عبد الله حتوس: التيار الإخواني عمق يأس الشباب المغربي من السياسة والسياسيين
أزول بريس - حوار لبوابة افريقيا الاخبارية / علي الانصاري
في حوار مع الاستاذ عبد الله حتوس الباحث والفاعل الحقوقي المغربي، يرى أن أخطر ما في تجربة تسيد أحزاب الاسلام السياسي في البلدان المغاربية، هو الإجهاز على الأمل في التغيير وفي الإصلاح، الذي هبت نسماته على منطقة شمال افريقيا والشرق الأوسط، ليتحول “الربيع” إلى خريف كئيب وبئيس.
ويعتقد بأن حزب العدالة والتنمية، أضاع على المغرب عشر سنوات كاملة، كان بالإمكان استثمارها لتحقيق تنزيل ديمقراطي للدستور.
وفي تونس حزب النهضة يتحمل مسؤولية ترهيب المعارضين والعلمانيين.
وفي مصر كان الإخوان المسلمون قاب قوسين او أدناه من الإجهاز على العيش المشترك بين مكونات الشعب المصري، وفيما يلي نص الحوار:
.الإجهاز على الامل
*لعل من أهم نتائج ما سمي ربيعا عربيا، هو تسيد التيار الاخواني للمشهد، الآن بعد ما يقارب العشر سنوات، نجد أن لا شئ تحقق وأن نظريات الاخوان بالتغيير تبقى مجرد اوهام، لماذا برأيك؟
**مسألة تقييم تجربة الأحزاب الإخوانية التي تسيدت المشهد السياسي بعد ركوبها على موجة “الربيع الديمقراطي”، تحتاج إلى المزيد من الوقت حتى يظهر ما خفي من جبل الجليد. لكنه يمكن القول بأن أخطر ما في تجربة هذه الأحزاب هو الإجهاز على الأمل في التغيير وفي الإصلاح، الذي هبت نسماته على منطقة شمال افريقيا والشرق الأوسط، ليتحول الربيع إلى خريف كئيب وبئيس.
لقد استطاعت التيارات الإخوانية خداع الناس بعض الوقت ولكنها لم تستطع خداعهم كل الوقت، لكن تلك الفترة الوجيزة التي خدعت فيها الناس واستطاعت فيه الوصول إلى السلطة، كان كافيا للإجهاز على الأمل في بناء ديمقراطية قابلة على الصمود والحياة. في المغرب مثلا، أضاع حزب العدالة والتنمية على المغاربة عشر سنوات كاملة، كان بالإمكان استثمارها لتحقيق تنزيل ديمقراطي للدستور الذي ساهمت حركة عشرين فبراير في إخراجه إلى الوجود، وكانت كافية أيضا للإنتقال بالمغرب من المنطقة الرمادية التي يوجد فيها ليكون قوة اقتصادية صاعدة ونموذجا في البناء الديمقراطي.
فرئيس الحكومة المغربية (2011 – 2016) الإخواني عبد الإلاه بنكيران، أضاع خمس سنوات في الكلام الفرجوي سعيا منه للفت انتباه الشعب المغربي إلى الفرجة (Le spectacle) حتى لا ينتبه المغاربة إلى المضمون البئيس لخطاب وممارسة التيارالإخواني المغربي للسلطة، أما خلفه السيد سعد الدين العثماني فقد تاه به افتقاده للكفاءة في عتمة الدروب الفاصلة بين مقر حزب العدالة والتنمية ومقر رئاسة الحكومة، ليضيف على عبث سلفه مزيدا من العبث.
.اجتثاث المعارضين
*شعارات التغيير والإصلاح من الداخل ومراجعات المذهبية، تحولت إلى برنامج تمكين وسيطرة بأساليب متعددة، منها الديمقراطية، هل المشكلة في الديمقراطية ام في غياب تيارات مقاومة وبدائل؟
**ما تفضلت به عناوين لإشكاليات مركبة لا يتسع المجال للتطرق إليها، دعنا في نتائج برنامج التمكين. في مصر مثلا (القوة الاقتصادية الثالثة في إفريقيا) كان الإخوان المسلمون قاب قوسين او أدناه من الإجهاز على العيش المشترك بين مكونات الشعب المصري، بمعنى آخر كانت مصر في عهد حكمهم على شفى حرب أهلية. باركوا سحل الشيعة المصريين من طرف أنصارهم وأنصار التيار السلفي وحرضوا على قتلهم بسبب مذهبهم الديني، وقتلوا بعضا من قيادات الشيعة في محافظة الجيزة سنة 2013، كما سكتوا عن ما كان يدبر ضد الكنائس والأقباط، ودفعوا العلمانيين إلى المنافي الاختيارية. بل كان الاقتتال بينهم وبين أنصار التيار السلفي، مادة دسمة للصحافة العالمية التي وقفت على جيل جديد من الحروب الدينية بين السلفيين والإخوانيين حول من يمثل الإسلام السني.
في تونس أيضا حاول حزب النهضة جر التونسيون إلى حرب اجتثاث التيارات العلمانية، فحزب النهضة يتحمل مسؤولية ترهيب المعارضين والعلمانيين؛ فالعديد من الأصوات في تونس، تحمله مسؤولية اغتيال زعيمين سياسيين تونسيين وهما شكري بلعيد ومحمد البراهمي. كما ساهم حزب الغنوشي في فتح الأبواب أمام المخابرات التركية لتجنيد الشباب التونسي للقتال في صفوف داعش في سوريا والعراق. في سوريا، مادام الشيء بالشيء يذكر، تحول الإخوان المسلمون في هذا البلد إلى مجرد قسم (division) في الهيكل التنظيمي للمخابرات التركية، شأنهم في ذلك شأن الكثير من التيارات الإخوانية في المنطقة، التي تراهن على العثمانيين الجدد للوصول إلى الحكم، أو الاحتفاظ به بالنسبة للبعض منهم الذي يحكم في بعض الدول.
. السم في الدسم
*التيارات الإسلامية رغم مرجعيتها، اصبحت تتحاجج بتطبيق الديمقراطية، لأنها وسيلتها للوصول للحكم، كيف السبيل لحماية المبدأ الديمقراطي من هذا التسلط؟
**العلاقة بين التيار الإخوان والديمقراطية كالسم في الدسم، فيحق فيهم قول البوصيري: كم حسّنت لذّة للمرء قاتلة … من حيث لم يدر أنّ السّمّ في الدّسم. العرض السياسي للإخوان كان مضمونه جذابا للكثير من الفئات الشعبية في المغرب وغيره من بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط، عرضهم كان بسيطا: ديمقراطية تحت راية الإسلام.
في مصر تحول العرض السياسي للإخوان إلى احتباس مجتمعي وأسلوب متوحش في تدبير شؤون حكم مائة مليون مصري، انتهي بعودة الجيش المصري لحكم مصر. في تونس نجح حزب النهضة في دفع التونسيين إلى الكفر بالديمقراطية بالنسبة للبعض والحنين إلى عهد بنعلي بالنسبة للبعض الآخر. في ليبيا سلم التيار الإخواني مفاتيح الغرب الليبي لأردوغان ويشتغل على إقناع سكان الغرب الليبي على الولاء التام للأتراك. في سوريا أشعل التيار الإخواني شرارة تدمير سوريا، بقيادة تركية ودعم خليجي. في المغرب أضاع التيار الإخواني على المغاربة عشر سنوات من حياتهم السياسية، وعمق يأس الشباب المغربي من السياسة والسياسيين…
. السياسة الأمريكية والاخوان
*عندما ننظر إلى الخارطة المغاربية، نجد الزخم الاسلاموي يتزايد ويفرض نفسه بحيل متعددة، هل هناك مخطط فعلي جماعي لهذه التيارات؟
**قوة التيارات الإخوانية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، تستمد من عوامل داخلية وأخرى خارجية، لكن اعتقد بأن هناك عامل خارجي أساسي ووازن أهم بكثير من العوامل الداخلية. هذا العامل الخارجي يتمثل في السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية ومخططاتها الإستراتيجية في المنطقة. لقد أشار الكثير من الباحثين المهتمين بالظاهرة الإخوانية إلى ذلك، فصاحب كتاب “إسلام السوق” الباحث السويسري باتريك هايني أشار إلى ذلك وأكد عليه باحثون آخرون.
بالنسبة لهايني تندرج السياسة الإسلامية الجديدة للولايات المتحدة الأمريكية ضمن “حرب الأفكار”، للتأثير ليس فقط على المجتمعات المسلمة ولكن على الإسلام نفسه من خلال دعم الإسلام السياسي النيوليبرالي، كما أن تلك السياسة جزء من استراتيجية التمكين للنموذج النيوليبرالي وتوأمه الرأسمالية المتوحشة في العالم الإسلامي، مغلفان بما يلزم من التدين المشَذب والمعالج وفق معايير “المنجمنت” –le management – على الطريقة الأمريكية. لذلك تقدم الولايات المتحدة الأمريكية كل الدعم اللازم لتنظيمات الإسلام السياسي النيوليبرالي ومن بينها المغربية.
.أذناب تركيا العثمانية
*منذ وصول اردغان الى الحكم في تركيا، أصبح العدالة والتنمية التركي المرجع الأساسي للإسلام السياسي، فتم الترويج لنجاحات تركيا الاقتصادية، ولأردغان كقائد للأمة الإسلامية في مواجهة الغرب، كان من نتائج ذلك أن النموذج التركي يطبق في ليبيا مع حزب العدالة والبناء وفي تونس مع النهضة والمغرب بشكل اقل مع العدالة والتنمية والجزائر في الطريق، هل يعني ذلك أن تركيا تغلغلت في المغارب ؟
**تركيا لم تتغلغل في المغرب وحسب بل لها ذئابها الرمادية يدافعون عن مصالحها حتى داخل مِؤسسات الدولة، خصوصا في البرلمان الذي يدافع فيه نواب حزب العدالة والتنمية وبكل الشراسة اللازمة عن المصالح التركية. لقد كتبت حول هذا الأمر، وكتب عنه آخرون. مخطئ من يعتقد بأن المقرئ أبوزيد الإدريسي، أشرس مدافع عن العثمانيين الجدد، حالة هامشية أو ذئب رمادي منفرد.
مخطئ من يعتقد بأن أقصى ما يمكن أن يقوم به قادة حزب المصباح المغربي لصالح إخوانهم الأتراك لن يتجاوز الدفاع المستميت عن المصالح الاقتصادية التركية بالمغرب، كما حصل سنة 2020 حينما هاجم نوابه بالبرلمان كل من سولت له نفسه المساس باتفاقية التبادل الحر بين المغرب وتركيا أو مواجهة الاختراق الاقتصادي والثقافي التركي للمغرب. فلتركيا اليوم ذئابها الرمادية بالمغرب يتجاوز ولاؤهم لتركيا الأردوغانية ولاء الجيل الحالي من قيادات المصباح للعثمانيين الجدد؛ فهذه الذئاب وأغلبهم من أبناء قيادات حزب المصباح وشبيبته، استفادوا من منح سخية للدراسة في كبريات الجامعات التركية وتم تكوينهم على الاستعداد للتضحية في سبيل إعادة أمجاد الخلافة العثمانية.
.المشروع الإيراني والتركي
*هل يمكن اعتبار التيارات الإسلامية بالنسبة لتركيا مثل حزب الله بالنسبة لايران، مع غياب الجانب العسكري؟
**مشروع العثمانيين الجدد يتجاوز المشروع الإيراني، في خطورته وقدرته على الاختراق وعلى التأثير والإستقطاب، لأن المشروع التركي يعتبر نفسه وريثا للإمبراطورية العثمانية، وبإمكانه الاعتماد على تيارات الإخوان المسلمين في شمال إفريقيا والشرق الأوسط. فالأستاذ “داوود احمد أوغلو” صاحب نظرية العمق الاستراتيجي و”صفر مشاكل” التي شرحها بالتفصيل في كتاب له يحمل نفس العنوان ، تحدث عن المجال العثماني منذ سنة 2010، ودافع عنه بشراسة حينما كان عضوا في حكومة أردوغان.
يقول المحلل الاستراتيجي جورج فريدمان: “تركيا قوة اقتصادية الآن، لكن دورها المستقبلي يتمحور حول نموذجها الثقافي، حيث ستتمكن من قيادة الدول الإسلامية في الشرق الأوسط كما فعلت الإمبراطورية العثمانية”. فمشروع قيادة الأمة الإسلامية في حاجة إلى حلفاء وتابعين للعثمانيين الجدد داخل كل البلدان الإسلامية، ومن أجل ذلك تشتغل القوة الناعمة التركية على تكوين وتدريب الآلاف من الشباب من كل البلدان الإسلامية ليكونوا سندا لها في مجهود إعادة أمجاد الخلافة العثمانية.
. الدين والدولة
*يلعب الدين دورا رئيسيا في الألة الدعاية للتيار الإسلاموي، هل السبب في ذلك الغموض على مستوى القوانيين؟
**يجب البحث عن الأسباب في إشكالية توظيف الدين في السياسة من طرف كل الأنظمة في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وبالتالي فالحل يوجد في فصل الدين عن السياسة، بما يكفل للمواطنين أمنهم الروحي ويحمي الدين من السياسة.
.ضعف العرض السياسي المعارض
* ما السبيل في رأيك لتجاوز هذه المرحلة وإيجاد بدائل سياسية قادرة على منافسة هذا التيار في الدول المغاربية؟
**تغول تيارات الإسلام السياسي يعود بالأساس إلى ضعف العرض السياسي لخصومهم، هم ليسوا بالقوة التي يروج لها الإعلام الغربي والدعاية الأمريكية التي تروج للإخوان؛ ففي المغرب مثلا، لا تتجاوز القاعدة الإنتخابية لحزب العدالة والتنمية مليون ونصف المليون ناخب، يحيطها الحزب بكل الدعاية والعمل الإحساني والخيري اللازمين حتى تبقى على وفائها للحزب. وإذا عرفنا بأن عدد الذين يحق لهم التصويت في المغرب يتجاوز 22 مليون مواطن ومواطنة، ندرك بأن حزب الإخوان المسلمين بالمغرب ضعيف جداولا يقنع سوى 5% من الهيئة الناخبة. فنجاحات حزب المصباح المغربي تعود بالأساس إلى الضعف الكبير لخصومه، كما تعود إلى هزالة العرض السياسي الحزبي في المغرب.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.