فاتح ماي: من عيد الطبقة العاملة الى عيد للرقاة و العشابين
ما شهدته بعض تظاهرات فاتح ماي في بعض المدن المغربية ينبئ بأن الأمر بلغ مدى ينذر بدخول المغرب مرحلة اخرى بعد مرحلة الوهابية، اي مرحلة المزج بين الوهابية و الاخوانية في وقت بدأ فيه النظام العالمي الجديد يتجه نحو الحد من خطورة هذين الفكرين المنتجين و الحاضنين للتطرف الديني؟
فما شهدته بعض تظاهرات فاتح ماي في بعض المدن المغربية من خروج العشابين و تجار الرقية الشرعية، حاملين لافتاتهم علنا يطالبون فيها بتكريس الجهل، يبدو مضحكا و مبكيا في نفس الوقت.
هذا المشهد الكاريكاتوري يوحي بأن الخلل تجذر في المجتمع المغربي، و بأن الفكر المغربي الذي عرف منذ تاريخه بالعقلانية قبل الاسلام و في ظل الاسلام بدأ يتلاشى و ينكمش امام نوع من الفكر المستورد من الشرق الاوسط ابتداء من الفكر القومي الذي مهد – بتوجهه الشرقي لاجتثات الهوية المغربية- الطريق للوهابية و للاخوانية و اللتين تنخران بنية الفكر المغربي حاليا.
ذلك الفكر المغربي المتميز عبر تاريخه و الذي انتج عمالقة الفكر العالمي و الاسلامي امثال القديس اوغسطين و ابوليوس و ابن خلدون و ابن رشد… هو فكر العقلانية الذي اعطى مجتمعا مغربيا يعتمد على القوانين الديموقراطية المتكيفة مع واقعه الاجتماعي و مع هويته و التي لا ترى تعارضا بين الفصل بين الشريعة و بين القوانين التي سموها اعرافا و التي اعتمدوها و نظموا بها مجتمعهم و فصلوا بين وظيفة الفقيه( امور العبادة و تعليم الصبيان) و وظيفة “ئنفلاس” اي الامناء المختصين بالامور الدنيوية اي الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية…
فاتح ماي لهذه السنة يعبر عن ضمور هذا الفكر المغربي المتميز ليدثره بالقوة فكر آخر بدوي خرافي يمتح من مخلفات القرون الوسطى التي تعلي من شأن الخرافة و التطرف و التمسك الحرفي بالطقوس بدلا من اعلاء شأن العقل و العلم و شأن قيم العمل و الاخلاق و التي هي جوهر الدين كما عرفها اجدادنا الامازيغ( كل المغاربة امازيغ هوية و ثقافة).
ان تخرج جمعيات العشابين و الرقاة( الذين يستغلون الجهل المستشري) للاحتفال بعيد العمال الذي هو تذكير باستغلال الراسمال الجشع للعمال ليس شيئا مفاجئا ما دامت مقدمات كثيرة مهدت لهذا الخروج ، و ما دامت سحابة فكر بدوي انغلاقي غطت الكثير من نواحي الحياة الفكرية و الاجتماعية لبلدنا منذ فتح الابواب للفكر الشرقي بمختلف تلاوينه الايديولوجية و الفكرية للهيمنة( مع استثناءات ممثلة في الفكر العقلاني لكن مع الاسف غلف بغلاف ايديولوجي قومي) للدخول الى البلد.
اولى التيارات التي هبت برياحها الشرقية فلوثت الفكر المغربي و حولته من فكر انفتاحي متحرر الى فكر انغلاقي (رغم مظهره المتحرر ) هو الفكر القومي الذي جعل المغرب في مواجهة الغرب نتج عنه ضياع عقود الستينات و السبعينات في مواجهة حادة بين تيارين : تيار اشتراكي قومي يتطلع الى الشرق البعثي و الناصري و تيار متحكم في دواليب الدولة يريد المزج بين السلفية و العصرنة، لكنه سيتقوى بالسلفيه بادخاله الفكر الوهابي الى البلد لمحاربة التيار القومي، و ازالة الفلسفة من البرامج الدراسية، فكانت الكارثة التي اتت على الاخضر و اليابس ليتسلل فكر اخر متخلف يمزج بين السياسة و الدين هو الفكر الاخواني الذي خرجت من رحمه التيارات التكفيرية المعاصرة.
و بما ان الجامعات هي مرآة فكر اي مجتمع، فلا غرو ان نجد جامعاتنا تصنف في ذيل الجامعات العالمية ما دام هذا الفكر الانغلاقي بوجهيه الوهابي و الاخواني يرتع فيها.
أليس مخجلا لنا جميعا ان تصبح جامعاتنا مرتعا لهذا الفكر ؟
اليس من المخجل ان تتسابق بعض الكليات العلمية و المعاهد ( في طنجة مثلا) لاستدعاء دعاة مهرجين للتهريج الفكري ( و لا نريد ذكر الاسماء) امام الطلبة الذين كان عليهم ، باعتبارهم حاملي الفكر العلمي ، محاربة هذا الفكر اللاعقلاني؟
اليس من المخجل استدعاء بعض الشعب في الجامعات للدعاة المتطرفين الذين ما يزالون يحنون الى مجتمع الموالي و الاماء امثال
الداعية هيثم طلعت و الداعية المتطرف عمر عبد الكافي الذي تم استدعاؤه لتدنيس مسرح محمد الخامس، و الداعية محمد العريفي صاحب فتوى جهاد النكاح و تحريم اختلاء الاب بابنته في المنزل و الذي استدعته جمعية الاصلاح و التوحيد و تم منعه من دخول البلد حفاظا على سمعة البلد، و غيرهم من الدعاة المتطرفين؟
و في هذا الاطار سنفهم العداء الشديد للتيار الاسلامي بالمغرب للغة الفرنسية باعتبارها لغة حاملة للقيم التنويرية لفلسفة الانوار و للثورة الفرنسية التي اطاحت بالكنيسة اي بالسلطة الدينية و هو ما يخافه الاسلاميون لأنها اي السلطة الدينية هي وسيلتهم السياسية الى الحكم، لكن هذا العداء للفرنسية باسم الهوية العربية و باسم الدين ينبهنا الى انه تكتيك سياسي لاستراتيجية بعيدة المدى للهيمنة على البلد ، و هو ما يدعونا كذلك الى التنبيه على ان فشل اقرار اللغة الفرنسية في تعليم العلوم بالمدرسة المغربية هو نجاح للمشروع الاخواني بالمغرب( فالتعليم يجب ان نبعد عنه السياسة و الايديولوجيات)
هذا المشروع الذي يتغيى سحب بساط الشرعية الدينية من السلطة الشرعية.
لكن ليس العشابون و الرقاة من ميزوا فاتح ماي لهذه السنة فهناك الفئة الطليعية للمجتمع و التي من البديهيات أن تقف في الطليعة لتنوير المجتمع و هي الحاملة عبر تاريخها الانساني و الوطني لفكرة التنوير و هي فئة الاطباء، فهل الجيل الجديد من الاطباء الذي تربى في ظل الفكر الوهابي و الاخواني المنتشر قادر على الاستمرار في حمل لواء التنوير مما حملته الاجيال التي سبقته؟
نرجو ان يكون البرنامج النضالي لطلبة كلية الطب باكادير و الذي يظهر تسلل الفكر الاخواني الى فقرات هذا البرنامج، برنامجا لا يعبر عن فكرهم العقلاني و التنويري المعروف عند الاطباء.
و لهذا فالواجب الوطني الآني يقتضي من القوى الحية و الديموقراطية و التنويرية التعجيل باصلاح المنظومة التعليمية على اساس تنويري قاعدته الارث الثقافي العقلاني المغربي و الانفتاح على الفكر العقلاني و التنويري الانساني، بالاعتماد على اللغتين الرسميتين و ارجاع الفرنسية الى تعليم العلوم. فبناء الانسان اهم من كل الاصلاحات، لأن الاصلاحات بدون تكوين مواطن واع بهويته المغربية و متشبع بالفكرالعقلاني و الانساني ككسكاس نغرف به الماء، او مثل ” زوند والي ئران اد يامز تاكوت” كما يقول المثل الامازيغي.
ذ. الحسن زهور
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.