عودة الى بغرير و صايكوك أو الصفاء اللغوي .
الدعوة الى النقاء العرقي المؤدي حتما الى الابادة الجماعيةلجنس معين بتبرير ديني او عرقي او ايديولوجي ..هي ما بنت عليه النازية الفاشية ايديولوجيتها و أدت الى الابادة الجماعية لليهود في المانيا و في البلدان التي احتلها النازيون، تلك الابادة التي تسمى في الادبيات السياسية والتاريخية بالهولوكوست. و قد سبق للاوروبيين الاوائل الوافدين الى امريكا ان استخمدوا صفاءهم العرقي في ابادة قبائل من الهنود الحمر و نفس الشيء قام به الاتراك العثمانيون في ابادة مليون ارمني في ما يسمى بالابادة الارمنية.
في بلدنا هبت على بعض المنتسبين الى الاحزاب القائمة على الايديولوجيا الدينية و القومية ومن شايعهم ريح ظاهرها الدفاع عن العربية و باطنها عرقية تدعو الى النقاء اللغوي اسوة بالنقاء العرقي الذي اعتمدت عليه الايديولوجيا النازية. هبت ريح “ويمينك” اي الشرقية فجأة تروم حذف كلمات امازيغية من الكتب المدرسية فتجيشت المواقع الالكترونية و الصحفية و الحسابات الشخصية في الانترنيت و في الواتساب ..في جيوش متراصة امام هذا الدخيل على اللغة العربية بالمغرب و كأن غزوا خارجيا او طاعونا مدمرا حل بهذا البلد، و ركب الفريق الاسلامي في البرلمان الموجة و قدم مقترح نقائه اللغوي الى البرلمان مساندا ممن سبقوه في الدعوة جهارا و تكرارا الى هذا النقاء.
فكرة النقاء اللغوي هذه التي اشعلها هؤلاء اسوة بالنقاء العرقي التي ارتكزت عليها الايديولوجيات العنصرية انتشرت فجأة كالنار في الهشيم .. و شغلت الناس و الهبت مشاعرهم الدينية و الجنسية التي كرسها القوميون و الاسلاميون بالمغرب منذ الستينات الى حد اصبح فيه المغرب في حالة حرب ضد هويته و ضد ثقافته لئلا تقوم اية قائمة لهذا التميز المغربي الذي يغضب الكثيرين في الداخل و في الخارج، مما دفع وزارة التربية الوطنية الى نوع من الاعتذار لهذه الجيوش المجيشة على ورود كلمات مغربية امازيغية في المقررات الدراسية الابتدا ئية بتبرير ذلك في بيانها ب” مبررات بيداغوجية صرفة” و هو تبرير سخيف و بليد لا يليق بوازارة تحمل اسم ” الوطنية”.
فبدلا من تبرير استعمال كلمات مغربية و امازيغية بكونها كلمات دالة على اسماء اكلات مغربية( نفتخر بها باعتبارها رموزا لهويتنا المغربية) ليس لها ما يقابلها في العربية، انجرت الوزارة بدورها الى النقاء اللغوي لارضاء شريحة ايديولوجية ما زالت تومن بالنقاء الديني و اللغوي و العرقي في هذا البلد المتنوع و المتعدد في وحدته، بل بلغ ضعف الوزارة درجة تغيير الكتاب المدرسي ( المستوى الثاني ابتدائي) الذي وردت فيه هذه الكلمات المغربية من اجل ارضاء ذوي النقاء اللغوي.
ورغم ان هذه الكلمات الامازيغية و الدارجية وضعت في الكتاب المدرسي بين مزدوجتين فلم يشفع لها ذلك في الدعوة الى اجتثاثها للابقاء على النقاء اللغوي، و لكن ان سألت هؤلاء المؤدلجين و من شايعهم عن مقابل ” بغرير، صيكوك، الغريبة…” بالعربية لبهتوا، او لأوجدوا لها اصلا فرنسيا كما وجدها البعض من “المؤرخين” لكلمة ” صيكوك” الامازيغية.
لكن السؤال هو: اي نقاء لغوي يريده هؤلاء المؤدلجون ؟
اذا عدنا الى كتب المقررات الدراسية لجميع المستويات سنجد المئات ان لم نقل الآلاف من الكلمات الاجنبية سواء الفرنسية او التركية او غيرهما توظف في الكتب المدرسية و تحملها اللغة العربية الى ان اصبحت عربية المبنى اما اللفظ و المعنى فيبقى على اصله الاجنبي، و الامثلة كثيرة لا يسعها كتاب مثل : التيلفون، الهاتف، الانترنيت، الشكولاطة، الاستاذ، الطباشير..
هذه الكلمات الاجنبية لا تمثل إشكالا لدى هؤلاء المؤدلجين ما دامت هي اجنبية، لكن ان يتم توظيف كلمات امازيغية لأكلات امازيغية مغربية هنا تثور ثائرة المؤدلجين بدعوى تلويث اللغة العربية بكلمات من لغة وطنية انتجتها هذه الارض-التي يعيشون فيها- منذ غابر الازمان، و يعتبرونها دونية لا تليق بتشويه نقاء لغتهم التي اقتحمتها التركية و الفارسية و الفرنسية بكلماتها و بتعابيرها، لكن هذا الاقتحام يعتبر في نظرهم تحديثا للغة لكن ان تقتحمها كلمات مغربية امازيغية تعتبر في نظرهم تلويثا و تشويها لها نظرا للوعي الجماعي( و ليس الجمعي) عند هؤلاء المؤدلجين و من شايعهم و الذي قولبته الاحزاب القومية و الاسلامية في قالبها الايديولوجي العرقي المستورد من الشرق.
هذا الوعي الجماعي المقولب هو ما دفع بعض مفكري الحركة القومية بالمغرب الى الدعوة بدون خجل الى اماتة اللهجات الامازيغية في احدى كتبه حفاظا على الصفاء اللغوي.
و هذا ما دفع كذلك بعض الاحزاب القومية و الاسلامية الى الوقوف بشدة ضد ترسيم الامازيغية في دستور 2911،
و هو نفس الموقف الذي دفعها الآن الى معارضة ادخال الامازيغية في الاوراق النقدية بدعوى مضمرة هي هذا الصفاء اللغوي، لكن ان يتم تزيينها بالفرنسية فذاك عصرنة بالنسبة لهم. و هذا النقاء اللغوي و العرقي هو ما دفع البرلماني المقرئ ابي زيد الى اضحاك اسياده السعوديين بنكتة سمجة عن التجار الامازيغ كجنس متخلف و بخيل ( عندنا تجار من جنس معين) في نظر عرقيته المبنية على التفوق العرقي و اللغوي، و هو ما دفع صحفي في اذاعة مغربية خاصة الى التهكم على التجار ” الشلوح” دون ان تتخذ الهاكا موقفا و لو بادانة هذا السلوك العنصري في وسائل الاعلام.
و نفس النقاء اللغوي و العرقي هو ما دفع رئيس الوزراء السابق السيد بن كيران الى نعت تيفيناغ ب: ” الشينوية” ، و الى سب الامازيغ: ” باش كاع كايفطر الشلح”. و نفس النقاء اللغوي هو ما يدفع حزب العدالة و التنمية اليوم الى محاربته الشديدة لكتابة الامازيغية بحرف تيفيناغ لأنه يشوه الفضاء اللغوي بالمغرب حسب زعمهم الجنسي.
يقول المثل الامازيغي: ” ازرو ن تمازيرت اسا ئبنا يان”.
ذ لحسن زهور
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.