بقلم يوبا أبركا * //
عرف إقليم سيدي إفني في الآونة الأخيرة حركية ثقافية وتنموية غير مسبوقة، وذلك بحكم تنظيم عدد من لأنشطة الثقافية والمجالية المتنوعة التي ساهمت بشكل واضح في حلحلة الفعل التنموي بالإقليم.
وبحكم أن طبيعة الأنشطة السالفة الذكر مرتبطة أساسا بالفعل الثقافي، سنحاول إبراز العلاقات الوطيدة التي تربط الثقافة بالفعل التنموي، خلافا لما يعتقده البعض ممن يختصرون الثقافة في بعدها الفلكوري أو يصفونها بالميوعة أو غيرها من الأوصاف التي يوهمنا بها أصحاب العقول المتحجرة و المحدودة الأفق.. هادفا أن يكون لهذا المقال أثر على دعم روح العمل الثقافي الهادف بالإقليم مع تشجيع الشباب على الممارسة الفنية وعلى الإنتاج الثقافي، ليساهم في الرفع من وثيرة التنمية عبر الممارسة الثقافية المتعددة بمختلف مناطق الإقليم والمستمرة على طول السنة.
إن اختصار الثقافة في دورها الترفيهي هو تبخيس وقصر الفهم حيث تؤكد كثير من الدراسات السوسيو-إقتصادية أن الثقافة أساس كل إقلاع اقتصادي وتنموي، إذ بدونها تبقى الشعوب تحت وطأة التخلف والتأخر، ونستحضر هنا مقررات منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة التي تثبت أن فشل بعض المشاريع التنموية مرتبط بغياب الفعل الثقافي وأن التطور لا يترادف مع النمو الاقتصادي وحده، بل هو وسيلة لصنع حياة فكرية ومعنوية وروحية أكثر اكتمالاً. ولا يمكن بالتالي فصل التنمية عن الثقافة. كما تدعو إلى تعزيز مساهمة الثقافة في التنمية المستدامة وقد سبق أن قامت بإطلاق مبادرات في إطار العقد العالمي للتنمية الثقافية وبفضله تحقق نمو ملحوظ بفضل مجموعة من الصكوك الخاصة بوضع المعايير والأدوات الإيضاحية كالإحصاءات الثقافية والجردات ورسم خرائط الموارد الثقافية على المستويَين الإقليمي والوطني.
هذا جزء من المرجعية المعتمدة من طرف المنظمة السابقة الذكر والتي تدعو بشكل صريح إلى دعم قطاع السياسات الثقافية والإبداعية وقد كانت هذه المرجعية وراء التطورات التي عرفها الثقافة والتنمية، حيث أصبح ربط التنمية مثلا بالأرقام والبنيات التحتية وربط الثقافة بالترفيه أمورا أضحت من الماضي وتجاوزتها كل مخططات التنمية بالعالم وقد صارت علاقتهما في عصرنا مرتبطة ارتباطا وثيقا بل لا يمكن أبدا فصل أحدهما عن الأخر.
إن تطور مصطلحات التنمية دليل على هذا الإرتباط حيث صارت لها أسماء ومرادفات جديدة ك «التنمية المستدامة ” و”التنمية المجالية و”التنمية المندمجة” و”التنمية البشرية ” و”التنمية الثقافية” وقد كان سبب هذه التطورات هو تركيز التنمية ليصبح محورها هو الإنسان.
واليوم وعبر ربوع العالم أصبحت الثقافة قطاعا أساسيا ومهما للاستثمار وتحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي، وهناك نماذج كثيرة لدول تعتمد اقتصاداتها على الثقافة بجميع فروعها، وتوظف التراث والفن والثقافة في جلب العملة الصعب والرفع من عدد السياح وتحقيق فرص الشغل ونشر المعرفة والعلم وقيم التسامح والانفتاح و غيرها، حيث تلعب دورا أساسيا في ترسيخ القيم والتربية على السلوك السليم وفي تشجيع التخيل والدفع بروح الإبداع والابتكار الذي يعتبره علماء النفس أساس تطور الأفراد عن طريق تطوير قدراتهم المهنية والمعرفية والإنتاجية، باعتبار الفرد أساس المجتمع، وتنمية قدراته هو تنمية للمجتمعات ككل. وفي ظل غياب روح الإبداع والابتكار يبقى المجتمع حبيس الاستهلاك والتقليد مما يسهل بروز قيم جديدة غريبة عن مجتمعنا و تؤثر سلبا على روحنا الجماعية ونظرتنا للمستقبل، وهنا لابد من الإشارة إلى ما أكده البنك الدولي حيث أرجع أسباب الفقر والتدهور الاقتصادي إلى إحساس الناس بأنه لا صوت لهم ولا دور لهم داخل مجتمعاتهم، وهذا الإحساس طبعا لا ينمو داخل النفوس إلا بموت تلك الطاقة المتجددة التي تدعو الإنسان إلى التجديد والإبداع.
هذا ويتوفر إقليم سيدي إفني و عاصمته سانتاكروز على مناخ ثقافي وبيئي وطبيعي وتاريخي متميز يجعله من الأقاليم المغربية الغنية بتنوع ووفرة موارده الطبيعية والثقافية والمجالية التي ستساهم بلا شك في تسريع وتيرة التنمية الاجتماعية والاقتصادية التي مازالت تعرقلها العديد من الأمور، وأهمها غياب الإرادة و الابتكار، وسيادة عقلية سلبية لذى نسبة من الشباب الذي من الممكن أن يكون قائدا وفاعلا أساسيا في تنمية الإقليم وتطوير مقوماته الاقتصادية المتجلية أساسا في قطاع السياحة والصيد البحري والمنتجات المجالية، وكلها مجالات لا تستلزم وجود رأس مال كبير للاستثمار بقدر ما تحتاج إلى أفكار وعزيمة وتجديد أنماط الخدمات وتجويدها.
التنمية الثقافية بمدينة سيدي إفني نحتاجها أكثر من أي وقت مضى وأذكر هنا مداخلة أحد الدكاترة المختصين الذين شارك بندوة في إطار مهرجان أكناري بعمالة الإقليم حول منتوجات الصبار، حيث أكد ان هذه النبتة ستمكن الساكنة من إنتاج أكثر من تسع مواد تجارية يمكن استثمارها على طول السنة عكس الاستغلال التقليدي والموسمي للفاكهة، حيث يقتصر استغلال هذا المنتوج على تصديره للأسواق الوطنية والمحلية كمادة للأكل في حين يمكن تصنيع عدد مهم من مواد التغذية والتجميل والصحة، ستكون موردا أساسيا للساكنة بشكل منتظم.
شرط ربط الثقافة بالتنمية إذن بسيدي إفني ليس خيارا بل أضحى ركنا أساسيا للإقلاع التنموي الشامل وهو البوابة الأساسية لجعل المدينة والإقليم وجهة أساسية للسياح عن طريق التعريف بمؤهلاته الطبيعية التي تزخر بها على طول ساحلها البحري المتميز وشواطئها العالمية والمنفردة بتضاريسها الحمراء وأمواجها العالية وجودة مياهها ومناخها المعتدل، وقد سبق أن اختارت صحيفة هافينغتون بوسط ”بالولايات المتحدة الأمريكية شاطئ “لكزيرة” ضمن أفضل 40 شاطئا في العالم، و احتل الرتبة الـ29 في تنصيف اعتمد فيه على جمال البحر والمناظر، وهي من الخيارات التي جعلت هذا الشاطئ كأفضل الوجهات السياحية بالمغرب وبفضله خلق حركة سياحية مهمة على طول السنة ولكنها غير كافية بالمقارنة مع الإمكانيات الهائلة المتوفرة كالبنية العمرانية ذات الطابع الإسباني/المغربي التي تميز المدينة وتمنحها هوية أصيلة وفريدة تستطيع بواسطتها جذب العديد من الزوار من مختلف بقاع العالم.
ونحن اليوم في حاجة ماسة لبلورة رؤية دعائية وتجديد أساليب الترويج والتسويق التي لا يمكنها أن تستقيم دون مساندة ودعم المبادرات الثقافية التي تسير في هذا الاتجاه مع تشجيع الإبداع المسرحي والتشكيل والفرق الموسيقية والتراثية والمشاركة في مختلف التظاهرات الوطنية والعالمية لتمثيل الإقليم ودعم البنيات و المنشآت الثقافية واستقطاب شركات التصوير مع توفير أجواء مناسبة للإقامات الفنية الوطنية والدولية ودعوة رواد اليوتوب والمواقع الاجتماعية لزيارة المدينة حيث يشكلون اليوم أهم وسائل الدعاية والتسويق في العالم. وكل هذا ونحن نطمح أن نجعل من المدينة والإقليم فضاء وطنيا للإنتاج الثقافي والفني والسينمائي وطبعا مع وجود مسافة أمان مع الإستغلال السياسوي الضيق والذي شكل إلى حد كبير أحد أهم معيقات التنمية والثقافة.
*يوبا أبركا
فاعل ثقافي
مدير المهرجان الدولي للسينما والبحر
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.