“هنـاك فـراغـات كـثيرة يتركـها الـراحـلون، فـراغـات لا يـمكن أن تملأها بـشخص آخـر” من بين هؤلاء رفيقنا عبد السلام المؤذن الذي ترك فراغا يصعب ملؤه.
الرفيق عبد السلام المؤذن، من المؤسسين الأوائل للحركة الماركسيةـ اللينينية وأحد قيادييها البارزين.. من مواليد قلعة السراغنة، بها تلقى تعليمه الإبتدائى والاعدادي، أكمل التعليم الثانوي بمراكش. تابع تعليمه العالي بكلية العلوم التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط وفي الجامعة.. وجد نفسه منغمسا في معارك ونقاشات الحركة الطلابية التي يؤطرها.. الاتحاد الوطني لطلبة المغرب.. والتي كانت في أوجها في تلك الحقبة، نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، من القرن الماضي، خصوصا بعد نكسة يونيو ــ حزيران ــ ١٩٦٧ وما أحدتثه من زلزال هز قناعات عددا كبيرا من الأحزاب العربية سواء منها القومية أو الاشراكية أو الوطنية، وخلق نقاشا واسعا ساهم فيه عدد من المثقفين وقادة الفكر والسياسة، وكذا ما خلفته إنتفاضة ٨ ماي ١٩٦٨ بفرنسا.. كل هذا انعكس على المؤذن وشغل فكره ووجدانه مما جعله يندمج كليا في نضالات الحركة الطلابية.. والنقاشات الفكرية والسياسية الخصبة التي كانت تعيشها الساحة الطلابية آنذاك، مما جعله يخصص جزءا من وقته للتثقيف الذاتي.. فبدأ بأمهات الفكر الماركسي.. مؤلفات ماركس، أنجلز، لينين، ماو تسي تونغ، روزا لوكسامبورغ، غرامشي.. ثم الاطلاع على مؤلفات الفلاسفة الألمان.. هيجل كمثال الخ. واهتم أيضا بدراسة الحركة الوطنية المغربية ومقاومة الشعب المغربي للاستعمارين الفرنسي والاسباني، وكذا الحركات الثورية في العالم.. الرفيق المؤذن زاوج بين النضال النظري والعملي مما جعله يفرض على نفسه نظاما صارما لا يحيد عنه، إلا لظروف قاهرة..
تعرفت على الرفيق المؤذن في بداية السبعينيات، بعد اعتقالات أبريل ١٩٧٢ والتي ابتدأت بأنيس بالافريج واللعبي وبلخضر ومن معهم.. وامتدت إلى أحمد حرزني والمعطي ـ أسيدون ـ والزرورة والبردوزي وعبد اللطيف الدرقاوي.. الخ.. وما أعقب هذه الاعتقالات من حملة شرسة للنظام ضد اليسار الجديد، تحت عنوان الاجتثاث..
كان المرحوم المؤذن، من بين رفاق آخرين، الذين تحملوا جمع شتات تنظيم 23 مارس الذي تأثر جراء إعتقال عدد من قيادييه وأطره، واضطرار البعض الآخر للتواري عن الأنظار، أو الهجرة للخارج.. في هذه الظروف تعرفت على رفيقي المرحوم المؤذن.. فقد كنت من بين من أُفلتوا من اعتقالات أبريل المشار إليها سابقا، حيث اضطررت لمغادرة الدار البيضاء إلى أن هدأت الأحوال فوقع الاتصال بي وعدت إلى البيضاء.. حيث كان أول من استقبلني محمد الكرفاتي، الذي كان أحد أعضاء قيادة التنظيم والذي أخذني إلى منزل الرفيق المرحوم المؤذن، وقد تكلفت وإياه، بإعداد وإصدار جل مطبوعات الحركة الماركسية ــ اللينينية، في ذلك الحين، مطبوعات الجبهة الطلابية الموحدة، النقابة الوطنية للتلاميذ.. وكانت أدوات الاشتغال، آلة كاتبة نوع أوليفتي.. لا زلت أتذكر اليوم الذي ذهبت فيه مع الصديق رشيد فكاك لشراء هذه الآلة من إحدى محلات شركة أوليفي بالبيضاء.. وقد ارتبطت بهذه الآلة وجدانيا وحرصت على الحفاظ عليها.. حتى لا يمسها سوء.. وحتى هذه اللحظة لا تزال نقراتها.. ترن في أذني.. فبهذه الآلة “المناضلة”.. أصدرنا آلاف المطبوعات، ومن بينها إلى الأمام التي أصدرنا منها العددين الأول والثاني، كمعبر وناطق باسم الحركة الماركسية ألف وباء.. وبعد الاختلاف حول تقييم الوضع السياسي، آنذاك، إنفرد التنظيم الآخر بإصدار العدد الثالث من نشرة إلى الأمام وأصبح يسمى باسمها.. وأصدرنا نحن مطبوعة جديدة سميناها ٢٣ مارس ومن هنا جاء إسم التنظيم الذي ننتمي إليه.. كان الرفيق المرحوم عبد السلام مكلفا بكل ما له علاقة بخارج المنزل، جلب الورق، الحبر، وكل ما يتعلق بالطبع، بينما أنا كلفت بالرقن والتصحيح والسحب على الرونيو، بينما رفاق آخرون مكلفون بالتوزيع، كل في مجاله..
منذ ذلك الوقت، ارتبطت بعلاقات وطيدة مع الرفيق عبد السلام، الذي كان طيب المعشر، دمث الأخلاق، ناكرا للذات.. تفكيره ووجدانه منصرفان للتفكير في مصير الوطن.. أتذكر ذات يوم.. من الأيام التي كنا نتواجد فيها في درب مولاي الشريف.. السيء الصيت.. جاء به الجلادون ووضعوه بجانبي وحين تعرف علي.. بدأ يسرد علي تحليلا سياسيا متكاملا سماه برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية.. للأنقاذ.. خطوطه العريضة إعادة بناء التنظيم، وإنشاء جبهة وطنية عريضة، تضم كل القوى الحية في البلاد..
في السجن كان صديق الجميع، لا يتخذ من الاختلاف في الرأي عداوة، كان الجميع يحترمونه ويسعون لاستشارته في أمورهم الشخصية والعامة..
كان غياب عبد السلام المفاجيء، وبالطريقة التي تم بها، خسارة لنا ولكل الشرفاء والفكر التقدمي، لا تعوض.
التعليقات مغلقة.