فيروس التعريب
مفهوما التعريب والفيروس:
حتى نفهم جيدا استدلالات ومضامين هذه المناقشة، نوضّح أن مفهوم “التعريب” يُستعمل ـ في هذه المناقشة ـ بمعناه الحقيقي، الذي يفيد إضفاء الطابع العربي على ما ليس عربيا في الأصل، وتحويل من ليس عربيا إلى عربي. وهو معنى لا علاقة له بالمعنى الكاذب والشائع الذي يربط التعريب بنشر واستعمال اللغة العربية. ولهذا نجد أن التعريب الحقيقي، الذي حوّل المغرب من بلد أمازيغي إفريقي إلى بلد شبه عربي، هو تعريب قامت به الحماية الفرنسية وباللغة الفرنسية وليس باللغة العربية (انظر موضوع “التعريب نجح أولا بالفرنسية قبل العربية” على رابط “تاويزا”: http://tawiza.byethost10.com/1tawiza-articles/arabe/taaarib.htm). كما نجد اليوم جلّ التعريبيين المدافعين عن الانتماء العربي للمغرب ـ ولشمال إفريقيا ـ لا يتقنون العربية ولا يريدون أن يتقنها أبناؤهم، لكنهم يستميتون في الدفاع عن عروبة المغرب. ونجد بجانبهم كذلك كل ملايين الأميين من المغاربة الذين لا يعرفون حرفا من العربية، لكنهم قد يهاجمونك إذا قلت لهم بأنهم ليسوا عربا. وهذا يبيّن أن التعريب لا علاقة له بتعريب اللسان وإنما المقصود منه تعريب الإنسان. ولهذا فهو يتخذ شكل تحويل جنسي للمغاربة من جنسهم الأمازيغي إلى الجنس العربي.
أما مصطلح “فيروس” فسيُستعمل هو كذلك، في هذه المناقشة لموضوع التعريب، بمعناه البيولوجي الحقيقي، الذي تحدّده مواصفات وخصائص الفيروسات. ما هي هذه المواصفات والخصائص؟
لقد اكتشف وأثبت العلم أن الفيروس هو من الكائنات العضويةOrganismes الأصغر. فهو صغير جدا إلى درجة لا يتوفر معها على العناصر الضرورية للتكاثر (التناسل والتوالد والانقسام)، الحاضرة مثلا في الباكتيريات وخلايا الأجسام. هذا الغياب لجهاز التكاثر عند الفيروسات، كان سيؤدي منطقيا إلى استحالة انتشارها ونقلها للأمراض الخطيرة على صحة وحياة الإنسان. لكن المعروف أن هذه الفيروسات لا تزال تفتك بصحة الإنسان لما تتوفر عليه من قدرة على الانتشار ونقل الامراض. الشيء الذي يدلّ على أنها تتكاثر بسرعة مذهلة. فكيف تنجح في التكاثر وهي لا تتوفر على الجهاز الضروري لهذا التكاثر، كما أشرت؟
إنها تتكاثر باحتلالها لخلايا أجنبية عنها (خلايا جسم الإنسان مثلا)، ثم استعمالها للجهاز الخاص بالتكاثر لدى هذه الخلايا لحسابها الخاص، أي استعماله للتكاثر هي نفسها، محوّلة وظيفته التكاثرية الأصلية في هذه الخلايا إلى وظيفة فرعية لتكاثر هذه الفيروسات. النتيجة أن الخلية، التي سكنها الفيروس، تصبح هي نفسها معملا لإنتاج وتوالد الفيروسات بأعداد هائلة. الشيء الذي يمكّن هذه الفيروسات من التكاثر السريع والانتشار الواسع بمختلف الخلايا الأخرى، وهو ما يعجّل بإضعاف مناعتها ثم إتلافها وهلاكها، مع ما يؤدي إليه ذلك من هلاك الجسم (جسم الإنسان مثلا) الذي يتكوّن من هذه الخلايا. هكذا تصبح الخلية، التي “استضافت” الفيروس، منتجة للأمراض التي قد تقتلها وتقضي عليها.
علاقة التعريب بالفيروس:
ما علاقة التعريب، الذي هو ظاهرة بشرية وتاريخية وثقافية وهوياتية واجتماعية، بالفيروس الذي هو ظاهرة عضوية وبيولوجية؟
العلاقة هي أن انتشار التعريب اعتمد على نفس الآليات التي يستعملها الفيروس العضوي للانتشار والتكاثر، وأفضى إلى نفس النتائج التي هي إضعاف مناعة الخلايا وتسهيل الفتك بها وقتلها. لنشرح هذه العلاقة بتفصيل أكثر.
الاعتقاد أن استيطان العرب للبلاد الأمازيغية بشمال إفريقيا كان وراء انتشار الهوية العربية لتصبح بذلك هذه البلاد مغربا عربيا، هو اعتقاد خاطئ. لماذا؟ لأن الاستيطان العربي المفترض للبلاد الأمازيغية ليس سببا لتعريبها، بل هو نتيجة لهذا التعريب. فمع التحوّل الجنسي لأعداد من الأمازيغيين الذين تنكّروا لجنسهم الأمازيغي واختاروا، لأسباب دينية وسياسية، انتحال الانتماء إلى الجنس العربي، كان لا بد أن يبرروا نسبهم “العربي”، الجديد والزائف، بفكرة أنهم حفدة العرب الذين استوطنوا شمال إفريقيا في القرون الماضية. فالأمازيغيون، وليس العرب، هم الذين زرعوا ورسّخوا فكرة العروبة العرقية بالمغرب. وقد انتشرت هذه الفكرة لديهم مثلما ينتشر الفيروس بجسم الإنسان. وهذه هي عناصر التماثل بين انتشار الفيروس وانتشار فكرة العروبة العرقية بالمغرب خاصة، وشمال إفريقيا عامة.
ـ فكما أن الفيروس ينقل محتواه العضوي إلى الخلية الواحدة ثم يستعملها لتدمير نفسها بنفسها، فكذلك التعريب، أي التحوّل الجنسي القومي والهوياتي، بدأ بنقل فكرة العروبة العرقية إلى الإنسان الأمازيغي الفرد ثم استعمله ـ بعد خداعه وإيهامه أن هذه العروبة العرقية ضرورية لصحة إسلامه ونيل رضا الله وضمان الجنة التي لن يُتحدّث فيها إلا بالعربية كلغة لهذه الجنة ـ لتدمير أمازيغيته بنفسه، وذلك عندما صنع هذا الأمازيغي لنفسه وبنفسه لغة “عربية” خاصة به ـ وهي الدارجة ـ ليُقنع نفسه وغيره أنه عربي، فتخلّى عن جنسه الأمازيغي وهجره، وادّعي الانتساب إلى الجنس العربي وتبنّى، لأسباب دينية وسياسية كما ذكرت، العروبة المنتَحلة بديلا عن هويته الأمازيغية.
ـ لكن ما يدمّر الخلايا المكوّنة للجسم الذي يغزوه الفيروس، ليس هو هذا الفيروس، في حدّ ذاته، الدخيل والأجنبي على الجسم، بل هو ما تقوم به خلايا هذا الجسم من إنتاج وإعادة إنتاج نفس الفيروس بأعداد كثيرة، وبشكل متواصل ومتجدد. ولهذا فإن خطورة الفيروس لا تقف عند استعماله للخلية الواحدة لتدمير نفسها، وإنما الأخطر فيه أنه يجعل هذه الخلية الواحدة “تُنجب” أعدادا أخرى من نفس الفيروس، تستوطن الخلايا السليمة الأخرى، لتحوّل كل واحدة منها بدورها إلى مشتل لاستنبات مزيد من الفيروسات، إلى أن تصبح المادة العضوية (جسم الإنسان مثلا)، التي تضمّ تلك الخلايا، مستوطنة من الفيروسات تؤدّي في النهاية إلى التدمير الكامل لتلك المادة العضوية.
كذلك فإن ما يدمّر الشعور بالانتماء الأمازيغي لدى المغاربة، وسكان شمال إفريقيا عامة، ليس هو فكرة العروبة العرقية في حدّ ذاتها، الدخيلة والأجنبية عن الشعب الأمازيغي، والتي اعتنقها هذا الأمازيغي الفرد أو ذاك، بل هو ما يقوم به هذا الأمازيغي نفسه من إنتاج وإعادة إنتاج نفس العروبة العرقية، وبشكل متواصل ومتجدد يجعلها تنتشر بشكل واسع ومتنامٍ لدى أعداد متزايدة من الأمازيغيين. فخطورة التعريب لا تقف إذن عند استعماله للإنسان الأمازيغي الواحد ليتنكّر للغته الأمازيغية ويستعمل بدلها لغة أنتجها هو بنفسه باستعمال كلمات عربية بتراكيب ومعاني لغته الأمازيغية، لكن ينسب هذه اللغة إلى العرب ليثبت أنه ينتمي إلى جنسهم العربي متخلّيا بذلك عن جنسه الأمازيغي. خطورة التعريب لا تقف إذن عند تدمير لغة وهوية هذا الأمازيغي هو وحده كفرد وكفى. وإنما الأخطر في هذا التعريب الذاتي أنه يجعل هذا الأمازيغي الفرد يعمل، باستخدام نفس الأداة التي عرّب بها نفسه وحوّل جنسه، وهي تلك اللغة الدارجة التي صنعها لهذه الغاية، على تعريب ـ أي تحويلهم الجنسي ـ جميع الأمازيغيين الذين تربطه بهم علاقة ما كالأصدقاء والجيران وزملاء العمل…، أو الذين هم تحت إِمرته أو سلطته أو نفوذه، كأفراد عائلته إن كان ربَّها، وأبناء قبيلته إن كان رئيسها، ومحكوميه إن كان حاكما، ومريديه إن كان شيخا، وأنصاره إن كان زعيما، وتلامذته إن كان مدرِّسا، ومأموميه إن كان إماما، وأتباعه إن كان مفكرا وفيلسوفا… فمخاطبتهم بتلك اللغة التي صنعها قصدا لتعريب نفسه، سيضطرهم، بطريقة أو أخرى، نظرا لنسبه “العربي” ولغته “العربية” ومكانته ونفوذه بسبب ذلك النسب وتلك اللغة، وعاجلا أو آجلا، إلى أن يتعلّموا ويستعملوا، للتواصل معه، لغته الدارجة التي ـ للتذكير ـ أبدعها هو ليُقنع نفسه أنه عربي وليس أمازيغيا. وبتعلّمهم واستعمالهم لهذه اللغة، سيقتنعون هم كذلك أنهم عرب وليسوا أمازيغيين. وبذلك يتحقق تحوّلهم الجنسي من الجنس الأمازيغي إلى الجنس العربي. وهؤلاء المتحوّلون الجنسيون الجدد، أي المعرّبون الجدد الذين تحوّلوا جنسيا (قوميا وهوياتيا) إلى عرب عبر اللغة الدارجة التي صنعها من سبقهم من الأمازيغيين من أجل نفس الغاية، التي هي هذا التحوّل من الجنس الأمازيغي إلى الجنس العربي، (هؤلاء) سيعملون بدورهم على تعريب الأمازيغيين الآخرين الأسوياء ـ أي الذين حافظوا على جنسهم الأمازيغي الطبيعي ولم يغيروه بالجنس العربي ـ، الذين تربطهم بهم علاقة تفرض عليهم التواصل معهم، أو هم تحت إِمرتهم أو سلطتهم أو نفوذهم، مستنسخين مع هؤلاء الأمازيغيين الأسوياء نفس العملية التي أدت إلى تعريبهم هم أنفسهم، وتحوّلهم من جنسهم الأمازيغي الطبيعي إلى الجنس العربي المنتَحل. وهكذا يصبح كل أمازيغي وقع ضحية لهذه العملية من التعريب، أي التحول الجنسي، مكرّرا لها ومعيدا لإنتاجها، ومشاركا فاعلا في التحويل الجنسي لمزيد من الأمازيغيين الأسوياء. وهو ما قد يؤدي في النهاية، كما يحدث للجسم الذي يحوّل الفيروس خلاياه السليمة إلى خلايا مريضة ومصابة، إلى إصابة أكبر عدد من الأمازيغيين الأسوياء، أي السالمين من فيروس العروبة العرقية، بهذا الفيروس الفتّاك بلغتهم وهويتهم، والذي سيواصلون زرعه ونشر عدواه لدى مزيد من الأمازيغيين الأسوياء.
التعريب إنجاز أمازيغي:
هكذا تعرّب، قبل 1912، من تعرّب من الأمازيغيين وتخلّى عن جنسه الأمازيغي وانتحل الانتساب إلى الجنس العربي، بواسطة انتشار عدوى العروبة العرقية بنفس الطريقة التي ينتشر بها الفيروس الذي يغزو كل الجسم الحي (جسم الإنسان مثلا) عبر إعادة إنتاجه واستنباته وزرعه من طرف خلايا نفس الجسم. وما يهمنا، في هذه العملية لانتشار فيروس العروبة العرقية لدى الأمازيغيين، هو أنهم هم الذين نشروا هذا الفيروس وزرعوه واستنبتوه لتدمير هويتهم الأمازيغية والتحوّل من جنسهم الأمازيغي إلى الجنس العربي، مثلما تدمّر، كما سبق أن شرحنا، الخلية الواحدة المصابة بالفيروس الخلايا الأخرى السليمة، وذلك باستنساخ ذلك الفيروس ونشره إلى باقي الجسم. النتيجة أن العرب لم يسبق لهم أن قاموا بتعريب الأمازيغيين، ولا سبق لهم أن توفروا يوما ما على الإمكانات والشروط الديموغرافية والبشرية والسياسية للقيام بذلك. فكما أن الفيروس ليس هو السبب الوحيد لتدمير الجسم الحي، وإنما خلاياه التي تنتج هذا الفيروس بإعداد هائلة يعجز معها هذا الجسم عن مقاومتها وصدّها، فكذلك ليست فكرة العروبة العرقية، التي وصلت إلى بلاد الأمازيغ متنكّرة في لباس الإسلام، هي السبب المباشر لتعريبهم، ولا حتى تبنّي البعض منهم لهذه العروبة العرقية كان سببا لذلك التعريب، وإنما السبب المباشر هو استنبات الأمازيغ أنفسهم لتلك العروبة العرقية، وزرعها لتنتشر في ما بينهم كما تنتشر العدوى. فبدون هذا الاستنبات والزرع لكان مصير العروبة بالمغرب مثل مصير الهوية الفينيقية والرومانية والوندالية والفرنسية والإسبانية…، التي لم يكن لها أدنى تأثير على الهوية الأمازيغية لشعوب شمال إفريقيا رغم تأثيرها الثقافي واللغوي والديني عليهم. فإذا كانت هذه الهويات لم تنجح في التحويل الجنسي للأمازيغيين، كما نجحت في ذلك العروبة العرقية، فلأن الأمازيغيين لم يستنسخوا ولم يزرعوا ولم يستنبتوا تلك الهويات كما فعلوا مع العروبة العرقية لأسباب دينية وسياسية.
من الفيروس الفردي إلى الفيروس الجماعي:
رغم أن هذا الاستنساخ للعروبة العرقية من طرف الأمازيغيين استمر طيلة ثلاثة عشر قرنا، أي منذ اعتناقهم للإسلام ـ والذي هو في الحقيقة اعتناق للعروبة العرقية ـ إلى بداية القرن العشرين، وبالضبط إلى 1912، إلا أن انتشار هذه العروبة العرقية بقي محدودا وفرديا، ولم يمسّ الهوية الجماعية للشعب المغربي التي بقيت أمازيغية. ولهذا لم تتعدّ نسبة المتحولين جنسيا (قوميا وهوياتيا) في نهاية القرن التاسع عشر، حسب الكتابات الاستكشافية الفرنسية (مثل كتابات “مولييراس” و”فوكو”)، أو التقارير الكولونيالية مع بداية الحماية الفرنسية، خمسة عشر في المائة. وهي نسبة المتحدثين بالدارجة الذين يعتقدون، تبعا لمنطق تحّولهم الجنسي، أنهم ذوو أصول عربية. لكن هذه النسبة ستعرف ارتفاعا سريعا ابتداء من احتلال فرنسا للمغرب، ثم ستستمر في الارتفاع بعد الاستقلال حتى بلغ أو تجاوز عدد المتحوّلين جنسيا ـ من جنسهم الأمازيغي إلى الجنس العربي ـ نصف سكان المغرب. كيف نفسّر هذا النمو المطرد لثقافة التحوّل الجنسي منذ بداية القرن الماضي إلى اليوم؟
إذا كان انتشار فيروس عدوى التعريب ظل بطيئا ولم ينجح، قبل القرن العشرين، في تحويل الهوية الجماعية للمغاربة إلى هوية جماعية عربية، وتحويل المغرب من بلد أمازيغي إلى بلد عربي ، فذلك لأن نمط انتقال فيروس التعريب، أي التحوّل الجنسي، ظل انتقالا فرديا، حيث ينتقل الفيروس من الفرد المصاب إلى الفرد السليم ليصيبه وينقل إليه عدوى التعريب. وبالنظر إلى هذا النمط الفردي لانتقال عدوى التعريب، فإن إصابة نصف المغاربة بهذه العدوى، يتطلب وقتا أطول قد يُقدّر بعشرات القرون. لكن مع الاستعمار الفرنسي للمغرب في 1912، تحوّل انتقال فيروس التعريب من النمط الفردي إلى نمط جماعي، يستطيع نشر العدوى إلى أكبر عدد من المغاربة في أقل مدة من الزمن قد لا تتعدّى سنوات بدل عشرات القرون، كما سبقت الإشارة.
ذلك لأن مصدر انتشار عدوى التعريب لم يعد، بعد 1912، هو الإنسان الأمازيغي الفرد، الذي ينقل فيروس التعريب إلى فرد أمازيغي آخر، بل غدا هذا المصدر، لانتشار فيروس التعريب، هو الدولة العربية الجديدة التي أنشأها “ليوطي”، والتي أصبحت تنقل فيروسها العربي، ليس إلى المغربي الواحد، بل إلى جميع المغاربة التابعين لهذه الدولة العربية ذات الصنع الفرنسي. أما بعد الاستقلال، أي بعد 1956، فلم تكتف الدولة بالنشر الجماعي لفيروسها العربي، بل قامت، من أجل تسريع وتيرة انتشار عدوى العروبة العرقية، بإنشاء مختبرات لإنتاج هذا الفيروس بكميات كبيرة وفي وقت وجيز، بهدف حقن المغاربة بهذا السمّ الفتاك بهويتهم الأمازيغية. وإذا كانت جميع مؤسسات الدولة قد أضحت شبه مختبرات لإنتاج فيروس التعريب، كالإدارة والبرلمان والمحكمة والتلفزة والإذاعة والمسجد والمراكز الثقافية للفن والسنيما…، إلا أن المدرسة أصبحت أهم هذه المختبرات بعد أن تحوّلت إلى معمل للإنتاج الصناعي لفيروس التعريب الذي يُحقن به التلاميذ المغاربة، قصد التحويل الجنسي، وفي أقصر وقت ممكن، لجميع المغاربة إلى الجنس العربي.
إذا كان النمط الفردي البطيء، قبل 1912، لانتشار فيروس التعريب من مغربي إلى آخر يشبه انتقال الفيروس البيولوجي من شخص إلى آخر، عبر الملامسة والاتصال المادي بين الشخصين، فإن نمط انتشاره السريع الجماعي، وخصوصا باستعمال المدرسة لهذه الغاية، يشبه تلويث عين ماء جماعية يشرب منها كل السكان بمنطقة ما، وهو ما يؤدي إلى إصابتهم جميعا بداء ذلك الفيروس البيولوجي، ودون حاجة إلى أن يلتقي أحدهم الآخر لينقل إليه الفيروس عبر الملامسة والاتصال. لنتصوّر الآن أن هذه العين الجماعية هي عين وطنية يشرب منها جميع المغاربة، وتتجلّى في الدولة ومؤسساتها، وعلى رأسها المدرسة كما أشرنا. وإذا كانت هذه العين ملوّثة بفيروس التعريب، فالنتيجة أن كل من يشرب من مائها سيصاب بذلك الفيروس. وبما أن جميع المغاربة مضطرون للتعامل مع الدولة ومؤسساتها، ومضطرون على الخصوص لتعليم أبنائهم في مدارسها وجامعاتها الملوّثة بفيروس التعريب، فالخلاصة أن السؤال الذي يجب أن يُطرح بخصوص تعريب المغاربة ليس هو: لماذا يعادي المغاربة جنسهم الأمازيغي الأصلي ويختارون الانتساب إلى الجنس العربي المنتحَل؟ وإنما هو: لماذا لا زال هناك مغاربة أسوياء، أي غير متحولين جنسيا، أي مغاربة يعتزون بأمازيغيتهم ويفتخرون بالانتماء إليها؟
اللقاح المضاد للتحوّل الجنسي:
وكما أن اللقاح ضد الفيروس العضوي يُصنع من هذا الفيروس نفسه، فكذلك اللقاح ضد فيروس العروبة العرقية لن يكون ناجعا وفعّالا إلا إذا صُنع من نفس المادة الأصلية الأولى التي بها ينتشر هذا الفيروس، والتي هي اللغة الدارجة. فعندما يعي المغربي أن دارجته، التي بها يدمّر أمازيغيته ويعتبر نفسه عربيا، هي الدليل على انتمائه الأمازيغي لأنها من صنع الأمازيغيين أنفسهم، مثل الفيروس الذي تصنعه الخلايا ذاتها لتدمّر نفسها بنفسها، فسيكون ذلك لقاحا مضادا لفيروس العروبة العرقية، لأن سلاحها الذي تدمّر به الأمازيغية وتنشر التحوّل الجنسي، سيُستعمل لتدميرها هي (فقط هنا في شمال إفريقيا الأمازيغية ولس في موطنها الأصلي ببلدان الخليج) وحماية الأمازيغية من فيروسها.
هناك اليوم قرائن كثيرة على أن حملة التقيح ضد هذا الفيروس قد انطلقت مع بداية القرن الحالي ببداية الاعتناء بالأمازيغية والاعتراف الدستوري بها كهوية للمغرب وكلغة رسمية. وهو ما كان قبل أربعة عقود أمرا لا يمكن تصوّره ولا التفكير فيه ولا حتى مجرد تمنّيه كتعبير عن الرغبة فيه. وإذا كان استرجاع الدارجة كمظهر للهوية الأمازيغية لقاحا فعّالا ضروريا لوقف عدوى التحوّل الجنسي على المستوى الفردي، فإن الاسترجاع الجماعي للأمازيغية لا بد أن يمر عبر اعتراف الدولة بأمازيغيتها كدولة أمازيغية في هويتها باعتبارها تنتمي إلى شمال إفريقيا. وهو ما سيسمح باستعمال مؤسساتها الجماعية، وخصوصا المدرسة العمومية، لإنتاج اللقاح المضاد لفيروس العروبة العرقية على نطاق واسع، مثلما كانت تنتجه لنشر هذا الفيروس، كما سبق بيان ذلك.
وعندما يسترجع المغرب هويته الأمازيغية كاملة، كبلد أمازيغي وكدولة أمازيغية في هويتها، آنذاك مرحبا باللغة العربية، كلغة تستعملها دولة أمازيغية مثلما تستعمل عدة دول لغات وافدة لأسباب تاريخية ودينية وعلمية وثقافية، دون أن يجعل ذلك الاستعمال تلك الدول تابعة في هوياتها لهويات الشعوب التي تنتمي إليها تلك اللغات.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.