د.فهمي يكتب: “الصين وأمريكا؛ محددات الصراع المستقبلي وآفاق السلام العالمي”
بقلم الدكتور بوشعيب فهمي: //
تصاعد التوتر بين جمهورية الصين والولايات المتحدة الأمريكية وظهر الخلاف الواضح في مواقف الدولتين من القضايا التي تهم السياسية الدولية وبشكل أكثر حدة حول السيطرة على الأسواق العالمية ومصادر الطاقة. وسيعرف هذا الصراع المحموم فصولا وأشواطا متجددة تهدد بنيات المنتظم الدولي ورفع درجات التوتر.
وقد تعمدت إدراج اسم الصين أولا في العنوان للدلالة على أن مفاتيح هذا التدافع من بين أهم الخيارات الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية التي ظلت إلى وقت قريب تتحكم في آليات تدبير المصالح الاقتصادية. بل أضحى ذلك واقعا مفروضا عليها ويظهر ذلك من خلال التقارير التي أصدرتها بعض مراكز الدراسات أو حتى تلك التقارير التي اعدت من طرف وكالة الاستخبارات الأمريكية، والتي تحمل تخوفا عميقا من السيطرة الصينية على الأسواق والشركات العالمية في غضون السنوات القادمة، خصوصا في ظل السياسة الاقتصادية الخارجية التي تنهجها الصين المرتكزة على غزو الأسواق التقليدية التي ظلت حكرا على السلع والشركات الأمريكية والأوربية وفتح أسواق أخرى جديدة لن تستطع السلع الأمريكية ولوجها بعيدا عن التدخل العسكري في الدول الأخرى الشريكة بالتالي تفادي الأضرار بالسمعة التجارية للصين التي ترتكز على دعم آليات متجددة للسيطرة على الأسواق دون خوض الحروب الممهدة.
وهذا النهج أصبح يؤرق صانعي القرار السياسي والاقتصادي الأمريكي خصوصا في ظل وصول الحزب الجمهوري للسلطة، الذي جعل من العداء للصين مرتكزا أساسيا للسياسة الاقتصادية الخارجية، حيث قام الرئيس ترمب بتعيين الدكتور بيتر نافرو Peter Navarro مستشارا له في الشؤون التجارية والاقتصادية نظرا لاقتناعه بالدراسات التي قام بها لتحليل مستقبل العلاقات الاقتصادية بينهما واستعادة التوازن في العلاقات بين العملاقين الصيني الأمريكي.
وقد أصدر نافرو كتابين مهمين حذر فيهما من التهديد الخطير الذي يأتي من تعاظم الاقتصاد الصيني خصوصا في كتابه الموت بالصين سنة 2017 the Ath by china وقد دق ناقوس الخطر محذرا من السيطرة الصينية على الأسواق والشركات الوطنية إذا لم يتم اتخاذ العقوبات الاقتصادية لحصر النمو الصيني والأضرار المستقبلية التي ستكبدها الاقتصاد الأمريكي.
حيث أصبح هذا الرجل عراب السياسة الاقتصادية الخارجية الامريكية. وسيشهد الصراع فصلا جديدا أكثر حدة وخطورة على السلام العالمي. فبيتر نافرون كان عضوا للحزب الديمقراطي وغادره بعدما لم يجد لأفكاره منفذا سياسيا والتحق بالحزب الجمهوري ونال ثقة الرئيس ترمب لإعداد السيناريو من أجل محاصرة الصين ودفعها للتراجع والقبول بشروط أخرى للتفاوض على التجارة الدولية. وقد يصل الأمر إلى حد التهديد باستعمال القوة أو القيام بضربة جوية خاطفة لجعل الصين تقبل بشروط التفاوض الجديد داخل المنظمة العالمية للتجارة وهو ما أكده الخبير طلال أبو غزالة حول إمكانية نشوب صراع عسكري محدود بين أمريكا والصين نهاية عام 2020 الذي يتزامن مع الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
وقد بات الامر يظهر في ظل الأزمة الصحية العالمية التي تسبب فيها انتشار فيروس كوفيد ١٩ حيث الاتهامات المباشرة التي صرح بها الرئيس ترتكب حول قيام الصين بخداع العالم والتستر على انتشار الفيروس وتصدير المرض إلى الدول الأخرى وعدم احترام الالتزامات الدولية المنبثقة عن الاتفاقيات الدولية المؤسسة لمنظمة الصحة العالمية.
وفي نفس الإطار تحاول الولايات المتحدة الأمريكية حشد الدعم الدولي لفترة ما بعد أزمة كورنا بتنفيذ تهديدات تعلم أن القيام بها جد صعب خصوصا في ظل الظروف الدولية الحالية التي أكدت قوة الأداء الصيني في تدبير الأزمة داخليا واستغلالها لصالح الاقتصاد الصيني الذي يسجل حاليا أرقاما مهمة بالمقارنة مع الشركاء الذي كادت أزمة كورونا أن تجهز على مفاصل اقتصاداتها مع العلم أن الولايات المتحدة الأمريكية تدرك أن هناك دورا محوريا للاقتصاد الصيني في دعم قيمة الدولار لكن يجب الحد من السيطرة الصينية على الأسواق التي جعلت الميزان التجاري الأمريكي مدينا اتجاه الصين خاصة في ظل التقارير الاستخباراتية الأمريكية التي أفادت أن الصين افتعلت أزمة كورنا لدفع الشركات الأمريكية والاوربية التي تستحوذ على قطاعات حيوية داخل الصين تفكر في إنقاذ أسهمها وبيعها داخل الصين حيث اشترت الدولة الصينية أسهم مجموعة من الشركات العملاقة بثمن بسيط. وبعد ذلك صرحت بالسيطرة على المرض وإعادة الحياة الاقتصادية إلى مجراها.
لكن وإن بقي هذا الأمر من خفايا السياسة الاقتصادية الصينية ولا توجد الحجج حاليا للقول بصحته فإن الصين وبحكم معرفتها بالسياسة الاقتصادية التوسعية للولايات المتحدة والمبنية على تسخير المنظمة العالمية للتجارة لفرض العقوبات الاقتصادية على الدول التي أخذت تزاحم الولايات المتحدة كما وقع وقت سابقا مع اليابان، فإن بوسعها أن تغير خطة الصراع وبالتالي استغلال الازمة الصحية العالمية لصالح تسريع الاقتصاد الصيني ودفعه نحو النمو في ظل تراجع الاقتصادات الأوربية، وما يرجح هذا الطرح عدم اقتناع الرئيس الأمريكي لدعوات فرض الحجر الصحي على المواطنين الأمريكيين وإعطاء الأولوية للاقتصاد وهو يعلم أن عقارب الساعة لن تعود للخلف في الصراع الصيني الأمريكي وستختل موازين القوة الاقتصادية أساس الزعامة العسكرية للعالم، فالصين تستفيد مما يتيحه وحدة النظام السياسي وقوته في توجيه الجهود نحو التوسع الاقتصادي ولا يكترث والاكراهات المتعلقة باحترام حقوق الإنسان وظروف الشغل في مقابل الوضع في الولايات المتحدة الأمريكية التي تتعدد فيها مصادر القرار الاقتصادي بين النخبة السياسية والشركات الرأسمالية الكبرى.
وقد استطاعت الصين دفع الولايات المتحدة الأمريكية الى القبول ببعض شروط المنافسة على الأسواق ساعدها فيذلك عدم قدرة الولايات المتحدة على خلق نخبة اقتصادية موالية للمصالح الأمريكية بالصين وقوة الأجهزة الاستخباراتية الصينية في التجسس الاقتصادي والحصول على براءات الاختراع وتقليدها وإنتاج السلع الرخيصة التي تغزو الأسواق العالمية إضافة إلى موقعها كعضو دائم بمجلس الامن الدولي لها حق ممارسة الفيتو ضد الإجراءات الأمريكية.
تجدر الإشارة أن الصين غيرت استراتيجيتها الاقتصادية لملاءمة الظروف الحالية التي يشهدها العالم والتي ستؤدي إلى اختلالات كبيرة في ريادة بعض الأنشطة والقطاعات الاقتصادية وصعود أخرى تملك الصين قوة كبيرة للمنافسة فيها تخص بالذكر الجيل الجديد من الأنترنت 5G التي دفعت الولايات المتحدة لمنع ولوج التقنية الصينية الأسواق الأمريكية بذريعة وجود برامج التجسس بها، ولعل الأشهر القادمة ستكون حاسمة في ترتيب هذه العلاقة خاصة في سياق الأزمة الداخلية العميقة التي تعيشها الولايات المتحدة تحث تأثير الوضع الأمني الداخلي غير المستقر بفعل اندلاع الاحتجاجات العارمة بعد مقتل مواطن اسود البشرة على يد شرطي أمريكي خلال عملية إيقافه.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.