أكبر عذاب قد يعيشه المرء في حياته ان يلازمه الخوف والتوجس والترقب من خطر قادم يحسه ولكن لا يعرف زمن وقوعه ، فيموت في اليوم الف مرة،و يحيا يومه الموالي على نفس التخوفات والتوجسات..
هكذا صرنا نعيش قدرنا في هذه الاوطان التى حُرمنا فيها نعمة الامن والامان ، والسكينة والاطمئنان ..صرنا لقمة شهية لبعضنا البعض من طرف اخطاء بشرية ،صنعتها ظروف مقصودة او غير مقصودة ،وحمتها قوانين وضعية وَضيعة ومريضة ،باسم شعارات الحقوق والعقوق ، فاستفادت هذه الفئات من هذا المناخ ،بل واستقوت على ضحاياها ، وأباحت لنفسها كل الوان السرقة والاحتيال والتدليس والتعنيف والابتزاز والاغتصاب .
وهكذا صار المستضعفون في بلاد (سُرَّاقستان) بين نوعين من اللصوص ، والناهبين ، نوع ينهب مقدرات الوطن بقوة القانون ،ونوع آخر يسرق بعضه البعض بقانون القوة ،وتفرق دم المستضعفين بين الفئتين.
في وطن (سُراقستان) صرنا خدّاما وعبيدا صغارا عند كبار الاثرياء والاغنياء ، نَكْنِس حدائقهم ، ونحرس بنوكهم ،ونحمي تجارتهم ، ونلمع زجاج سياراتهم، وننظف رمال شواطئهم و نستهلك بضاعتهم..ونصْطَّف في اخر الشهر ، فقراء محتاجين ، كي نتلقف دريهمات من فياضانات أرباحهم ، ونتوسل من امام قصورهم المحصنة ،ليجودوا علينا ببعض فتاتهم الذي يُكنز في اجسادنا ذاك الوهم المتعارف عليه في كوننا نعيش ونحيا أحسن حالا من غيرنا .
في مدن (سراقستان) ، اصبح الرجال والنسوان ، منا ، يخرجون وقد تأبطوا الخوف وعانقوا الهوان ..اصبحنا نخاف من كل شئ ، نتوجس من كل قادم وملازم حتى من خيالنا الباهت نخاف ان ينقلب علينا وحشا يخنقنا ..صرنا نخاف من بني جلدتنا ان يُقطِّعوا جلودنا بسكاكينهم وسيوفهم .. ونخاف على الديار ان تسرق ونحن فيها راقدون، ونخشى الشمس ان تسرق من سمائنا في واضحة النهار، وتحت انظار عسسهم وحركة حرسهم ..
اصبحنا نتخلص من افكارنا الثورية ، وحقائبنا الفارغة ، وهواتفنا المتقادمة ، وألبستنا النقية ؛خوفا من ان تجر علينا متاعب النهب والسلب او الركل والسحل.
في قرى (سراقستان ) ، يُحتكر ماء الرَّيِّ ، وتنتخب قهرا ارض السقي ، ويغير اليها انسياب ماء الجداول ، وتنشط في غيرها صناعة المناجل والمراجل، استعدادا كي يسرق الحَب ليلا من قامة السنابل ..
في قرى (سراقستان) يُحال بين الزارع ومحصوله ، وبين البصر ومنظوره ،فلا يظفر الزارع حتى بملامسة بقايا سنابله الفارغة، او إلقاء نظرة الوداع على تربة حقله …
هكذا صرنا في وطن (سراقستان )لا نتقن سوى حركات التلَّفُّت ،و فنون الحذر ، و زفرات التنهد.. حتى لم نعد نبالي بنور القمر وحركة الشجر وهمسة القريب ، ونظرة الحبيب ..
هكذا صرنا بين فئتين من اللصوص ، فئة تسرق ارزاقنا وأحلامنا ، وفئة تسرق اقواتنا وأمْنَنا وسكينتنا .
كم اشتقنا ليوم الحساب والعقاب ..كم اشتقنا ان يُصْهر ويذوب هذا النوع من البشر مع النار والحجر ..فيسحق ويقهر حتى لا يبقى لهم بيننا اي اثر او تاريخ يذكر ..
لك الله يا وطن (سراقستان) …لك الله ياوطن (سراقستان) .
✍️- محمد خلوقي
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.