ذكرى المولد النبوي هي المناسبة، هي مناسبة للتجديد والتنوير لما فيه مصلحة الانسان في مجتمعاتنا الاسلامية.
المناسبة هي للرجوع إلى الغاية من بعث او ظهور الانبياء والمصلحين، وهي اصلاح المجتمعات البشرية بتجديد القيم الإنسانية وتنقيحها، وتغيير واقع الانسان نحو الافضل كإنسان، وفك القيود والاغلال عنه، فلكل زمان خصائصه التي لا تشبه خصائص الأزمنة قبله …
فالمناسبة هي للرجوع الى الغاية من الاديان، وليس الى الوسائل المكبلة لحرية وكرامة الانسان اليوم، التي تختلف عن مدلول حريته وكرامته أمس: فاليوم الانسان مواطن وليس فردا ضمن قطيع/ رعية، والمرأة انسانة حرة وليست عورة او ناقصة عقل… والمواطن اليوم هو مواطن بغض النظر عما كان عليه سابقا في ظل الشرائع الدينية التي قننها رجال الدين وكانت تميز بين البشر ( تمشيا مع الظروف التاريخية انذاك) من حيث لونه(حر، عبد) او جنسه (رجل، امرأة، جارية، أمة..)أو دين(المومن، الكافر/ المسلم ،الذمي…
مناسبة المولد النبوي هي تجديد الغاية التي من أجلها بعث الانبياء، والتي يلخصها الحديث النبوي” إنما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق” اي مواصلة طريق الاصلاح الذي بدأه الانبياء والمصلحون قبله وسيواصله المصلحون بعده ما دامت المجتمعات الانسانية موجودة…
ذكرى المولد النبوي هو مناسبة للسير على نهج الاصلاح اي اصلاح وتنوير مجتمعاتنا التي قطعت مع الكثير من القوانين والحدود”الشرعية” التي كان الفقهاء يعتبرونها من أسس الشريعة، فإن كانت بعضا من هذه الشرائع مقبولة في المجتمعات القديمة الزراعية او التجارية، فاليوم اصبحت متجاوزة( قطع اليد، الجلد، الرجم، اهل الذمة، الحر المسلم لا يقتل إذا قتل عبدا أو ذميا، قتل المرتد والمثليين، إلزام المرأة بيتها باعتبارها عورة، المرأة ناقصة العقل تحتاج دوما الى ولي أمرها، شراء وبيع الجواري والإماء والعبيد ..، ما يطبق على الحر او الحرة لا يطبق كاملا على العبد او الأمة، طاعة العبيد المطلقة لاسيادهم… ).
المناسبة هي تجديد المجتمعات الإسلامية وتنوير الاسلام لئلا يبقى في يد من يسيء اليه ويريد إرجاعه إلى القرون الخالية ( لفرملة نهضة المجتمعات الإسلامية اليوم) من الفقهاء والجماعات السلفية والاسلامية المتطرفة وغيرهم من الذين لا يرون في الدين إلا وسيلة للوصول الى السلطة السياسية بمنافعها الدنيوية عبر دغدغة عواطف الناس، لإقامة دولة دينية سياسية والتي تجسدت في بعض النماذج الدينية مثل الدولة الإسلامية في العراق والشام(داعش), او افغانستان او بوكو حرام..
المناسبة هي التجديد والتنوير وقراءة الاسلام من واقعنا الاجتماعي والحضاري اليوم أسوة بما فعله اجدادنا الامازيغ الذين أخذوا بالغاية من الدين وليس بالوسيلة اي الحدود، فأقاموا مجتمعاتهم التي فصلوا فيها بين الدين/الشريعة وبين التدبير الاجتماعي والسياسي لامورهم، فلم يقطعوا يدا ولا رجموا ولا قتلوا من أجل القصاص، واعطوا للمرأة كدها وسعايتها في الأماكن التي طبقوا فيها قوانينهم اي أعرافهم، واعطوا لنا مثالا في الفصل بين الدين والسياسة، اي ما نسميه بالعلمانية الأمازيغية..
فمناسبة المولد النبوي، ليست مناسبة للذكرى، بقدر ما هي تذكير بالغاية منها وهي التجديد والتنوير وركوب مراكب العلوم والاخذ بالفكر العقلاني التي انتجها المجتمع الانساني لتلتحق مجتمعاتنا الإسلامية بالركب الحضاري.
ولمجتمعنا المغربي تاريخ في انتاج هذا الفكر العقلاني باعتبار شمال غرب أفريقيا منذ القديم او الغرب الاسلامي في ظل الاسلام اشتهر بأنه معقل الفكر العقلاني منذ اغسطين، ودونات( مذهب الدوناتية), وأفولاي، وابن خلدون، وابن رشد.. إضافة إلى تميز المغاربة بتدينهم المغربي المتميز عن نظيره المشرقي…
التعليقات مغلقة.