أسماء علالي//
بعد أن أمضينا فصل الربيع بأكمله تحت نظام الحجر الصحي , نقبع في البيوت ، نأكل في البيوت , نستمتع في البيوت ، نرتاح في البيوت ..و ننام في البيوت ، هناك من مرت عليه اشهر الحجر الصحي كفترة من الراحة البيولوجية بين من حاول الاقلاع عن التدخين و بين من وجد متعة في احتساء قهوته بالبيت .. و بين من اضطر الى مواجهة الادمان ..
و الادمان انواع .. ادمان على الزنا و ادمان على المخدرات و ادمان على الخمر .. و ادمانات اخرى من انواع اخرى .. و لكل في ذلك شأن يغنيه ..
الحديث هنا ليس بدافع الاستهزاء او اصدار الاحكام على المدمنين ، فانا اعتبرهم ضحايا اكثر من كونهم منحرفين و المقاربة الامنية تجاههم تستوجب التأطير و المساعدة اكثر من مما تستوجب العقاب و الزجر ..
الحديث هنا عن اقتصاد الليل ، و تجارات الليل التي تنتشر فيها اساليب الادمان و تسقط كل يوم العديد من الضحايا الجدد في براثين الادمان و الانحراف .. بين مقاهي الشيشا و اوكار الدعارة و حانات الخمر والكازينوهات .. ضاعت العديد من الطاقات و تشردت الكثير من العائلات و اهدرت الكثير من الثروات .. تاركة من بعدها مشاهد الخراب و التعاسة و الندامة !!
واحدة من مزايا الحجر الصحي انه وضع حدا لتجارات الليل ، و ارتاح المجتمع من انتشار الموبقات .. و اصبح البيت هو الملهى و اصبحت العائلة هي الجليس و الونيس .. و هذا هو النمط السليم لنظام مجتمع سليم !!
انا لست ضد الحريات الفردية و لا ادعو للثقافة الظلامية كما يسمونها , فانا اكثر من يدعو الى حرية الافراد في اختيار نمط الحياة الشخصي ما دام يدخل في اطار الممارسة الشخصية و ليست الممارسة الاجتماعية .. و انا من اكثر من يدعو الى اعادة النظر في القوانين التي تجرم الحريات الشخصية ما دامت في الاطار الخاص و الخصوصي .. و انا اكثر من يؤمن ان المحاسبة على الفضيلة او الرذيلة من اختصاص الله عز و جل و ان القانون اداة لتنظيم المجتمع في علاقات الاشخاص بعضهم ببعض ..
و لكنني استغرب من المقاربة الازدواحية في التعامل مع اقتصاد الليل و تجارات الظلام , حيث ترخص الحانات و الكازيناهات و المراقص و تنتشر بها تجارة الجنس و الخمر و القمار و المخدرات الى ساعات متأخرة من الليل , ثم نزج الى السجن ببعض الضحايا الذين تثبت في حقهم تهم السكر العلني او الاجهاض .. فكيف نفسر مبدأ الكيل بمكيالين ، و كيف نستبيح تجريم النتائج و نحن لا نستبيح تجريم الاسباب ؟!
اعي ان النقاش في هذا الموضوع ، هو نقاش حرج جدا .. و ان الخط الفاصل بين مجتمع الحريات الفردية من جهة و اللتي تستوجب ان يضمن القانون و المجتمع جميع اشكال الحريات الفردية و حتى تلك اللتي هي الاكثر شذوذا كما هو الحال في المجتمعات المتحررة تماما و التي تستدعي بالاساس ان يكون الفرد و ان يكون المحتمع ايضا على مستوى وعي كافي ليدرك الخط الفاصل بين حقوق الفرد و حقوق المجتمع .. و المجتمع المحافظ الذي يدعو الى مجتمع الفضيلة ..
و الخط الفاصل بين مجتمع الفضيلة الذي يطمح اليه الحس المجتمعي بأكمله من جهة ، و مجتمع الواقع الذي يفرض نفسه بكل تناقضاته من جهة اخرى .. هو بالذات ما يمثله اقتصاد الليل و تجاراته المتعددة .. فاي مقاربة وجب ان نتخذ تجاه ما اسميه مجتمع الليل و اقتصاد الليل ؟؟
هل نميل الى اختيار مجتمع الحريات ، و نعتبر تواجد الادمان و الزنا و القمار و ما جاورهما ..من الظواهر الطبيعية المصاحبة لهذا الاختيار .. و نشرع الاجهاض و نشرع الادمان و نبني لنشريع هذا النمط المجتمعي بشكل واضح و صريح ..
ام نميل الى مجتمع الفضيلة ، و نعتبر ان مجتمع الليل و اقتصاد الليل من دعائم انتشار الفساد و الموبقات .. و نحارب اقتصاد الليل و تجارة الليل و ما جاورهما جملة و تفصيلا ..
ام نميل الى الاعتدال الذي يفرضه التعامل مع واقع قائم .. و نرخص لاقتصاد الليل و لكننا نحيطه بالشروط اللتي “تحاول” ان تحد من نتائجه .. كتقنين اوقات الافتتاح و الاغلاق في حدود 12 ليلا كما هو الحال في الدول المتحررة .. و حماية الاطفال و القاصرين عبر منع ولوج الاشخاص دون سن الرشد .. و توفير المراكز الكافية لاحتواء ضحايا اقتصاد الليل و لا اتحدث فقط عن مراكز معالجة الادمان بل ايضا مراكز استقبال النساء ضحايا العنف و مراكز استقبال الامهات العازبات و مراكز استقبال الاطفال المتخلى عنهم .. و اللائحة طويلة ..
هذا النقاش نقاش شخصي و مجتمعي و مؤسساتي .. و لكل منا رأيه الخاص في الموضوع و الحق في الرأي حق مشروع و مقدس .. في ذلكم الحين , يقول كورونا رأيه في الموضوع و يحكم بتوقف اقتصاد الليل و تجارات الليل ..
دمتم بالف خير ..
اسماء علالي ، 08 يونيو 2020
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.