في أزمة أفول القيم و الأخلاق مغربيا
بقلم محمد لحميسة
يتساءل الكبير والصغير في المجتمع ، أو على الأقل من يفكر منهم وفيهم ، ما الذي يحدث للقيم ؟ للأخلاق ؟ للعقل ؟ ما هاته المجزرة البشعة التي تتعرض لها المستويات المذكورة على التوالي ؟ والعديد منهم لا يجدون لأسئلتهم جوابا فيتركونها معلقة تنتظر مخلصا مجهولا يمتلك ولو بصيصا من إجابة .
يتفق كل هؤلاء على أن المجتمع المغربي يعيش تحولا عميقا على مستوى القيم والأخلاق والمواطنة والعقل ، والأسباب تتعدد لكن هناك إمكانية لإختصارها بشكل أو بأخر في العولمة الثقافية وفي الإنتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك/ يوتيوب …) ، والحقيقة أن هذا التحول بدأ قبل ثورة الهاتف الذكي ووسائل التواصل الاجتماعي ، مع التلفاز والمسلسلات المدبلجة واستدماج السلوكات المستوردة بشكل غير واعي وبطيء ، غير أن الحقيقة أيضا هي أن الهاتف الذكي وما جاء به أسرَعَ من وتيرة التحول بل وساعد على تمريرها وتطبيعها (جعلها طبيعية وعادية ) كأنماط مقبولة للسلوك والفعل الإجتماعي .
أظن أن الانتقال والتحول يظهر في صورته الكبرى في القاموس الاجتماعي المعبر عن التصورات والتمثلات والمعاني التي يُضفيها الافراد على أفعالهم ، إذ انتقلنا من عبارة “كون تحشم ” إلى عبارة ” ما كاين لي كايتسالني شي حاجة ، أنا حر ” أي الإنتقال من خطاب ” الحياء ” الى خطاب ” قلة الحياء ” ، ويجب الإشارة على أن الحرية في النسق الثاني تأخذ معنى فج يبتعد عن المعنى السارتري المسؤول (نسبة لسارتر ، صاحب مقولة محكوم على الانسان ان يكون حرا ، ويربط سارتر الحرية بفعل المسؤولية من خلال مفهوم الاختيار المسؤول ) وتأخذ بُعدا حيوانيا في الأغلب .
هذا التحول شمل أيضا مسألة القدوة والمَثَل ، فنحن الأن نترنح بين من يريد أن يصبح مغني راب ، أو مغني شعبي ، أو لاعب كرة قدم ( كما قال أحدهم : بغيت نكون لاعب د الرجاء حقيقي) ، مع كل الاحترام لهذه الأنشطة إلا أن الأمم والحضارات لاتبنى أسسها عليها ، تقدم الوطن يستوجب أكاديميين واقتصاديين ومفكرين وسياسيين وصحفيين أكفاء وأناس تعليم أقوياء ودولة قوية ، والحال أن هذه المجالات تحتاج الكثير من الجدية والمواطنة والجهد وهذه السمات مفقودة بشكل مأساوي .
والملاحظ أن الجيل القديم تخلى شيئا ما عن دوره التوجيهي ، عن ممارسة مهمته في التصدي لكل ما يخالف سلطة العقل ، وسلطة الأخلاق، وبالتالي فأيديهم ليست بريئة مما يقع الأن ومن هذا الإحتباس القيمي والرداءة والانحطاط الذي نجتر فضلاتها كل يوم في اليوتيوب والفايسبوك والانستاغرام ، وفي أحيان عديدة نجد أن تأثير الرداءة قد نجح في استقطاب حتى الجيل القديم وبدأوا هم أيضا في إنتاج الرداءة واستهلاكها .
لذلك فالعيش في عالم 2022 -وأعني العيش والحياة بعقل وفكر ناقد وحي، وليس العيش العرضي العابر للسنة في شكلها البسيط والزماني المستقيم اي من 1 يناير إلى اخر يوم من ديسمبر- يستوجب منا الكثير من الحزم ، من الوعي ، من المناعة الفكرية والثقافية ، من المقاومة الاجتماعية ، من القدرة على الرفض والتموقف ، وتتطلب أيضا تلقيح فكري إديولوجي ضد فيروس الرداءة في كل لبوسها (الإعلام ،اليوتيوب ،وسائل التواصل الاجتماعي) ، لأننا نعيش أزمة حقيقية على مستوى القيم والعقل والأخلاق والمواطنة والمتهمة الأولى في هذه الجريمة هي الرداءة/التفاهة التي لن تصنع غير جيل من الضباع .
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.