علاقة ملوك الدولة العلوية بالأمازيغية..

لحسن بازغ

يمكن القول إن الملكية معروفة عند الأمازيغ منذ القدم، فالملك يقال له (أكليد) والملكة (تاكليدت). فقد تم تأسيس مرحلة مهمة أنداك وهي احتضان الأمازيغ للمماليك الإسلامية بالمغرب. يكون الملك من آل البيت أو من العلماء ويرتبط نسبه عن طريق المصاهرة بالزواج، وإذا رجعنا إلى التاريخ خاصة في القرن الثاني الهجري لما جاء ادريس الأول وهو من آل البيت إلى المغرب فارا من بطش العباسيين فاحتضنته قبيلة أوربة الأمازيغية فأقام دولة ملكية الأدارسة بالمغرب، بعدها جاء المرابطين فالموحدين والسعديين والعلويين.

وقد حرص الملوك العلويون فيما بعد على تعليم الأمازيغية لأولياء عهدهم، ولم ينقطع هذا العمل إلا مع الملك عبد العزيز بن الحسن الأول لظروف خاصة.

وانطلاقا من الملك محمد الخامس، عادت الأمازيغية لتأخذ طريقها من جديد مع كل من المرحوم الحسن الثاني ومحمد السادس.

هذه العلاقة التكاملية التي تجمع الأمازيغية بالملكية كانت السبب الرئيسي الذي أعلن فيه المرحوم الحسن الثاني في 20 غشت 1994 الذكرى 41 لثورة الملك والشعب عن قرار تاريخي وهو إدماج الأمازيغية اي اللهجات في المنظومة التربوية، والذي صرح فيه بأن الأمازيغية جزء في ثقافة المغرب.

وكان من النتائج الإيجابية والمباشرة لهذه الخطوة ظهور آليات أخرى تجسد كلها الالتفات إلى الأمازيغية وهي إدخال نشرة أخبار مسائية متلفزة باللهجات تامزيغت وتريفيت وتاشلحيت سنة 1995.وستليها مبادرات اخرى ايجابية .

أما الملك محمد السادس فقد جعل في خطاب العرش يوم 30 يوليوز 2001 مناسبة مهمة لمكاشفة الشعب المغربي بمسألة تتعلق بالهوية المتميزة بالتنوع والتعددية والوحدة والالتحام والتفرد عبر التاريخ حيث قال “وحرصا منا لتقوية دعائم هويتنا العريقة واعتبارا منا لضرورة إعطاء دفعة جديدة لثقافتنا الأمازيغية التي تشكل ثروة وطنية لتمكينها من وسائل المحافظة عليها والنهوض بها وتنميتها، فقد قررنا أن نحدث بجانب جلالتنا الشريفة وفي إطار رعايتنا السامية معهدا ملكيا للثقافة الأمازيغية نضع على عاتقه علاوة على النهوض بالثقافة الأمازيغية، الاضطلاع بجانب القطاعات الوزارية المعنية بمهام وصياغة وإعداد ومتابعة عملية إدماج الأمازيغية في التعليم وإعطائها فرصة الاقتراح بما من شأنه تقرير مكانة الأمازيغية في الفضاء الاجتماعي والثقافي والإعلامي الوطني والشأن المحلي والجهوي مجسدين بذلك البعد الثقافي المفهوم الجديد للسلطة الذي نحرص على إرسائه وتفعيله باستمرار”.

ولقد تلا ذلك وضع الطابع الشريف على الظهير المحدث والمنظم للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية يوم 17أكتوبر 2001، تخل ذكراه اليوم، في أجدير بإقليم خنيفرة حيث قال جلالته بالمناسبة ” إننا نريد في المقام الأول التعبير عن إقرارنا جميعا بكل مقومات تاريخنا الجماعي وهويتنا الثقافية الوطنية التي تشكلت من روافد متعددة صهرت تاريخنا الجماعي ونسجت هويتنا في ارتباط وثيق بوحدة أمتنا الملتحمة بثوابها المقدسة “، مؤكدا أن الأمازيغية التي تمتد في أعماق تاريخ الشعب المغربي هي ملك لكل المغاربة بدون استثناء وأنه لا يمكن اتخاذ الأمازيغية مطية لخدمة أغراض سياسية كيفما كانت طبيعتها “.

بعدها عين الملك محمد السادس محمد شفيق عميدا للمعهد المذكور مشددا على أن تعكس تركيبة مجلس إدارته ومختلف الدراسات والمقترحات والتوصيات الصادرة عنه البعد الوطني للثقافة الأمازيغية.

مبادرة الملك هاته كانت مسبوقة بمجموعة من المؤشرات منذ تولية العرش والتي تدل على أن مبادرته هذه ليس نتيجة ضغط أحداث داخلية أو خارجية بل نابعة من قناعاته بالموضوع وفي سياق الثقافة السياسية المغربية، وهذه بعض المؤشرات باختصار :

  • تسمية جلالته لفوج الضباط سنة 2001 بفوج المختار السوسي.
  • تصحيحه أثناء حوار مع le figaro لكلمة بربر بإيمازيغن وإظهاره لجذوره الأمازيغية (أبي عربي أما أمي فهي أمازيغية)
  • تعيين حسن أوريد ناطقا رسميا باسم القصر الملكي الأمر الذي اعتبره الأمازيغيون خير إنصاف للأطر الأمازيغية.
  • تكلفه بمصاريف العلاج لأحد مناضلي الأمازيغية على صدفي أزايكو بفرنسا (معتقل الأمازيغية سابقا).
  • إشارته بضرورة تخصيص مترجمين يكونون رهن إشارة المتقاضين الذين لا يعرفون العربية في المحاكم.
  • الزيارة التاريخية للريف والتدشينات في المناطق الأمازيغية لفك العزلة عنها.

فإذا كان تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية محكوم برؤية مجتمعية، فإنه مع ذلك لا يخلو من دلالات أخرى ومن رسائل وإشارات موجهة إلى عدة أطراف وفاعلين سواء من حيث بنيته التنظيمية وهيكلته أو من حيث الطريقة التي تأسس بها.

ذلك أن المعهد الملكي تم إحداثه بظهير شريف، وعميد المعهد الذي تولى إدارته هو محمد شفيق صاحب البيان الأمازيغي وعضو أكاديمية المملكة وتولى سابقا إدارة المدرسة المولوية… إضافة إلى الأمين العام للسكرتارية الإدارية للمعهد وأعضاء مجلس إدارته تم تعيينهم أيضا من طرف الملك، وقد تم هذا التعيين بناء على المسطرة المتفق عليها بين عميد المعهد واللجنة الملكية والقاضية بأن يعد محمد شفيق لائحة وكذلك الأمر بالنسبة للجنة الملكية على أساس أن يتم القبول الأتوماتيكي للأسماء المتكررة في اللائحتين ويبحث عن التوافق بالنسبة للأسماء الأخرى.

فحسب الظهير المؤسس والمنظم للمعهد نجد أنه سيقوم بإبداء رأيه لجلالة الملك في التدابير التي من شأنها الحفاظ على الثقافة الأمازيغية والنهوض بها في جميع تعابيرها (له دور استشاري) كما أنه سيساهم في وضع السياسات التي تمكن من إدراج ودمج اللغة الامازيغية في المنظومة التربوية وضمان إشعاعها في المجال الاجتماعي والثقافي والإعلامي الجهوي والوطني (دور الدراسة والبحث العلمي وخاصة في مجال التربية وتعليم الأمازيغية).

ويقوم بتسيير هذا المعهد بحسب الظهير، مجلس إداري مكون من 40 عضوا على الأكثر يعينون من طرف الملك لمدة 4 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة الشيء الذي سيمكن من ضخ دماء جديدة في المعهد في كل مرحلة، ويدير المعهد عميد يعينه الملك من مهامه إعداد مشروع النظام الداخلي للمعهد وإحالته على المجلس الإداري لدراسته ورفعه إلى الملك للمصادقة عليه، كما يقوم أيضا برفع تقرير سنوي للملك مفصل مصادق عليه من قبل المجلس الإداري عن أنشطة المعهد وبرامجه والمشاريع التي سيعلن عن إنجازها في كل سنة وعن سير وتدبير الميزانية، ويأمر جلالته عند الاقتضاء بنشر التقرير السنوي كلا أو جزءا في الجريدة الرسمية.


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading