أزول بريس – محمد بقوح //
سينما كوليزي معلمة ثقافية كبيرة في وضع تراجيدي خطير يضرب مصداقية الفن في عمقه. بالصدفة، كان عبوري إلى جانب هذه التحفة.. سينما كوليزي، التي يمكنني نعتها اليوم بطلل فاضح لما تبقى من سينما كوليزي.
فكانت المفاجأة، شعور غريب انتابني، واستوقفني أمام هيكل هذه المعلمة، الذي تحول إلى فزاعة في مقبرة..!!
فكرت: كانت سينما كوليزي، في زمنها الذهبي، تعني أمكنة إنزكان كلها كمدينة للعبور في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.
بل كانت بالنسبة إلينا تشكل جزء من ذاكرتنا المشتركة.. ذاكرة جيلي الستيني الشغوف بالفن و الثقافة بكل أشكالها الأدبية و المسرحية و السنمائية و التشكيلية.
من منا لا يذكر حامل “طابلو” ملصق أفلام السينما الذي كان موقعه بالقرب من مقهى شهرزاد..؟ فيلمان كبيران بأربعة دراهم كافيان لجعلك أنت “الشبه البدوي” تنفتح على حياة عمران المدائن في الشاشة الكبرى، حسب تعبير فيروز.
إما فيلم هندي و كراطي، أو كوميدي و ويستيرن. تتنفس من خلالهما حياة العالم في ليلة واحدة. عرفت بلاد الهند وإيقاعاتها الموسيقية و ثقافتها الغنية من خلال الفيلم الهندي..
أستحضر الآن فيلم ضوستي. العبقرية السنمائية في نسج خيوط قصة المعنى الإنساني للمجتمع العميق.. كما عشقت القوة الداخلية للإنسان الصيني من خلال أفلام بروسلي الذي ينتصر بدوره للمثل العليا وحب الحياة ونبذ الظلم و التظاهر و الكسل.
حين أفكر في كل الدروس التي تعلمتها من مدرسة سينما كوليزي بمدينة العبور / إنزكان، كما يحلو لي تسميتها دائما، أصاب بالدوار، لكنه دوار مرحلي، لأنني لا ألبث أن أحوله إلى سؤال أعود عبره، من مسافات زمن الأمس، لأجد نفسي أمام طللها المقدس الذي بات شبيها بضحية من ضحايا هذا الزمن المدنس..
لماذا تهميش هذه المعلمة و إقبارها إلى الأبد.. لماذا لم يتم إحياءها مجددا من قبل الجهات المسؤولة و الوصية على الشأن الثقافي في المدينة.. ؟؟
رجعت بي ذاكرتي مجددا إلى شخص اقترن اسمه باسم سينما كوليزي في عهدها المزدهر. هو حسن عزي. الشخص الذي يقوم بكل شيء من أجلنا.. من أجل أن يوفر لنا، نحن مراهقي الدشيرة، المتعبين بعياء المشي من أجل التنقل إلى عمق إنزكان، بقاماتنا القصيرة و النحيفة، تذكرة الدخول إلى قاعة الفرجة السنمائية. كان الرجل الأسمر الخلوق يتمتع بجسد قوي وصحة جيدة..
عدت إلى الشرخ في ذاكرتي.. إلى الواقع الدرامي لسينما كوليزي أمامي.. إلى نعشها التاريخي.. ارتعشت يدي قبل أن تمتد إلى جيبي لأخذ الهاتف. لم أهتم بشباب المنطقة الذي يحوم حولي وحولها، غير مبالين بي ولا بمعلمة إنزكان التي تحتضر.. التقطت لها الصورة بهدوء واحترام.. ثم تابعت عبوري..
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.