دعونا نؤكد بداية أن التردد كان كبيرا قبل تناول هذا الموضوع في محاولة للرد على ترهات بعض المحسوبين على الفقه المفترى عليه. الخرجات المغرضة لهؤلاء المتفيقهين أضحت تقليدا مألوفا يخرج خلاله بعض المتطاولين على الشرع من جحورهم المظلمة لينفثوا سمومهم وينشروا أحقادهم في قالب مغلف بالمقدس المشترك للمغاربة، يحاولون استدراج من يخالفهم الرأي إلى وحل التكفير والتشكيك، وفي أحسن الأحوال إلى معارك دونكيشوطية محسوبة على الفكر.
تخليد السنة الأمازيغية وفي ظل تنامي الوعي الهوياتي للمغاربة وارتفاع الأصوات المنادية بإقراره يوم عطلة رسمية، يعتبر فرصة ذهبية لهذه الكائنات التي توظف الدين لتصريف مواقف أيديولوجية صرفة بعيدا عن سماحة دين الإسلام ورسالته الربانية. تجدهم يجدون ولايكلّون من التأويل المغرض لموروث حضاري وثقافي يمتد في تاريخنا لقرون طويلة وربطه ب”اليهود والنصارى” حينا، وبالماجوسية والشرك والكفر وغيرها أحيانا أخرى، موروث ينكرون وجوده بشكل سيكوباثي يجعلنا نشكك في سلامتهم النفسية وقدراتهم العقلية.
ويظل الأنكى والأمرّ في الموضوع، أن يطل أحدهم ليتحدث بوقاحة عن السنة الأمازيغية ويربطها بما يسمى بـ”الظهير البربري” ويذكرنا بـ”قراءة اللطيف” كدليل على ذكاء أجدادنا وغيرها من أكاذيب سياسوية غلفت بالدين ووظفت المساجد واستغلت صدق وطنية ضحاياهم، ليعود في الأخير ويقول إن “ما يسمى السنة الأمازيغية ما هي إلا السنة الفلاحية…” في موقف يفسر العمق الأيديولوجي لخرجات “الجالية الأفغانية”، فالمشكل كما تلخصه العبارة الأخيرة ليس في السنة في حد ذاتها ولكن في وصفها بالسنة الأمازيغية.
لن نعود في هذه الأسطر إلى التاريخ القديم وأحداثه، ولا إلى بداية التقويم وحيثياته، ولا حتى سياق ظهوره لأن كل ذلك لم يعد حكرا على المتخصصين في التاريخ والأنتروبولوجيا كما كانت الحال سلفا، بل أضحى حديث الألسن في ظل المعطيات الجديدة المتعلقة بالتاريخ المغربي وحقيقة الأصول والامتدادات.
سنحاول إذا أن نناقش ما يستند إليه هؤلاء المتفيقهون ونبدأ بموقف الإسلام من العادات والتقاليد، فالثابت أن لكل جماعة أعرافها وتقاليدها التي تميزها، وهي موروث قد تشترك فيه جماعات كثيرة وقد يهم جماعة بعينها، والمعلوم من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يوافق عادة العرب في كثير من أمور حياته ما لم تخالف الشرع، ولا يمكن لأي كان أن ينكر كون كثير من هذه الأعراف والتقاليد لا يزال متداولاً به حتى يومنا هذا سواء من الملتزمين بالأديان أو غيرهم.
نذكر فقهاء البؤس ممن يستبيحون موروثنا التاريخي وعاداتنا وأعرافنا أنّ الإسلام ينظرإلى عادات وتقاليد وأعراف الشعوب نظرة ثلاثية الأبعاد، فمنها تلك التي لا تخالف الإسلام نصّاً وروحا، ثم التي تعتبر خليطاً ممّا يخالف الإسلام وممّا لا يخالفه، وأخيرا تلك التي تخالف الإسلام نصّاً وروحاً. ولو عدنا الى تخليد السنة الأمازيغية لوجدناها من الصنف الأول، فلا شيء يمنع من تخليد سنة جديدة تحتفل بعطاء الأرض وجودها وتستبشر خيرا بالمستقبل، وتبقى مساعي هؤلاء لاعتبارات ذاتية واديولوجية ضيقة.
في الأخير، لابد أن نشير إلى أن مهمّة إرجاع الأمور إلى نصابها تبقى على عاتق السلطات القيمة على الشأن الديني للمغاربة، فمثل هذه الخرجات غير المحسوبة من شأنها الإساءة الى جوهر الإسلام المغربي ومذهبه المالكي وقاعدته الأشعرية التي طالما توافق عليها المغاربة، وعلى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والمجلس العلمي الأعلى تعبئة العلماء والوعاظ الحقيقيين للرد على افتراءات هؤلاء بالدليل والنص وردع كل الخطابات والفتاوى الموغلة في التشدد والتطرف.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.