أزول بريس – أنوار مزروب * //
يتابع الفاعل السياسي الاستماتة الهيستيرية التي يبديها حزب العدالة و التنمية دفاعا عن قاعدة توافقية-ليست سياسية- من ارهاصات عهد التشفير[1] و نتائج الترهل الذي عرفه المشهد الإنتخابي و التمثيلي ما قبل 2011.
على سبيل التذكير هذا المصطلح الذي يدخل أيضا في اطار الخصوصية المغربية[2] 2021, يعني ببساطة ذلك الأساس أو القاسم الذي يتم على أساسه حساب العتبة المؤهلة لنيل المقاعد المخصصة لدائرة انتخابية. في المغرب. علاقة بهذا النظام، استفاد حزب الاسلاميين من نمط الاقتراع النسبي و ممارسة الغالبية الصامتة من الشعب المغربي لسلوك المقاطعة السياسي, ليجنح المشرع الانتخابي لخيار مثير لجدل ديمقراطي و هو اعتبار عدد المصوتين بأصوات صحيحة و ليس المسجلين في اللوائح الإنتخابية، المعمول به كونيا، هو ذلك القاسم والأساس.
أهمية الفئة الغير مصوتة التي يحاول الإسلاميون جاهدين إقصاءها في قرار صرف ضرائب الشعب لمريدهم و شبكاتهم و شبكات الأحزاب التي قد تفوض نفسها بنفسها قسرا و تفوز بمقعد برلماني بأكبر البقايا قد تصل الى 1000 صوت فقط في جماعة تتجاوز كتلتها الناخبة 200 ألف نسمة للمفارقة، قلت أهميتها في الديمقراطيات العريقة هي إلى حد أنها ترهن التوصيف القانوني العام للاستحقاقات، حيث يجد هذا القاسم انعكاسا أكثر دلالة من خلال مؤشر نسبة المشاركة، و التي ما إن تقل عن 50 بالمائة، حتى ترى تساؤلات الشرعية و احترام الإرادة الشعبية تطفو للسطح في المجتمع بأكمله.
هنا يمكن استيعاب حجم احتقار و استخفاف الحزب الإسلامي حتى بالمفهوم المؤسس للديمقراطية، أي الإرادة الشعبية حين تتعارض مع مصالحه و أهدافه التحكمية كما فعل تماما في صفقة 2011 المشؤومة.
أولا: القاسم الإنتخابي : بين استحقاقات الخيار الديمقراطي و مخاطر مصادرة حق المقاطعة السياسي لغياب العرض السياسي الجاذب للناخب :
بينما يعرف التطور الديمقراطي في العالم تناميا للسلوك السياسي المقاطع , في اطار ما بات يعرف بأوروبا بديمقراطية المقاطعة أو اللا-تعبئة[3]، لم يجد حزب الاسلاميين أي حرج في مجابهة الاسئلة
الوجودية المطروحة على المشهد الحزبي و الممارسة الانتخابية المغربية من هذا الباب الانتهازي (من تلك الإشكاليات نذكر اضمحلال الثقة و شيوع الممارسة الفاسدة و تزكية ذوي السوابق و الفاسدين و غياب ثقافة التعاقد البرامجي[4] والالتزام السياسي,..).
وهكذا وجد حزب “غفلة الربيع” في إسقاط الحقوق الأساسية والسياسية لأكثر من 20 مليون مغربي مسجلين في اللوائح الانتخابية, و الذين لم يروا في اسطوانات لا الاسلاميين و لا غيرهم من مكونات السوق السياسي الحالي أي خطاب جدير بصوتهم الانتخابي الغالي عليهم، الى حد أن الأصوات الإنتهازية للحزب الحاكم وأحزاب أخرى لا تستطيع فهم معانيه و مراميه في ميزان المشروعية و الشرعية السياسية لكل العملية الترشيحية و الإنتدابية و القانونية المؤطرة لها، لأنها تعكس خللا كبيرا في تمثل و أجرأة الميكانيزم التمثيلي، الى حد وجب التعامل معه و إن اقتضى الحال الإقرار بفشل النموذج التمثيلي لسنة 1976 و الدعوة لحوار وطني شامل حول التمثيل الإنتخابي مادام الجسم الإنتدابي و الحزبي الحالي لا يتوفر على الشرعية الحسابية و الديمقراطية للتقرير في أمور جماعات و مدن لم تفوضهم للتقرير نيابة عنهم، و إلا فإن الاغلبية و الأقلية في المغرب ستفقد كل معنى ومبنى سوسيو سياسي.
بتعبير أكثر وضوح, كان حريا بحزب الاسلاميين عوض التشبت بإسقاط المواطنة السياسية عن المواطنين المسجلين الغير مصوتين في الدوائر, مطالب بتعليل مدى ديمقراطية تسميته لشوارع تلك الغالبية الصامتة بأسماء أبو قتادة و ابو جهل و بصرى الحرير و غزة و دير الزور و الرقة? و كيف يسمح لنفسه بفرض زليج رصيف أسود بجماعة تبلغ ساكنتها المسجلة 100 ألف, ويضفي على أرصفتها لون السواد رغم أن 70 الف نسمة المقاطعة في الجماعة تفضل رصيفا بلون أحمر? جواب تلك الأسئلة بالتأكيد لا يوجد و ليس من المفيد أن يوجد لدى حزب تآمر على الديمقراطية و الربيع الديمقراطي المغربي و مشروع الدولة الديمقراطية باسم ديمقراطية الاقلية و هلوسات الإصلاح في ظل الاستقرار و ما جاورها من معجم الجبن و الإبتزاز السياسي.
ثانيا :في الحاجة الى تجديد النخبة السياسية المغربية لوقف مد الخطاب الرجعي على الدولة و المجتمع :
على المستوى الماكروسياسي، الماسكون بزمام الصراع و التدافع السياسيين مطالبون أكثر من أي وقت مضى بالتفكير الجاد و المسؤول في تفكيك و إعادة تأهيل ما يسمى في أدبيات المدرسة المغربية للعلوم السياسية بأحزاب الإدارة أو المقربة من الإدارة لمزيد من الدقة، لأنها ليست فقط مسؤولة على تشبيك الفساد الإداري و المالي و تهميش الكفاءات المستقلة و تحويل المؤسسة الحزبية الى كانتونات عائلية و مراكز خدمات الزبونية و شبكات تبادل المصالح و القيادة العائلية للمرفق الحكومي و الإداري، بل أصبحت بتمثلها لعدم شرطية الدولة للحد الأدنى من الأداء لاستمرارية تمكينها من امتيازات بعض مراكز السلطة و المؤسسات، أكثر حرصا و صونا لحالة الستاتو- كو و هيمنة الحزب الإسلامي على الهامش الإنتخابي و التمثيلي من المنظومة السياسية، الذي يأتي من صناديق الإقتراع، بحكم اختراق جمعياتهم و شعبويتهم و تجارتهم بالمشترك الديني للطبقة الغير مسيسة المشاركة بانضباط في الاستحقاقات. بالتالي تبقى الأسئلة الحارقة التالية مطروحة على كل الفاعلين مع دنو خطر انتداب جديد لخطاب الرجعية و الهواياتية التدبيرية في استحقاقات 2021، ما لم تكن هناك تغيير حقيقي في البروفايلات الحزبية المرشحة، و طي صفحة آليات الحشد و الإستقطاب و الوجوه المنبوذة شعبيا و الفاقدة لكل أنواع الشرعية و الثقة شعبيا، و هي :
/-هل من مصلحة النموذج التنموي المنتظر الإبقاء على نخب حزبية فاتها قطار الرهانات و التحديات و قصرت في أداء رسالتها أمام الملك و الوطن و الشعب ؟
/-هل يمكن الجزم في ظل ثابتة احترام نتائج الصندوق أن الأحزاب المفوضة لمجابهة مد الخطاب الرجعي أن تلك التنظيمات جدبت انتباه القوة الضاربة من الرافضين للعبة لتغيير موازين القوى لصالح القوى الديمقراطية و الوطنية الحقيقية ؟
/-في أفق تطوير الدولة للمنظومة الإنتخابية برمتها و نموذج تنموي جديد، هل يعقل أن تستمر شبكات الإمتيازات التي أوصلت البلاد الى ما وصلت إليه، في السيطرة و الاستحواذ على مراكز السلطة الإدارية و الحكومية ،و التي فشلت في تطويرها و النهوض بها لعقود خلت؟ و هنا أعتقد أن التذكير بالمبدأ الفيزيائي الآتي خير مجيب عن السؤال و مفاده : أن نفس المسببات تؤدي إلى نفس النتائج.
/-بعد 17 سنة من تحرير القطاع الإقتصادي و20 سنة من الإنفتاح الحقوقي للدولة، ألم يحن الوقت لأجرأة ورش تحرير المشهد الحزبي من خلال إطلاق ورش التفكيك و إعادة الهيكلة[5] لهذا المشهد السوريالي و اللاسياسي.[6]
/- و أخيرا ما هي ضمانات صيانة حقوق 90 بالمائة من الشعب السياسية، و الذين استبعدوا من حقهم الدستوري في المشاركة السياسية لمدة عقدين منذ 2011، لا لشئ سوى أنهم لا ينتمون لا إلى حزب تجار الدين و لا للأحزاب المعروفة بالإدارية بيمينها و تقدمييها و ليبيرالييها؟
بالرباط يومه 23 فبراير 2021
*أنوار مزروب// باحث في القانون العام،مدير مركز الكاريس و عضو لجنة الإشراف لجبهة العمل السياسي الأمازيغي
هوامش :
[1] خصوصية لأنها تؤدي الى لي دراع الديمقراطية الكونية القائمة على ثابت 50 بالمائة، حيث لم يحدث أن حزب في المغرب حاز على 50 بالمائة من أصوات الساكنة، و رغم ذلك فالحزب الإسلامي لم يخجل لمرات عدة، في إطار تنمره على مكونات حزبية، سار بعضها أقل قوة و تأثيرا من تأثير جمعية، ليلوح بأنه الحزب الوحيد في المغرب الذي يحضى بالشرعية الديمقراطية و الإنتخابية، فيما الثابت في أدبيات الإقتراع المباشر العام أنه لا يحضى بالشرعية إلا إدا كان مسنودا بأغلبية مطلقة أو أغلبية موصوفة أو مؤهلة على أساس نمط الإنتخاب بدورتين. و هو ما لا يتوفر في كل الإنتدابات بالمغرب، و التي أكدت دراسات رسمية أن كتلتها الناخبة تهم فقط 10 بالمائة من المسجلين في اللوائح.
[2] Démocratie de démobilisation
[3] Contractualisation programmatique
[4] Contractualisation programmatique
[5] Le processus de décomposition et de recomposition de l’échiquier politique
[6] Echiquier politique dépolitisé
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.