الحسين بويعقوبي//
حلت سنة 2017 الذكرى المائة لميلاد الباحث الأنثروبولوجي الأمازيغي مولود معمري المنحدر من منطقة القبائل بالجزائر والمتوفى سنة 1989 اثر حادثة سير بمنطقة عين الدفلة بعد عودته برا للجزائر من ندوة بوجدة. وبهذه المناسبة تم تنظيم لقاء علمي كبير بجامعة السوربون بباريس يوم 30 أكتوبر 2017 من تنسيق الباحثة تاسعديت ياسين ومشاركة باحثين أكاديميين من فرنسا والجزائر و المغرب وتونس والنيجر ضمنهم بنجامان ستورا و أحمد بوكوس وبيير فيرميرين ومنصور راقي وآخرون.
سياق ميلاد مولود معمري (1917).
ولد مولود معمري يوم 28 دجنبر 1917 بتاوريرت ن ميمون بمنطقة القبائل بالجزائر في سياق اتسم بتمكن الاستعمار الفرنسي من بسط سيطرته على الجزائر خاصة بعد قمعه لثورة 1871 المعروفة. ازداد مولود في عائلة أمازيغية فتعلم اللغة الأمازيغية من محيطه العائلي واكتسب ثقافته المحلية كما لعب مع أقرانه تحث الثلج وحافي القدمين كما سمع حكايات الجدات قبل النوم وتربى في أحضان الشعر الأمازيغي القبائلي قبل أن يلتحق بالتعليم الابتدائي في مدرسة الدوار لتنفتح عيناه على ثقافات أخرى خاصة الفرنسية، لغة التدريس في المدرسة الكولونيالية. قد يبدو الأمرعاديا لطفل ولد في سياق الاستعمار وقد يعتقد بأن المدرسة مكان آخر غير العائلة وبالتالي لا مجال فيه للغته الأم، لكن في نفس الوقت قد يتساءل أحيانا عن هذا الوضع دون أن يتوفرعلى جواب في غياب إمكانات فهم علاقات الهيمنة التي تؤطر السياق الكولونيالي. تؤرخ سنة ميلاده لمرور 5 سنوات على توقيع معاهدة الحماية مع المغرب وإلحاق هذا الأخير بالإمبراطورية الكولونيالية الفرنسية وهو ما سهل الانتقال بين البلدين. في سنة 1928 سينتقل مولود معمري إلى المغرب.
مولود معمري والمغرب : علاقة حميمية
كانت عائلة معمري معروفة في المغرب، بل تحضا بمكانة خاصة في محيط سلطان المغرب. فعم مولود هو رئيس الكتابة الخاصة للسلطان محمد الخامس ولذلك استدعى حفيده وعمره 11 سنة لينتقل للرباط لمتابعة دراسته وبذلك انتقل الطفل مولود من دوار صغير في منطقة القبائل إلى القصر الملكي بالرباط، عاصمة المغرب. مباشرة بعد وصوله سيلحقه عمه بالقسم السادس بإعدادية فرنسية بالرباط. حسب تاسعديت ياسين لقد استفاد مولود من موقع عمه ليجد نفسه في إعدادية كل تلامذتها من أبناء الأوروبيين باستثنائه وتلميذ آخر من عائلة فاسية. هنا سيكتشف كونه من جهة أمازيغيا ومن جهة أخرى مستعمرا (بفتح الميم). لقد انتبه أستاذه إلى أن التلميذ مولود ينجذب أكثر للدروس المتعلقة بشمال إفريقيا وفسر ذلك بكون مولود ينحدر من أصول أمازيغية وجده هو الملك “يوكرتن” وهنا بدأ مولود يطرح تساؤلات حول الحضارة الأمازيغية التي ينتمي اليها ملوك كيوكرتن. سيتعززهذا الاكتشاف في الشارع الرباطي حيث كان مساعد عمه المنحدر من الأطلس المتوسط يخرجه إلى الساحات العمومية لمشاهدة الحلقة وهناك اكتشف رقصة أحيدوس حيث انتبه للتقارب الموجود بين لغته القبائلية وكلمات أغاني رقصات أحيدوس وسيقارن مباشرة بين المجتمعين الأمازيغيين، مجتمعه الأصلي الذي يرزح تحت الاستعمار مند ما يقارب قرن من الزمن وأمازيغية المغرب التي لازالت حية ولم تتأثر بعد بمخلفات عقد الحماية. لقد كتب عن الأطلس المتوسط قائلا: “هنا في الأطلس المتوسط، لا زال الأمازيغ يعيشون ما أصبح بالنسبة للقبائل مجرد ذكريات”. وبفضل هذا الاهتمام كان أستاذه يطلب منه خلال حصة الإنشاء وصف المجتمع الأمازيغي فكان ذلك بداية ميلاد مولود معمري الأنثربولوجي الذي سينظر لثقافته من الداخل وليس من الخارج كما يفعل الغربيون. بعد أربع سنوات بالمغرب سيعود مولود إلى الجزائر ثم إلى فرنسا قبل أن يرجع من جديد تحت ضغط الأحداث إلى المغرب بعد استقلاله وسيمكث فيه من 1957 إلى تاريخ استقلال الجزائر سنة 1962 وخلال هذه المدة التي قضاها في المغرب قبل استقلال الجزائر سيتعاون مع مجموعة من أمازيغ القبائل للتفكير في وضع معجم خاص بأمازيغية المغرب قبل أن يقرر العودة لبلده الأصلي بعد استقلاله لممارسة مهنة التدريس، دون أن تنقطع زياراته للمغرب إلى أن توفي في حادثة سير خلال عودته من المغرب إلى الجزائر سنة 1989.
مولود معمري: الباحث والأديب
يتميز مولود معمري بغزارة و تنوع كتاباته حول الأمازيغية باللغة الفرنسية، بين الأبحاث الأنثربولوجية و اللسنية والروايات والنصوص المسرحية. كما كانت أعماله الأدبية موضوع أعمال سينمائية ناجحة وأسست للسينما الأمازيغية. لقد كانت الأمازيغية لغة و ثقافة و هوية في صلب اهتماماته وبذلك يكون من الأوائل الذين أسسوا لأنثربولوجية المجتمعات الأمازيغية بنظرة المنتمي لهذه المجتمعات بعد عقود من الدراسات الكولونيالية التي لا تخلوا من أحكام قيمة والتي تصدر حتى من طرف أهم الباحثين. فاهتمام مولود معمري بشعر الشيخ موحاند والشعر الشفوي القبائلي عموما (يقول الشيخ موحند أو قصائد قبائلية قديمة أو لهليل وأيضا ماشاهو حول الحكايات القبائلية القديمة) دعوة لإعطاء الثقافة الشفوية المكانة التي تستحق وعدم النظر إليها نظرة ازدراء في مقابل الرفع من قيمة المكتوب. لقد وقف مولود معمري وقفة المدافع عن الثقافة الأمازيغية بعمقها الحضاري وغناها اللغوي ونبل قيمها وأراد إظهار كون هذه الثقافة هي التي تشكل صلب هوية شمال إفريقيا ولا بد من الاعتراف بها. يحضر هذا الهم في كل كتابات معمري سواء من خلال دراساته العلمية أو في رواياته وكتاباته الأدبية التي تعكس في العمق مختلف المراحل التي مرت منها الجزائر خلال فترة الاستعمار والعشريات الأولى للاستقلال. في هذا الاتجاه، كان للغة مكانة خاصة في اهتمامات معمري وخصص لها حيزا مهما من دراساته سعيا منه أولا لجمعها و الحفاظ عليها وأيضا تطويرها لتكون قابلة لدخول مجالات جديدة. ورغم التضييق الذي تعرض له في السنوات الأولى لاستقلال الجزائر فقد سعى لتوجيه الاهتمام إلى الأمازيغية فدرسها رغم الظروف التي لم تكن ملائمة كما عانى من إقصاء علم الاثنولوجيا بالجامعة الجزائرية والتي كان ينظر إليها على أنها علم استعماري، مع العلم أن الاثنولوجيا هي العلم الذي من شأنه دراسة المجتمعات الأمازيغية باعتبارها مجتمعات شفوية.
مولود معمري و الربيع الأمازيغي
يرتبط اسم مولود معمري بانطلاق شرارة الربيع الأمازيغي في 1980. لقد كان منع محاضرته حول “الشعر القبائلي التقليدي” بجامعة تيزي ووزو يوم 10 مارس سببا في انطلاق مظاهرات عرفت فيما بعد ب’الربيع الأمازيغي” الذي يتم الاحتفال به كل 20 أبريل، تاريخ قمع أكبر مظاهرة منظمة للاحتجاج على هذا المنع. هذا الحدث الذي تجاوز تأثيره حدود منطقة القبائل ليصبح حدثا يؤرخ لمرحلة مهمة في تاريخ النضال من أجل الأمازيغية في كل شمال إفريقيا، أصبح يرمز للقمع الذي تعرضت له الأمازيغية في بلدها واستمر أيضا في 2001 ليعطي “الربيع الأسود”. واليوم نجد أن جامعة تيزي ووزو التي منع فيها مولود معمري من إلقاء محاضرته تحمل اسمه “جامعة مولود معمري” وتضم شعبة للدراسات الأمازيغية وماستر ودكتوراه في نفس المجال كما أن اللغة التي ناضل من أجلها بالبحث العلمي أصبحت رسمية في المغرب مند 2011 وفي الجزائر مند 2016.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.