أزول بريس – ذ/ ماء العينين أعيش* //
أن المملكة المغربية حاولت تحقيق قفزة نوعية في مجال محاربة الفساد و دلك من خلال مصادقتها على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد بتاريخ 9 ماي 2007 و نشرها بالجريدة الرسمية بتاريخ 17 يناير 2008 ، و اتخادها لمجموعة من الخطوات للحد من هده الظاهرة الخطيرة على الامن و الاستقرار و التنمية ،كإنشاء الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها ،و كدا التنصيص في مواد الدستور على مجموعة من المبادئ التي يمكن من خلالها التصدي للفساد كربط المسؤولية بالمحاسبة و مبدأ الحكامة الجيدة ،فضلا على تبنيها لمجموعة من آليات كشف جرائم الفساد والتبليغ عنها،
غير انه رغم هده المجهودات المبذولة فان الفساد مازال ينخر المؤسسات و المجتمع مما يشكل عرقلة حقيقية لمسار التنمية و كدا لبناء الدولة القوية، الامر الدي أكده مجموعة من الفاعلين و المسؤولين من بينهم والي بنك المغرب السيد عبد اللطيف الجواهري في كلمة ألقاها بتاريخ 28/11/2019 بالرباط بمناسبة تسليم شهادة الجودة ISO لفائدة منظومة بنك المغرب الخاصة بمحاربة الفساد، و كدا السيد سعد الدين العثماني رئيس الحكومة المغربية بكلمة القاها بمنتدى أطر وخبراء حزب العدالة والتنمية المنعقد بالرباط، حيث كشف أن الرشوة والفساد والتلاعب بالمال العام “أمراض” تفوت على الاقتصاد الوطني ما مجموعه 5 في المائة من الناتج الداخلي، التي يمكن من خلاله بناء 150 مستشفى أو 300 مدرسة سنويا.
بل اكثر من دلك فان المتتبع للشؤون و الاحداث الإقليمية سيلاحظ ان جل الثورات (تونس السودان ) و كدا الانتفاضات و الاحتجاجات الشعبية (لبنان ، المغرب ، الجزائر ، مصر ، العراق ، الأردن..)كان المحرك الرئيسي لها هو المطالبة بمحاربة الفساد المستشري داخل المؤسسات و كدا بالنخب السياسية ، الامر الدي جعل الفساد أصبح سببا رئيسيا في عدم استقرار الدول و ظهور الحركات الاحتجاجية التي يرتفع سقف مطالبها يوما بعد يوم ، الشيء الدي اصبح معه الامر يستلزم ضرورة البحث عن اليات فعالة للقضاء أو الحد من ظاهرة الفساد التي أصبحت تهدد استقرار الدول و الشعوب ،
و في هدا الاطار و وعيا من المشرع المغربي بالأهمية القصوى للمعلومات الاستباقية فقد اعطى للمدير العام لإدارة مراقبة التراب الوطني و ولاة الأمن والمراقبون العامون للشرطة وعمداء الشرطة وضباط ادارة (D.S.T) الصفة الضبطية، غير انه مع كامل الاسف قصر مهامهم في الجرائم المنصوص عليها في المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية و المتعلقة بأمن الدولة أو جرائم الارهاب أو العصابات الإجرامية، أو القتل أو التسميم، أو الاختطاف وأخذ الرهائن، أو تزييف أو تزوير النقود أو سندات القرض العام، أو المخدرات والمؤثرات العقلية، أو الأسلحة والذخيرة والمتفجرات، أو حماية الصحة،
وقد اثبتت الممارسة العملية و الاحصائيات نجاعة و فعالية ضباط إدارة مراقبة التراب الوطني، فالمتتبع لأعمال و أنشطة إدارة او جهاز مراقبة التراب الوطني D.S.T- سابقا – (مثله مثل باقي الاجهزة الاستخباراتية الأخرى على المستوى الدولي او الإقليمي ) سيلاحظ فعالية و نجاعة هدا الجهاز في محاربة الجريمة المنظمة (الاتجار الدولي للمخدرات )و كدا الاعمال الإرهابية ، و دلك راجع بالأساس الى خصائص عمل هدا الجهاز ، فعمله هو عمل تراكمي، مؤسس على المعلومة الدقيقة من مصادر مختلفة ، حيث يتركز نشاطه في جمع و فحص و معالجة و تحليل والاحتفاظ بالبيانات والمعلومات التي تتعلق بالحقائق والتهديدات والمخاطر التي تؤثر على الأمن الداخلي والخارجي للبلاد.و كدا القيام بالتحقيق في التهديدات المحتملة للأمن القومي و القيام بالعمليات الإستعلاماتية الاستباقية للتهديدات والمخاطر التي تستهدف الأمن القومي.و الاستعلام لفائدة الدولة عن الأجهزة أو التنظيمات أو الأطراف التي تمثل تهديدا حقيقيا لمصالح الدولة ،
ففعالية عمل هده الأجهزة جعلت المفكرون و الخبراء الامنيون يحاولون الاستفادة من طبيعة التكوين في هده الأجهزة و طريقة اشتغالها مع تجاوز طابع السرية التي تتمتع بها هده الأجهزة ، حيث نشأة فكرة الشرطي الدي يستهدي بالمعلومات باعتباره نموذجا حديثا و إستباقيا لإنفاذ القانون ، و الدي يجب ان لا يقتصر عمله فقط على العصابات المنظمة او الاعمال الإرهابية او الأنشطة العابرة للحدود ، بل يجب ان يشمل أيضا العمل اليومي لأجهزة الشرطة العادية و توسيع مهامه ليشمل محاربة الفساد ، خصوصا و ان هدا الأخير أصبح يشكل خطرا كبيرا على جميع الدول ، و هو النموذج الدي أصبحت تتبناه الدول الاوربية من خلال منظمة الامن و التعاون باوربا ،
الامر الدي اصبح لزاما معه على المشرع المغربي العمل مرحليا على توسيع صلاحيات إدارة مراقبة التراب الوطني لتشمل قضايا الفساد كما هي معرفة في الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد خصوصا في المجالات التالية :
1- في المجال السياسي و الإداري و دلك من خلال تخويلهم تتبع تراكم ثروات المسؤولين السياسيين و الإداريين بعد توليهم زمام المسؤولية ، و جمع و تحليل المعلومات التي تتعلق بهؤلاء الاشخاص خصوصا و ان تقارير المجلس الأعلى للحسابات اكدت بالملموس ان هناك إهدارا مفرطا للمال العام ،و كدا تتبع مختلف الصفقات و جمع المعطيات بخصوصها ،
2- في المجال الاقتصادي العمل على تتبع المشاريع الخاصة و التي تستهدف شريحة واسعة من المجتمع مما يمكن ان يشكل تهديدا للأمن الاجتماعي كما هو الحال بالنسبة للمشروع السكنى المسمى ‘باب دارنا’ الدي راح ضحيته الاف المغاربة فلو كانت هناك رقابة قبلية لجهاز dst على مثل هده المشاريع و دلك من خلال تتبعها و جمع المعطيات و المعلومات عنها و انجاز تقارير بخصوصها لتم تفادي النتائج السلبية التي حصلت و التي راح ضحيتها الالاف وأيضا تتبع الشركات العالمية الكبرى و كدا الرساميل الكبيرة التي تدخل للمغرب و رصد مجال اشتغال و العمل على جمع المعلومات و المعطيات حولها و تحليلها حتى يتم التأكد من ان نشاطها يتمركز فقط في الاستثمار و ليس له مآرب أخرى ،
ان التحولات التي يعرفها العالم و كدا الكم الهائل للدسائس و المؤامرات التي أصبحت تنكشف يوما بعد يوما و التي تتخد غطاءا اقتصاديا و تستغل فساد المسؤولين الإداريين في جميع دول العالم للسيطرة على هده الدول و شعوبها ، فضلا على التطور الملحوظ الدي اصبحث تعرفه الجريمة المنظمة و العابرة للقارات أصبحت تستلزم ضرورة تكوين جهاز امني جديد يتكون من ضباط و شرطيين يستهدون بالمعلومات يكون اختصاصهم مقتصرا على محاربة الفساد و حماية المال العام ،
*ذ/ ماء العينين أعيش محام و طالب باحث بسلك الدكتوراه .
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.