كما طال التعديل حذف توزيع الأصوات.
إن صدور القرار الثاني في صيغته المعدلة يطرح التساؤلات التالية:
– هل القرار الثاني جاء تحت الضغط على السيد إدريس الكراوي رئيس المجلس لتلطيف الصيغة؟
– وما مصدر هذا الضغط؟
وأعتقد أن السيد إدريس الكراوي المعروف بنزاهته ووطنيته ما كان عليه قبول تعديل القرار، لأن التعديل كان مطية لرفع الشكاية. ربما الاستقالة كانت الموقف الإيجابي على الخضوع للضغط.
ومن الغريب أن يُتَّهَمَ بتنفيذه لتعليمات خارج المجلس، وخدمته لأجندة شخصية من خلال شكاية العديد من أعضاء المجلس (بلاغ الديوان الملكي).
ومما جاء في الشكاية ويدعو إلى السخرية، الادعاءات التالية:
– إن الرئيس فرض على أعضاء المجلس التصويت قبل إغلاق باب المناقشة. وهل يمكن تصديق هذا الادعاء، ومن بين أعضاء المجلس رجال قانون (قاضيان، وعضوان من ذوي الاختصاصات في المجال القانوني، بينهم ثلاثة نواب للرئيس)؟ !!!
لقد سمح المشرع من خلال المادة 25 من الباب الرابع من القانون الداخلي للمجلس بتمديد الجلسة على عدد من الاجتماعات، من أجل دراسة القضية المطروحة بدون ضغط الوقت، ولا يتم اللجوء إلى التصويت إلا بعد استنفاذ المناقشة لكل جوانب القضية، بناء على كل الوثائق المتعلقة بها والتي تم الاتفاق عليها.
– الادعاء بغموض الإجراء الخاص بالتحقيق، والذي تميز بتقاسم انتقائي للوثائق:
بناء على المادة 56 من الباب السادس من القانون الداخلي للمجلس، فقد سبق الجلسة العامة إعداد تشاوري بين الرئيس، ونواب الرئيس، والأعضاء المستشارين للمجلس، لمشروع قرار الغرامة المالية ضد شركات المحروقات، بناء على التحقيق في ملف المحروقات من لدن المقررين بتنسيق من المقرر العام طبقا للمادة 41 من الباب الخامس، بمعنى أن الجلسة العامة تحصيل حاصل للمشاورات والنقاشات، ويبقى على الأعضاء التدقيق فقط في القرار الملائم ثم التصويت عليه.
وتجدر الإشارة إلى أن مشروع القرار أعلنت عنه الصحافة قبل المصادقة عليه في الجلسة العامة، التي انعقدت يوم 22/07/2020. فقد نشر موقع دوزيم قبل الجلسة بشهر تقريبا يوم 29/06/2020، مقالا بعنوان”سوق المحروقات: مجلس المنافسة يرصد ممارسات احتكارية ويقترح غرامات ثقيلة على المتورطين” (سوق-المحروقات-مجلس-المنافسة-يرصد-ممارسات-احتكارية-ويقترح-غرامات-ثقيلة-على-المتورطين29-06-2020/ https://2m.ma/ar/news)، تعرض إلى كل ما تداوله المجلس تبعاً لما انتهى إليه محققو المجلس، وإلى مشروع القرار القاضي بفرض عقوبات مالية في حدود 10 بالمئة من رقم مبيعات الشركات المتورطة في ممارسات منافية للمنافسة.
تأسيسا على ما سبق، فإن كل هذه المناورات كانت تهدف إلى ذرائع ومبررات إبطال قرار مجلس المنافسة.
فهل ستتمكن اللجنة المختصة التي عينها الملك محمد السادس للنظر في هذه القضية، بإعادة الاعتبار إلى استقلالية مجلس المنافسة ووضع حد لنفوذ لوبي المحروقات حتى يمارس دوره الرقابي الحقيقي الذي من أجله تم تكوينه.
وهل ستتحرك الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني التي تركت السيد الإدريسي معزولا مفضلة الصمت وكأنها راضية عما يجري، وبالتالي فهي عمليا تصطف إلى جانب لوبي المحروقات المناوئ للتغيير والرافض لأية رقابة.
نتمنى ألا يبقى حلم السيد إدريس الكراوي معلقا، وحلم المغاربة في بناء نموذج تنموي جديد يستثمر النبوغ الوطني ويثمن الذكاء الجماعي لكافة مكونات مجتمعنا من أجل تقوية مناعتنا الاقتصادية والاجتماعية، وحلم وضع عقد اجتماعي جديد مبني على طموح وطني جديد يقوي الثقة في المؤسسات.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.