سياسة المدينة في المرجعية الأمازيغية
أزول بريس – عبد الله بوشطارت //
بكل صراحة ما يقع في مدينة الدار البيضاء، والمدن الكبرى كل موسم شتاء، لا يتحمل فيه المسؤولية لا عمدة المدينة ولا المهندس ولا المقاول ولا الوالي ولا الوزير… إن المسؤول الحقيقي هو نظام المدينة برمته، هذا النظام الحضري الذي تركته فرنسا كقوة استعمارية لا يتلائم مع خصوصيات المغرب، طبوغرافيا واجتماعيا وثقافيا واقتصاديا. هو نموذج فاشل جدا جدا. لأن النمط الأوربي للمدينة الصناعية التي تتكدس بالمعامل، لا تصلح لنا نهائيا. حيث ينتج مدنا بمثابة وحوش اسمنتية فصلتها وحوش آدمية تستثمر في العقارات وحولت المدن إلى قنابل موقوتة، تعذب الإنسان وتلوث الفضاء وتشوه المكان.
ما الحل؟
الحل يكمن في المرجعية الأمازيغية في طريقة بناء ورسم المدن، وهي هندسة مبنية أساسا على فهم العبقرية الأمازيغية في المعمار والأعمار انطلاقا من دراسة بناء وتموقع دواوير صغيرة في سفوح الأطلس. المرجعية الأمازيغية لها طرق خاصة مستوحاة من الحضارة المعمارية الأمازيغية في الإسكان والسكن والبناء، منها ما نجده الآن في المدن العتيقة. نحن لا نحتاج في المغرب إلى مدن كبرى مثل الدارالبيضاء وطنجة ومراكش وفاس وسلا ومكناس، بل نحتاج إلى نمط من الحواضر الصغيرة والمتوسطة الجميلة مثل اشاون والحسيمة وتنغير وفكيك وافران وتافراوت وافني وآسا وطاطا وتزنيت وتاصورت.. (قبل أن يزحف ويتغول الأسمنت في هذه المدن تحت ذريعة السكن الاجتماعي والاقتصادي).
اذن، يجب إيقاف بشكل عاجل ما يسمى بالسكن الاجتماعي والاقتصادي ونظام التجزئات السكنية بضواحي المدن، وتحرير المغرب من التمركز والمركزية القاتلة والمميتة التي ستجعل شمال المغرب يعيش على فوهة بركان اجتماعي مستمر…
الترامواي الفرنسي يغرق في المدينة الغول التي تركتها الدولة الفرنسية الاستعمار ية، ما يسمى بالعاصمة الاقتصادية، للاسف المغرب تبنى نموذجا فرنسيا فاشلا في السياسة والاقتصاد والعمران. حان الوقت لنفكر جميعا في المرجعية الأمازيغية خاصة في تخطيط المدن والثقافة وسلوك العيش. المغرب له مساحات شاسعة جدا، في حين نرى مافيا العقار ولوبي السكن والبناء، يكدس ضواحي المدن بالتجزئات والتصاميم ويتلاعب بالعقارات التي يتم شرائها بأثمنة زهيدة جدا في مناطق تابعة للجماعات القروية ناقصة التجهيز ويتم الحاقها إلى تصاميم التهيئة الحضرية بالمدن الكبرى ويقومون بإعادة بيعها بأثمنة مرتفعة وخيالية، او يقومون ببناء تجزئات وعمارات وأحياء جديدة من السكن الاجتماعي، أو تجزئات للسكن الرفيع مثل الفيلات أو الإقامات المحروسة، بهذه الطريقة يتم تمطيط المجالات الحضرية، فالدارالبيضاء اليوم أصبحت مدينة واحدة مع المحمدية.
والرباط مع ثمارة والصخيرات وبوزنيقة أصبحت مجالا حضريا واحدا. أما سلا وبوقنادل والقنيطرة هي الأخرى أصبحت شريطا ممتدا من الأسمنت والعمارات والبنايات، 20 كلمتر بين سلا والقنيطرة أصبحت كلها مبنية بالاسمنت، ويمكن الحديث عن مدينة واحدة. فكلما تسمعونه عن سياسة المدينة والتخطيط وتصاميم التهيئة… فهي كلها شعارات فارغة وكلام غير ذي معنى، هدفه هو أكل الميزانيات وتخطيط مستقبل بعض العائلات والاوساط النافذة للهيمنة على التوجهات الاقتصادية الكبرى للمغرب، تحت ذريعة ما أصبح اليوم يسمى بمكتب الدراسات. هل كانت هذه المكاتب والتصاميم أيام تم بناء مدينة أغمات وسجلماسة وتارودانت وإليغ واوداغشت ونول لمطة ونكور وداي ومازيغن وأنفا…. او حين تم تشييد إيگودار فوق قمم جبلية صخرية شاهقة..
إن هذه المدن الكبرى الفوضوية، هي كارثة حقيقية، سببها الوحيد هو تمركز الخدمات والثروات والفرص في محور واحد هو كازا الرباط القنيطرة كما خططت فرنسا لذلك وجعلت لها سكة حديدة تجر اليها خيرات الجبال من معادن ومواد أولية ليتم شحنها عبر الموانئ إلى اوروبا.
المرجعية الأمازيغية تناقض هذه السياسة وتعارضها بشدة، لأنها سياسة فاشلة واستعمارية. المرجعية الأمازيغية تدعو وتطالب بإعادة النظر في هذه المنظومات غير المتوازنة.
المدن يجب أن تكون صغيرة ومتوسطة وفيها فضاءات السكن والراحة والهدوء وتحافظ على الخصوصيات الثقافية واللغوية، مدن نظيفة ليس فيها مدن الصفيح ولا عمارات السكن الاقتصادي، هذه التشوهات لا تتلائم مع الخصوصية الثقافية والاجتماعية المغربية، وتعيق تطور الإنسان وتزعج راحته..
لذلك فالانسان الامازيغي ليس مجبرا على الهجرة من بلاده وترك أرضه ليترامى عليه المخزن، ويهاجر إلى المدن الكبرى ليقطن في قفص معلق في السماء من 50 متر ويؤدي اقساطه طيلة عمره على رأس كل شهر، فقط لكي يعيش ويشعر أنه قريب من الخدمات العمومية. هذه سياسة استعمارية نهجتها فرنسا لتهجير القبائل والشباب ليشتغلوا في المعامل داخل المدن الصناعية الكبرى، وتبنتها الدولة المغربية للأسف بعد الاستقلال..
عبدالله بوشطارت.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.