عبدالله حتوس: في حاجة الحركة الأمازيغية لفضيلة الإعتراف (حوار)
حاوره الحسن باكريم//
نستضيف في موقع أزول بريس، المناضل والباحث الأمازيغي، عبد الله حتوس، في حوار قصير، حول مستجدات اللحظة الراهنة من تاريخ المغرب وتاريخ الحركة الأمازيغية، هو حوار للنبش في ذاكرة الحركة والوقوف عند أهمية الحفاظ عليها والإهتمام بفضيلة الإعتراف.
يوم 2 أبريل المقبل تكون قد مرت سنتان على وفاة الخبير القانوني والناشط الأمازيغي الحسين الملكي بعد أن غادرنا قبله الأستاذ براهيم اخياط والمناضل محمد منيب ونشطاء آخرون أخذتهم المنية منا. ما قراءتكم لكل هذه الفواجع؟
كل هذه الفواجع تقلب المواجع كلما تذكرنا تلك اللحظات التي قضيناها مع كل واحد من عمالقة النضال الأمازيغي الذين غادرونا. أومن بأن الموت ليس النهاية بل بداية حياة أخرى على كل المستويات، فمثلا وفاة حكيم النهضة الأمازيغية الأستاذ براهيم اخياط ليس نهاية أخياط/المشروع الأمازيغي الذي نذر حياته كي ينجح، في كل خطوة يخطوها الملف الأمازيغي هناك براهيم أخياط، في كل صمود وهبة ضد مكر وتضليل البيروقراطية واالبيروقراطيين هناك الراحل الكبير محمد منيب، وأمام كل إشكال قانوني نواجهه وسنواجهه في مسار المأسسة سيكون الخبير الحسين الملكي متواجدا، كما سيتواجد عمالقة آخرون ودعونا، كالمناضل عبد المالك أوسادن والمؤرخ على صدقي أزايكو وقاضي قدور ونشطاء كبار آخرون لا يتسع المقام لذكرهم.
حينما ووجهت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون بكم هائل من النقد بعد الشريط الفضيحة خلال اليومين السابقين (شريط ثامن مارس)، تخيلت الفقيد محمد منيب مبتسما وهو يرى ممارسة فضلى زرعها في النضال الأمازيغي تعطي ثمارها. لقد ندر حياته، رحمه الله، لمواجهة خبث ومكر بيروقراطية وزارة التربية الوطنية في توظيفها لأكذوبة “الظهير البربري” فواجهها بالحجة والدليل وأسس لذلك حركة “تيضاف” ورفع دعوى قضائية ضدها، انتهت بتوقف تلك البيروقراطية المضللة عن توظيف الأكذوبة بل بدأت المراجع والكتب الدراسية في السنوات الأخيرة تنتصر نسبيا للحقيقة الموضوعية ولتاريخ البلاد بلا تضليل ولا تزوير.
في رثاء الراحل مجمد منيب كتب الأستاذ أحمد عصيد: “الناس عابرون والزمن يرسم آثاره على الأجساد والنفوس قبل ان تتلاشى، لكن عبور الناس في الزمن والتاريخ لا يعني النهاية، فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي يترك أثرا خالدا بحكم اشتغاله بالرمزي، وإعادة تشكيله لذاته ولمحيطه.”
للأسف لم تؤسس النخبة الأمازيغية لثقافة حفظ الذاكرة. يجب أن تتذكر بأن الإعتراف فضيلة، واعتقد بأنه مازال لديها ما يكفي من الوقت لحفظ الذاكرة ولزرع فضيلة الإعتراف في صفوفها وفي صفوف الجماهير الأمازيغية.
ماذا تقصدون بفضيلة الإعتراف؟
في هذا الزمن المتميز بجبروت اللحظية – l’instantaniété- وبانغماس كلي للأفراد في ثقافة “الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك” بدل ثقافة الوقت هو الحياة، يصبح الناس عبيدا لجبروت الوقت، ينسون كل شيء ولا مكان للذاكرة في أجنداتهم. في زحمة هذا الجبروت نسيت النخبة الأمازيغية شموعا احترقت كي يضاء زمننا الأمازيغي هذا، نسيت روادها الأحياء والأموات.
التحرر من جبروت ثقافة “الوقت كالسيف”، سيمكننا من حفظ ذاكرة من أسسوا أم الجمعيات الأمازيغية بالمغرب”جمعية البحث والتبادل الثقافي”، سيمكننا من كتابة تاريخ الجيل المؤسس لجمعية “الجامعة الصيفية” أول مركز للتفكير العلمي حول الأمازيغية بشمال إفريقيا، ومصدر الأدبيات الأولى للحركة الثقافية الأمازيغية بالمغرب ومنطلق تنسيق أعمالها. التحرر من ذاك الجبروت سيمكن أجيال العشريات الثلاث الأخيرة من معرفة حجم ما قدمه عمالقة الجيل الأول من المناضلين للأمازيغية بكل أبعادها، كما سيمكن من الإحتفاء بمن بقي من ذلك الجيل، سيعرف بالمساهمة الكبيرة لجمعية تاماينوت (الجمعية الجديدة للثقافة والفنون الشعبية سابقا) في استقطاب الشباب وتلقيح الخطاب الأمازيغي بأفكار التحرر وربطه بنضالات الجماهير الشعبية. سيمكن أيضا من التعريف بالعمل الجبار لعمالقة النضال الأمازيغي بالريف والأطلس المتوسط والكبير والجنوب الشرقي.
يجب على النخبة الأمازيغية أن تدرك بأن علم النفس أثبت بأن الإعتراف للناس بما قدموه من أعمال جليلة ومن تضحيات منتج للمحفزات الضرورية على المزيد من الفعل والتضحية، ويتجاوز تأثيره الإيجابي حلقة المحتفى بهم ليطال محيطهم ومن سار على دربهم وخصوصا الشباب. حينما نعترف لمن سبقنا بما قدموه من تضحيات، نكون قد صنعنا روافع للتاثير على الحاضر والمستقبل. حفظ ذاكرة من غادرونا من عمالقة النضال الأمازيغي والإحتفاء بمن بقي من الجيل المؤسس هو تكريس لفضيلة الإعتراف كممارسة فضلى، وسيكون من شأنه تطمين النشطاء الماسكين على الجمر في الميدان بأنهم سيبقون خالدين وبأن عبورهم ليس نهاية مسار بل بداية أسطورتهم كمقاتلين من أجل أن يشع النور وينجلي الظلام. يجب على النخبة الأمازيغية أن تحفظ لكل عملاق وعملاقة من عمالقتها أسطورته، فالأجيال الحالية والمقبلة في حاجة إلى رموز ترجع إليها كلما ضاقت بها السبل.
هل ما زال الحديث عن العمالقة ممكنا الآن؟
كمتتبع للساحة النضالية الأمازيغية، يمكن أن أقول بأن النضال الأمازيغي يعج بالكثير من الفعاليات المناضلة التي تستحق كل التقدير والإحترام ؛ فما تنتجه جمعية “تيرا” كبير جدا ويعد نموذجا ناجحا بكل المقاييس، ما ينتجه الباحثون في إيركام وفي الجامعات يستحق التنويه به، ما حققته جمعية الجامعة الصيفية خلال الثلاث سنوات الأخيرة يشرف تاريخ هذا الصرح النضالي، صمود العالم الأمازيغي و نبض المجتمع ليس ممكنا دون أن تكون وراءه إرادات قوية، مذكرة منطمة تاماينوت والجامعة الصيفية حول النموذج التنموي مثال آخر عن النضال المنتج للأمل، نفس الشيء يمكن قوله عن الأعمال النوعية للشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة، المواكبة الفعالة لبعض الفعاليات الحزبية الأمازيغية لمسار مأسسة الأمازيغية يستحق الإشادة. أكتفي بهذه النماذج وأستسمح عن عدم ذكر الكثير من الأعمال الكبيرة الأخرى المنتجة للمعنى وللقيمة المضافة.
ماذا ينقص الحركة الأمازيغية إذن؟
إعتراف الجميع بالجميع، الإعتراف ثم الإعتراف بتضحيات المتواجدين في الميدان، واحترام قناعات الجميع كيفما كانت، مادامت تصب في اتجاه الهدف الإستراتيجي المتمثل في إنصاف الأمازيغية بكل أبعادها، حتى تساهم في تحرير الإنسان من الإستلاب والدونية والتخلف، ارتكازا على وعيه بذاته وتمتعه بلغتة وثقافته وهويته… أجد متعة كبيرة في الإنصات للفنان يوبا يغني :
« Aws igwmak ay ghwli ngh as tunft a yzri »
التعليقات مغلقة.