أضحت مهنة الصحافة في المغرب مهنة من لا مهنة له، واستغل رهط من الطفيليين ثغرة في قانون الصحافة والنشر، مفادها أن بإمكان أي كائن كان أن يكون ناشراً، وأسسوا جرائد تطبع مرة في السنة، أو في الأعياد والاحتفالات، وأصدروا بطاقات تحمل خطا أخضر وآخر أحمر، واستغلوا سلطة صاحبة الجلالة التي يخشاها بعض المسؤولين الفاسدين أو بعض الباحثين عمن يلمّع صورتهم القبيحة، أو بعض المنتخَبين من ناهبي المال العام، وشرعوا في ابتزاز كل مخالف للقانون وكل ساع إلى الشهرة. وقد استغلوا خوف بعض المسؤولين من كشف الإعلام الهادف والجاد المهني والحر لخروقاتهم وفضائحهم، لذا استقبلوهم وساعدوهم ودعموهم، حتى أضحوا أكثر قوة وأشد بأسا من الصحافيين المهنيين..
أصدرت وزارة الاتصال 2572 بطاقة مهنية للصحافيين سنة 2015 وتم إيداع 254 تصريحاً بإحداث مواقع رقمية إخبارية.
شيخ الصحافيين الطفيليين
ينتحل مهنة “صحافي” ويزعم أنه أعظم صحافي في المغرب، يلقبه محترفو مهنة المتاعب بشيخ الطفيليين، ويطلق عليه آخرون “أشعب” لتطفله على الولائم والحفلات الدبلوماسية والأيام الدراسية التي تشهدها الرباط.
مشهور لدى القاصي والداني، شخصه معلوم عند الصحافيين الأجانب ومديري مكاتب الجرائد والقنوات والإذاعات العالمية في العاصمة، ومعلوم لدى الملحقين الصحافيين بالسفارات المعتمدة بالمغرب. يمقت مديرات بعض شركات التواصل المكلفة بتنظيم المؤتمرات والندوات والأيام الدراسية الدولية والمحلية، لأنهن أدرى بحيله بعد أن كشفن أمره في لقاءات سابقة، فشهرن به وطردنه وشوهن سمعته وحرمنه من الأكل والشرب، وهددنه بدعوة رجال الأمن وهو يخشاهم لسوابقه في ارتكاب الجنح والجنايات والمخالفات.
أكول شرّيب، يلتهم قطع الحلوى المغربية اللذيذة التهاما، ويملأ جيوب سرواله باللوز وأفخم أنواع التمور والجوز والفستق.. ويحشو حقيبة فخمة أهداها له مدير أكبر شركة اتصالات في البلد بما يتبقى من اللحم المشوي وبالدجاج، والفواكه أحيانا، ويسرق الأكل من أمام الضيوف ولا يترك أكلا لآكل غيره.
له وجه موميائي مضحك مبكٍ في آن، عيناه غائرتان يقدح منهما شر مستطير. لا يحضر إلا الأنشطة التي تشمل استراحة شاي وحلوى وغذاء دسما أو عشاء كوكتيل. يحيط عنقه بربطة حريرية مكوية بعناية ويرتدي بذلة عصرية أنيقة أهداها له مسؤول رفيع، أوهمه أنه فنان وأهداه لوحة كعربون صداقة ومحبة، طلب من أحد الفنانين المشهورين أن يرسمها والتمس منه ألا يوقعها باسمه ، فوضع الماكر اسمه بدل اسم الفنان.
احتال على وزير حاصل على شهادة الدكتوراه ويرى نفسه لا يشق له غبار في عالم الأدب والإبداع والفكر، وأوهمه بأنه سيلمع صورة ما تقوم به وزارته من جليل الأعمال ابتغاء وجه الرب تعالى. صدقه الوزير ومنحه دعماً لطبع مجلته التي لا يراها أحد، ابتلع الطعم بعد أن قدم له نسخا منها وكذب عليه فقال أنه طبع عددا خياليا من النسخ للوصول لكل القراء.
يخيف المخادع الوزراء وزعماء الأحزاب الملتصقين بكراسيهم لربع قرن أو يزيد، يرعب المتاجرين والمتاجرات بالعمل الجمعوي والدفاع عن حقوق المرأة والطفولة وذوي الاحتياجات الخاصة والمنافحين عن العِرق والقبيلة..
يأمل “المناضلون” المدافعون عن أنفسهم ألا يحضر ندواتهم الصحافية التي تقام لتبرير صرفهم لمنح المال العام والهبات الخارجية، وتصطك أسنانهم عندما يرفع الطفيلي يده طالبا طرح سؤال.
السبب؟ إنه متمكن من جميع المعلومات الخطيرة عن النقابات والأحزاب والجمعيات غير النزيهة، وله مدارك متينة بخصوص الخروقات التي ارتكبها المسؤولون عن الجمعيات الأهلية والمنظمات السياسية والنقابية وحتى الحقوقية والصحافية، وكذا منظمات الأطباء والمحامين. له علم بالسوابق كلها.
توصف أسئلته بالمزعجة وتشبه بالقنابل الذرية، يحاجج بقوة، ويقدم أدلة منقطعة النظير، يتقن طريقة تجميع المعلومات السيئة والفضائح السرية عن كل مسؤول يحضر ندوته الصحافية، أو لقاء سيكون حاضرا فيه كضيف شرف أو كنجم، يعكر عليه مزاجه بطرحه لأسئلة خطيرة طويلة تشمل معلومات وأرقاما مثل:
معالي الوزير لماذا انقلبت على الأمين العام للحزب، ولي نعمتك، وسيطرت على الحزب بقبضة من حديد وعلى كل أجهزته من قطاع الطفولة والمرأة والشباب؟ ولماذا لم تحاور مخالفيك في الرأي؟ ولماذا طردت كل الموالين للأمين العام والرئيس المؤسس؟ ولماذا ترفض ترك منصب الأمين العام بعد انقضاء ولايتك الثالثة (والرابعة)؟
ويسأل زعيما نقابيا يطالب مؤسسة المخزن بتطبيق الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وهو لا يطبقها في نقابته كما لا يحترم حقوق الإنسان ولا حرية التعبير:
سيدي لماذا ترفض نقابتكم وغيرها إصلاح قانون النقابات؟ ولماذا لا تترك منصب الكاتب العام للنقابة بعد نهاية ولايتك الثانية والثالثة.. والسابعة؟ ولماذا لا تصرح شركة ابنتك بالعمال لدى مؤسسة الحماية الاجتماعية؟ لماذا لا تدفع شركة ابنك الضرائب؟
يكره منتحل صفة أخطر “صحافي” مغربي حضور المظاهرات الاحتجاجية والندوات الصحافية التي تنظمها أكبر الجمعيات الحقوقية المغربية والمنظمات الدولية الحقوقية العاملة بالرباط في مقراتها الباردة، لأنها لا تقيم حفل شاي على شرف المدعوين والطفيليين على حد سواء. يصفها بالبخيلة، وإن تكرمت على بعض الصحافيين من المدخنين، فإنها تقدم لهم كوبا صغيرا من القهوة المرة الحالكة.
يزدري الطفيلي أشباهه الذين يحضرون إلى الندوات قصد الأكل والشرب وحمل الطعام قبل انتهاء المدعوين من الأكل، خاصة بعض الموظفين – الملحقين الصحافيين – الذين يتلقون رواتب محترمة وسمينة، ويسمِّهم بأقذع الأوصاف، لأنهم ينافسونه.. بعضهم محظوظ فلديه جريدة تصدر مرة في السنة، وهم يتوفرون على مصادر نميمة تخبرهم بجميع الأنشطة المنظمة في العاصمة وغيرها، يضعون خططا للتمكن من حضور الولائم والأعراس والندوات والجنازات والتأبينات.. يفرحون حين يموت وزير أو سفير سابق فيولون وجوههم شطر بيته للقيام “بواجب العزاء”. يتحازنون إلى أن يشبعوا فتنشرح صدورهم ويستغلون حضور أي مسؤول، يسألونه صدقة بسبب وضع أسري طارئ. وقد برع أحدهم في البكاء وإدعاء أن ابنه سيموت إن لم تجر له عملية جراحية الآن…
لا تحضر عصابة الطفيليين عندما تنظم أنشطة حقوقية أو أي حراك احتجاجي تتخلله مظاهرات أو وقفات للمطالبة بالفصل بين السلطة والثروة وحقوق المرأة والحريات الفردية وحرية الضمير والمعتقد، وتلعن العصابة كل جمعية تساند مضربا عن الطعام.. وترفض عناصرها حضور الإعتصامات والإضرابات والندوات التي تنظمها الأحزاب اليسارية والحركات الأصولية، لأنها شحيحة لا تكرم وفادة ضيوفها بلحم مشوي أو دجاج محمر.
كيف يستمر فرد من العصابة؟
يدير جريدة تصدر مرة في العام، ويدبجها بالتهاني والتبريكات التي يرفعها المنتخَبون والمسؤولون إلى السدة العالي بالله. يحصل على بطاقة الصحافة التي تصدرها وزارة الاتصال بأعجوبة، ويحصل على العضوية في فيدرالية الناشرين. فهل يستطيع أحد أن يقول له أنت لست صحافيا؟
التعليقات مغلقة.